Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 83-84)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يذكر تعالى عن أيوب عليه السلام ، ما كان أصابه من البلاء في ماله وولده وجسده ، وذلك أنه كان له من الدواب والأنعام والحرث شيء كثير ، وأولاد ومنازل مرضية ، فابتلي في ذلك كله ، وذهب عن آخره ، ثم ابتلي في جسده ، يقال بالجذام في سائر بدنه ، ولم يبق منه سليم سوى قلبه ولسانه ، يذكر بهما الله عز وجل ، حتى عافه الجليس ، وأفرد في ناحية من البلد ، ولم يبق أحد من الناس يحنو عليه سوى زوجته كانت تقوم بأمره ، ويقال إنها احتاجت ، فصارت تخدم الناس من أجله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل " وفي الحديث الآخر " يبتلى الرجل على قدر دينه ، فإن كان في دينه صلابة ، زيد في بلائه " وقد كان نبي الله أيوب عليه السلام غاية في الصبر . وبه يضرب المثل في ذلك . وقال يزيد بن ميسرة لما ابتلى الله أيوب عليه السلام بذهاب الأهل والمال والولد ، ولم يبق شيء له ، أحسن الذكر ، ثم قال أحمدك رب الأرباب ، الذي أحسنت إليّ ، أعطيتني المال والولد ، فلم يبق من قلبي شعبة إلا قد دخله ذلك ، فأخذت ذلك كله مني ، وفرغت قلبي ، فليس يحول بيني وبينك شيء ، ولو يعلم عدوي إبليس بالذي صنعت ، حسدني . قال فلقي إبليس من ذلك منكراً . قال وقال أيوب عليه السلام يا رب إنك أعطيتني المال والولد ، فلم يقم على بابي أحد يشكوني لظلم ظلمته ، وأنت تعلم ذلك ، وأنه كان يوطأ لي الفراش فأتركها ، وأقول لنفسي يا نفس إنك لم تخلقي لوطء الفراش ، ما تركت ذلك إلا ابتغاء وجهك . رواه ابن أبي حاتم . وقد روي عن وهب بن منبه في خبره قصة طويلة ، ساقها ابن جرير وابن أبي حاتم بالسند عنه ، وذكرها غير واحد من متأخري المفسرين ، وفيها غرابة تركناها لحال الطول ، وقد روي أنه مكث في البلاء مدة طويلة ، ثم اختلفوا في السبب المهيج له على هذا الدعاء ، فقال الحسن وقتادة ابتلي أيوب عليه السلام سبع سنين وأشهراً ، ملقى على كناسة بني إسرائيل ، تختلف الدواب في جسده ، ففرج الله عنه ، وأعظم له الأجر ، وأحسن عليه الثناء . وقال وهب بن منبه مكث في البلاء ثلاث سنين ، لا يزيد ولا ينقص . وقال السدي تساقط لحم أيوب حتى لم يبق إلا العصب والعظام ، فكانت امرأته تقوم عليه ، وتأتيه بالرماد يكون فيه ، فقالت له امرأته لما طال وجعه يا أيوب لو دعوت ربك يفرج عنك ، فقال قد عشت سبعين سنة صحيحاً ، فهل قليل لله أن أصبر له سبعين سنة ، فجزعت من ذلك ، فخرجت ، فكانت تعمل للناس بالأجر ، وتأتيه بما تصيب فتطعمه ، وإن إبليس انطلق إلى رجلين من أهل فلسطين ، كانا صديقين له وأخوين ، فأتاهما فقال أخوكما أيوب أصابه من البلاء كذا وكذا ، فأتياه وزوراه ، واحملا معكما من خمر أرضكما ، فإنه إن شرب منه برىء ، فأتياه ، فلما نظرا إليه ، بكيا ، فقال من أنتما ؟ فقالا نحن فلان وفلان ، فرحب بهما ، وقال مرحباً بمن لا يجفوني عند البلاء ، فقالا يا أيوب لعلك كنت تسر شيئاً وتظهر غيره ، فلذلك ابتلاك الله ؟ فرفع رأسه إلى السماء فقال هو يعلم ، ما أسررت شيئاً أظهرت غيره ، ولكن ربي ابتلاني لينظر أصبر أم أجزع ؟ فقالا له يا أيوب اشرب من خمرنا ، فإنك إن شربت منه ، برأت . قال فغضب ، وقال جاءكما الخبيث ، فأمركما بهذا ؟ كلامكما وطعامكما وشرابكما علي حرام ، فقاما من عنده ، وخرجت امرأته تعمل للناس ، فخبزت لأهل بيت لهم صبي ، فجعلت لهم قرصاً ، وكان ابنهم نائماً ، فكرهوا أن يوقظوه ، فوهبوه لها ، فأتت به إلى أيوب ، فأنكره وقال ما كنت تأتيني بهذا ، فما بالك اليوم ؟ فأخبرته الخبر ، قال فلعل الصبي قد استيقظ ، فطلب القرص فلم يجده ، فهو يبكي على أهله ، فانطلقي به إليه ، فأقبلت حتى بلغت درجة القوم ، فنطحتها شاة لهم ، فقالت تعس أيوب الخطاء ، فلما صعدت وجدت الصبي قد استيقظ ، وهو يطلب القرص ويبكي على أهله ، لا يقبل منهم شيئاً غيره ، فقالت رحمه الله ، يعني أيوب ، فدفعت إليه القرص ورجعت ، ثم إن إبليس أتاها في صورة طبيب ، فقال لها إن زوجك قد طال سقمه ، فإن أرادأن يبرأ فليأخذ ذباباً فليذبحه باسم صنم بني فلان ، فإنه يبرأ ويتوب بعد ذلك ، فقالت ذلك لأيوب ، فقال قد أتاك الخبيث ، لله عليّ إن برأت أن أجلدك مائة جلدة ، فخرجت تسعى عليه ، فحظر عنها الرزق ، فجعلت لا تأتي أهل بيت فيريدونها ، فلما اشتد عليها ذلك ، وخافت على أيوب الجوع ، حلقت من شعرها قرناً فباعته من صبية من بنات الأشراف ، فأعطوها طعاماً طيباً كثيراً ، فأتت به إلى أيوب ، فلما رآه أنكره وقال من أين لك هذا ؟ قالت عملت لأناس فأطعموني ، فأكل منه ، فلما كان الغد خرجت فطلبت أن تعمل فلم تجد ، فحلقت أيضاً قرناً فباعته من تلك الجارية ، فأعطوها أيضاً من ذلك الطعام ، فأتت به أيوب فقال والله لا أطعمه حتى أعلم من أين هو ، فوضعت خمارها ، فلما رأى رأسها محلوقاً ، جزع جزعاً شديداً ، فعند ذلك دعا الله عز وجل ، فقال { أَنِّى مَسَّنِىَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } . قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، حدثنا أبو عمران الجوني عن نوف البكالي أن الشيطان الذي عرج في أيوب كان يقال له مبسوط ، قال وكانت امرأة أيوب تقول ادع الله فيشفيك ، فجعل لا يدعو حتى مر به نفر من بني إسرائيل ، فقال بعضهم لبعض ما أصابه ، ما أصابه إلا بذنب عظيم أصابه ، فعند ذلك قال { أَنِّى مَسَّنِىَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } . وحدثنا أبي ، حدثنا أبو سلمة ، حدثنا جرير بن حازم عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال كان لأيوب عليه السلام أخوان ، فجاءا يوماً فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه ، فقاما من بعيد ، فقال أحدهما للآخر لو كان الله علم من أيوب خيراً ، ما ابتلاه بهذا ، فجزع أيوب من قولهما جزعاً لم يجزع من شيء قط ، فقال اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعان ، وأنا أعلم مكان جائع ، فصدقني ، فصدق من السماء ، وهما يسمعان ، ثم قال اللهم إن كنت تعلم أني لم يكن لي قميصان قط ، وأنا أعلم مكان عار ، فصدقني ، فصدق من السماء ، وهما يسمعان ، ثم قال اللهم بعزتك ، ثم خر ساجداً ، فقال اللهم بعزتك لا أرفع رأسي أبداً حتى تكشف عني ، فما رفع رأسه حتى كشف عنه . وقد رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر مرفوعاً بنحو هذا ، فقال أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني نافع بن يزيد عن عقيل عن الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة ، فرفضه القريب والبعيد ، إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه له ، كانا يغدوان إليه ويروحان ، فقال أحدهما لصاحبه تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين ، فقال له صاحبه وما ذاك ؟ قال منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به ، فلما راحا إليه ، لم يصبر الرجل حتى ذكر له ، فقال أيوب عليه السلام ما أدري ما تقول ، غير أن الله عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله ، فأرجع إلى بيتي ، فأكفر عنهما كراهية أن يذكرا الله إلا في حق ، قال وكان يخرج في حاجته ، فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ ، فلما كان ذات يوم ، أبطأت عليه ، فأوحى الله إلى أيوب في مكانه أن « اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب " رفع هذا الحديث غريب جداً . وروى ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، أخبرنا علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال وألبسه الله حلة من الجنة ، فتنحى أيوب فجلس في ناحية ، وجاءت امرأته فلم تعرفه ، فقالت يا عبد الله أين ذهب هذا المبتلى الذي كان ههنا ، لعل الكلاب ذهبت به أو الذئاب ، فجعلت تكلمه ساعة . فقال ويحك أنا أيوب . قالت أتسخر مني يا عبد الله ؟ فقال ويحك أنا أيوب قد رد الله علي جسدي ، وبه قال ابن عباس ورد عليه ماله وولده عياناً ومثلهم معهم . وقال وهب بن منبه أوحى الله إلى أيوب قد رددت عليك أهلك ومالك ، ومثلهم معهم . فاغتسل بهذا الماء فإن فيه شفاءك ، وقرب عن صحابتك قرباناً ، واستغفر لهم فإنهم قد عصوني فيك . رواه ابن أبي حاتم . وقال أيضاً حدثنا أبو زرعة ، حدثنا عمرو بن مرزوق ، حدثنا همام عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لما عافى الله أيوب ، أمطر عليه جراداً من ذهب ، فجعل يأخذ منه بيده ويجعله في ثوبه ، قال فقيل له يا أيوب أما تشبع ؟ قال يا رب ومن يشبع من رحمتك ؟ " أصله في " الصحيحين " ، وسيأتي في موضع آخر . وقوله { وَءَاتَيْنَـٰهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ } قد تقدم عن ابن عباس أنه قال ردوا عليه بأعيانهم ، وكذا رواه العوفي عن ابن عباس أيضاً ، وروي مثله عن ابن مسعود ومجاهد ، وبه قال الحسن وقتادة ، وقد زعم بعضهم أن اسم زوجته رحمة ، فإن كان أخذ ذلك من سياق الآية ، فقد أبعد النجعة ، وإن كان أخذه من نقل أهل الكتاب ، وصح ذلك عنهم ، فهو مما لا يصدق ولا يكذب ، وقد سماها ابن عساكر في تاريخه رحمه الله تعالى قال ويقال اسمها ليا بنت مِنَشّا بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، قال ويقال ليا بنت يعقوب عليه السلام زوجة أيوب كانت معه بأرض البَثَنيَّة ، وقال مجاهد قيل له يا أيوب إن أهلك لك في الجنة ، فإن شئت أتيناك بهم ، وإن شئت تركناهم لك في الجنة ، وعوضناك مثلهم ، قال لا ، بل اتركهم لي في الجنة ، فتركوا له في الجنة ، وعوض مثلهم في الدنيا . وقال حماد بن زيد عن أبي عمران الجوني عن نوف البكالي قال أوتي أجرهم في الآخرة ، وأعطي مثلهم في الدنيا . قال فحدثت به مطرفاً ، فقال ما عرفت وجهها قبل اليوم ، وكذا روي عن قتادة والسدي وغير واحد من السلف ، والله أعلم . وقوله { رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا } أي فعلنا به ذلك رحمة من الله به { وَذِكْرَىٰ لِلْعَـٰبِدِينَ } أي وجعلناه في ذلك قدوة لئلا يظن أهل البلاء أنما فعلنا بهم ذلك لهوانهم علينا ، وليتأسوا به في الصبر على مقدورات الله وابتلائه لعباده بما يشاء ، وله الحكمة البالغة في ذلك .