Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 84-86)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تبارك وتعالى منكراً على اليهود الذين كانوا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، وما كانوا يعانونه من القتال مع الأوس والخزرج ، وذلك أن الأوس والخزرج ، وهم الأنصار ، كانوا في الجاهلية عباد أصنام ، وكانت بينهم حروب كثيرة ، وكانت يهود المدينة ثلاث قبائل بنو قينقاع ، وبنو النضير حلفاء الخزرج ، وبنو قريظة حلفاء الأوس ، فكانت الحرب إذا نشبت بينهم ، قاتل كل فريق مع حلفائه ، فيقتل اليهودي أعداءه ، وقد يقتل اليهودي الآخر من الفريق الآخر ، وذلك حرام عليهم في دينهم ونص كتابهم ، ويخرجونهم من بيوتهم ، وينتهبون ما فيها من الأثاث والأمتعة والأموال ، ثم إذا وضعت الحرب أوزارها ، استفكّوا الأسارى من الفريق المغلوب عملاً بحكم التوراة ، ولهذا قال تعالى { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَـٰبِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } ولهذا قال تعالى { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَـٰقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءِكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِّن دِيَـٰرِكُمْ } أي لا يقتل بعضكم بعضاً ، ولا يخرجه من منزله ، ولا يظاهر عليه ، كما قال تعالى { فَتُوبُوۤاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ } وذلك أن أهل الملة الواحدة بمنزلة النفس الواحدة كما قال عليه الصلاة والسلام " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم بمنزلة الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو ، تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " وقوله تعالى { ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ } أي ثم أقررتم بمعرفة هذا الميثاق وصحته ، وأنتم تشهدون به { ثُمَّ أَنتُمْ هَـٰؤُلاَۤءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَـٰرِهِمْ } الآية ، قال محمد بن إسحاق بن يسار حدثني محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير ، أو عكرمة ، عن ابن عباس { ثُمَّ أَنتُمْ هَـٰؤُلاَۤءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَـٰرِهِمْ } الآية ، قال أنبأهم الله بذلك من فعلهم ، وقد حرم عليهم في التوراة سفك دمائهم ، وافترض عليهم فيها فداء أسراهم ، فكانوا فريقين طائفة منهم بنو قينقاع ، وهم حلفاء الخزرج والنضير ، وقريظة وهم حلفاء الأوس ، فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب ، خرجت بنو قينقاع مع الخزرج ، وخرجت النضير وقريظة مع الأوس ، يظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه ، حتى تسافكوا دماءهم بينهم ، وبأيديهم التوراة يعرفون فيها ما عليهم وما لهم ، والأوس والخزرج أهل شرك ، يعبدون الأوثان ، ولا يعرفون جنة ولا ناراً ، ولا بعثاً ولا قيامة ، ولا كتاباً ولا حلالاً ولا حراماً ، فإذا وضعت الحرب أوزارها ، افتدوا أسراهم تصديقاً لما في التوراة ، وأخذاً به بعضهم من بعض ، يفتدي بنو قينقاع ما كان من أسراهم في أيدي الأوس ، ويفتدي النضير وقريظة ما كان في أيدي الخزرج منهم ، ويطلبون ما أصابوا من دمائهم ، وقتلوا من قتلوا منهم فيما بينهم مظاهرة لأهل الشرك عليهم ، يقول الله تعالى ذكره حيث أنبأهم بذلك { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَـٰبِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } أي تفادونهم بحكم التوراة ، وتقتلونهم ، وفي حكم التوراة أن لا يقتل ، ولا يخرج من داره ، ولا يظاهر عليه من يشرك بالله ويعبد الأوثان من دونه ابتغاء عرض الدنيا ؟ ففي ذلك من فعلهم مع الأوس والخزرج فيما بلغني نزلت هذه القصة . وقال أسباط عن السدي كانت قريظة حلفاء الأوس ، وكانت النضير حلفاء الخزرج ، فكانوا يقتتلون في حرب بينهم ، فتقاتل بنو قريظة مع حلفائهم النضير وحلفائهم ، وكانت النضير تقاتل قريظة وحلفاءها ويغلبونهم ، فيخربون ديارهم ويخرجونهم منها ، فإذا أسر رجل من الفريقين كليهما ، جمعوا له حتى يفدوه ، فتعيرهم العرب بذلك ، يقولون كيف تقاتلونهم وتفدونهم ؟ قالوا إنا أمرنا أن نفديهم ، وحرم علينا قتالهم ، قالوا فلم تقاتلونهم ؟ قالوا إنا نستحي أن تستذل حلفاؤنا ، فذلك حين عيرهم الله تبارك وتعالى ، فقال تعالى { ثُمَّ أَنتُمْ هَـٰؤُلاَۤءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَـٰرِهِمْ } الآية ، وقال أسباط عن السدي عن الشعبي نزلت هذه الآية في قيس بن الخطيم { ثُمَّ أَنتُمْ هَـٰؤُلاَۤءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَـٰرِهِمْ } الآية ، وقال أسباط عن السدي ، عن عبد خير ، قال غزونا مع سليمان بن ربيعة الباهلي بلنجر ، فحاصرنا أهلها ، ففتحنا المدينة ، وأصبنا سبايا ، واشترى عبد الله بن سلام يهودية بسبعمائة ، فلما مر برأس الجالوت ، نزل به ، فقال له عبد الله يا رأس الجالوت هل لك في عجوز ههنا من أهل دينك تشتريها مني ؟ قال نعم ، قال أخذتها بسبعمائة درهم ، قال فإني أربحك سبعمائة أخرى ، قال فإني قد حلفت أن لا أنقصها من أربعة آلاف ، قال لا حاجة لي فيها ، قال والله لتشرينها مني ، أو لتكفرن بدينك الذي أنت عليه ، قال ادن مني ، فدنا منه ، فقرأ في أذنه مما في التوراة إنك لا تجد مملوكاً من بني إسرائيل إلا اشتريته ، فأعتقته { وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَـٰرَىٰ تُفَـٰدُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ } قال أنت عبد الله بن سلام ؟ قال نعم فجاء بأربعة آلاف ، فأخذ عبد الله ألفين ، ورد عليه ألفين . وقال آدم بن أبي إياس في تفسيره حدثنا أبو جعفر ، يعني الرازي ، حدثنا الربيع بن أنس ، أخبرنا أبو العالية أن عبد الله بن سلام مر على رأس الجالوت بالكوفة ، وهو يفادي من النساء من لم يقع عليه العرب ، ولا يفادي من وقع عليه العرب ، فقال عبد الله أما إنه مكتوب عندك في كتابك أن تفاديهن كلهن . والذي أرشدت إليه الآية الكريمة ، وهذا السياق ، ذم اليهود في قيامهم بأمر التوارة التي يعتقدون صحتها ومخالفة شرعها ، مع معرفتهم بذلك ، وشهادتهم له بالصحة ، فلهذا لا يؤتمنون على ما فيها ، ولا على نقلها ، ولا يصدقون فيما كتموه من صفة الرسول الله صلى الله عليه وسلم ونعته ومبعثه ومخرجه ومهاجره ، وغير ذلك من شؤونه التي أخبرت بها الأنبياء قبله عليهم الصلاة والسلام ، واليهود عليهم لعائن الله يتكاتمونه بينهم ، ولهذا قال تعالى { فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْىٌ فِي ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } أي بسبب مخالفتهم شرع الله وأمره { وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ } جزاء على مخالفتهم كتاب الله الذي بأيديهم { وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ } أي استحبوها على الآخرة واختاروها { فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ } أي لا يفتر عنهم ساعة واحدة { وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } أي وليس لهم ناصر ينقذهم مما هم فيه من العذاب الدائم السرمدي ، ولا يجيرهم منه .