Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 68-71)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أخبر تعالى عن تعنت بني إسرائيل وكثرة سؤالهم لرسولهم ، ولهذا لما ضيقوا على أنفسهم ، ضيق الله عليهم ، ولو أنهم ذبحوا أي بقرة كانت لوقعت الموقع عنهم ، كما قال ابن عباس وعبيدة وغير واحد ، ولكنهم شددوا فشدد عليهم فقالوا { ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنَ لَّنَا مَا هِىَ } أي ما هذه البقرة ، وأي شيء صفتها ؟ قال ابن جرير ، حدثنا أبو كريب ، حدثنا عَثَّام بن علي ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو عن سعيد ابن جبير ، عن ابن عباس ، قال لو أخذوا أدنى بقرة لاكتفوا بها ، ولكنهم شددوا فشدد عليهم - إسناد صحيح - وقد رواه غير واحد عن ابن عباس ، وكذا قال عبيدة والسدي ومجاهد وعكرمة وأبو العالية وغير واحد ، وقال ابن جريج قال لي عطاء لو أخذوا أدنى بقرة لكفتهم ، قال ابن جريج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما أمروا بأدنى بقرة ، ولكنهم لما شددوا ، شدد الله عليهم ، وايم الله لو أنهم لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد " قال { إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ } أي لا كبيرة هرمة ، ولا صغيرة لم يلحقها الفحل ، كما قاله أبو العالية والسدي ومجاهد وعكرمة وعطية العوفي وعطاء الخراساني ووهب بن منبه والضحاك والحسن وقتادة ، وقاله ابن عباس أيضاً ، وقال الضحاك عن ابن عباس عوان بين ذلك ، يقول نصف بين الكبيرة والصغيرة ، وهي أقوى ما يكون من الدواب والبقر ، وأحسن ما تكون ، وروي عن عكرمة ومجاهد وأبي العالية والربيع بن أنس وعطاء الخراساني والضحاك نحو ذلك ، وقال السدي العوان النصف التي بين ذلك ، التي قد ولدت وولد ولدها ، وقال هشيم ، عن جويبر ، عن كثير بن زياد ، عن الحسن في البقرة كانت بقرة وحشية ، وقال ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس من لبس نعلاً صفراء لم يزل في سرور ما دام لا بسها ، وذلك قوله تعالى { تَسُرُّ ٱلنَّـٰظِرِينَ } وكذا قال مجاهد ووهب ابن منبه كانت صفراء ، وعن ابن عمر كانت صفراء الظلف ، وعن سعيد بن جبير كانت صفراء القرن والظلف ، وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا نصر بن علي ، حدثنا نوح بن قيس ، أنبأنا أبو رجاء عن الحسن في قوله تعالى { بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا } قال سوداء شديدة السواد ، وهذا غريب ، والصحيح الأول ، ولهذا أكد صفرتها بأنه { فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا } وقال عطية العوفي { فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا } تكاد تسود من صفرتها ، وقال سعيد بن جبير { فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا } قال صافية اللون . وروي عن أبي العالية والربيع بن أنس والسدي والحسن وقتادة نحوه ، وقال شريك عن معمر عن ابن عمر { فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا } قال صاف ، وقال العوفي في تفسيره عن ابن عباس { فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا } تكاد تسود من صفرتها ، وقال سعيد بن جبير { فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا } صافية اللون ، وروي عن أبي العالية والربيع بن أنس والسدي والحسن وقتادة نحوه ، وقال شريك عن معمر عن ابن عمر { فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا } شديدة الصفرة ، تكاد من صفرتها تبيض ، وقال السدي { تَسُرُّ ٱلنَّـٰظِرِينَ } أي تعجب الناظرين ، وكذا قال أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس . وقال وهب ابن منبه إذا نظرت إلى جلدها تخيلت أن شعاع الشمس يخرج من جلدها . وفي التوارة إنها كانت حمراء ، فلعل هذا خطأ في التعريب ، أو كما قال الأول إنها كانت شديدة الصفرة تضرب إلى حمرة وسواد ، والله أعلم . وقوله تعالى { إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَـٰبَهَ عَلَيْنَا } أي لكثرتها ، فميز لنا هذه البقرة ، وصفها ، وحلها لنا { وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ } إذا بينتها لنا { إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } إليها . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن يحيى الأودي الصوفي ، حدثنا أبو سعيد أحمد بن داود الحداد ، حدثنا سرور بن المغيرة الواسطي ابن أخي منصور بن زاذان ، عن عباد بن منصور ، عن الحسن ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لولا أن بني إسرائيل قالوا { وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } ما أعطوا أبداً ، ولو أنهم اعترضوا بقرة من البقر فذبحوها ، لأجزأت عنهم ، ولكن شددوا ، فشدد الله عليهم " وهذا حديث غريب من هذا الوجه ، وأحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة كما تقدم مثله عن السدي ، والله أعلم ، { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ ٱلأَرْضَ وَلاَ تَسْقِى ٱلْحَرْثَ } أي إنها ليست مذللة بالحراثة ، ولا معدة للسقي في الساقية ، بل هي مكرمة ، حسنة صبيحة { مُسَلَّمَةٌ } صحيحة لا عيب فيه { لاَّ شِيَةَ فِيهَا } أي ليس فيها لون غير لونها ، وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مسلمة ، يقول لا عيب فيها ، وكذا قال أبو العالية والربيع ، وقال مجاهد مسلمة من الشية ، وقال عطاء الخراساني مسلمة القوائم والخلق ، لا شية فيها ، قال مجاهد لا بياض ولا سواد ، وقال أبو العالية والربيع والحسن وقتادة ليس فيها بياض ، وقال عطاء الخراساني لا شية فيها ، قال لونها واحد بهيم ، وروي عن عطية العوفي ووهب بن منبه وإسماعيل بن أبي خالد نحو ذلك ، وقال السدي لا شية فيها من بياض ولا سواد ولا حمرة ، وكل هذه الأقوال متقاربة في المعنى ، وقد زعم بعضهم أن المعنى في ذلك قوله تعالى { إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ } ليست بمذللة بالعمل ، ثم استأنف فقال { تُثِيرُ ٱلأَرْضَ } أي يعمل عليها بالحراثة ، لكنها لا تسقي الحرث ، وهذا ضعيف لأنه فسر الذلول التي لم تذلل بالعمل بأنها لا تثير الأرض ولا تسقي الحرث ، كذا قرره القرطبي وغيره { قَالُواْ ٱلآنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ } قال قتادة الآن بينت لنا ، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقبل ذلك والله قد جاءهم الحق { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } قال الضحاك ، عن ابن عباس كادوا أن لا يفعلوا ولم يكن ذلك الذي أرادوا ، لأنهم أرادوا أن لا يذبحوها ، يعني أنهم مع هذا البيان وهذه الأسئلة والأجوبة والإيضاح ما ذبحوها إلا بعد الجهد ، وفي هذا ذم لهم ، وذلك أنه لم يكن غرضهم إلا التعنت ، فلهذا ما كادوا يذبحونها . وقال محمد بن كعب ومحمد بن قيس فذبحوها وما كادوا يفعلون لكثرة ثمنها ، وفي هذا نظر ، لأن كثرة الثمن لم يثبت إلا من نقل بني إسرائيل كما تقدم من حكاية أبي العالية والسدي ، ورواه العوفي عن ابن عباس ، وقال عبيدة ومجاهد ووهب بن منبه وأبو العالية وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم إنهم اشتروها بمال كثير ، وفيه اختلاف ، ثم قد قيل في ثمنها غير ذلك ، وقال عبد الرزاق أنبأنا ابن عيينة ، أخبرني محمد بن سوقة عن عكرمة ، قال ما كان ثمنها إلا ثلاثة دنانير ، وهذا إسناد جيد عن عكرمة ، والظاهر أنه نقله عن أهل الكتاب أيضاً ، وقال ابن جرير ، وقال آخرون لم يكادوا أن يفعلوا ذلك خوف الفضيحة إن أطلع الله على قاتل القتيل الذي اختصموا فيه ، ولم يسنده عن أحد ، ثم اختار أن الصواب في ذلك أنهم لم يكادوا أن يفعلوا ذلك لغلاء ثمنها ، وللفضيحة ، وفي هذا نظر ، بل الصواب ، والله أعلم ، ما تقدم من رواية الضحاك عن ابن عباس على ما وجهناه ، وبالله التوفيق . مسألة استدل بهذه الآية في حصر صفات هذه البقرة حتى تعينت ، أو تم تقييدها بعد الإطلاق ، على صحة السلم في الحيوان ، كما هو مذهب مالك والأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وجمهور من العلماء سلفاً وخلفاً بدليل ما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم " لا تنعت المرأة المرأة لزوجها كأنه ينظر إليها " وكما وصف النبي صلى الله عليه وسلم إبل الدية في قتل الخطأ ، وشبه العمد ، بالصفات المذكورة بالحديث ، وقال أبو حنيفة والثوري والكوفيون لا يصح السلم في الحيوان لأنه لا تنضبط أحواله ، وحكي مثله عن ابن مسعود وحذيفة بن اليمان وعبد الرحمن بن سمرة وغيرهم .