Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 25-25)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى منكراً على الكفار في صدهم المؤمنين عن إتيان المسجد الحرام ، وقضاء مناسكهم فيه ، ودعواهم أنهم أولياؤه ، { وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ } الأنفال 34 الآية ، وفي هذه الآية دليل على أنها مدنية كما قال في سورة البقرة { يَسْـأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ } البقرة 217 وقال ههنا { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } أي ومن صفتهم أنهم مع كفرهم يصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام ، أي ويصدون عن المسجد الحرام من أراده من المؤمنين الذين هم أحق الناس به في نفس الأمر ، وهذا التركيب في هذه الآية كقوله تعالى { ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } الرعد 28 أي ومن صفتهم أنهم تطمئن قلوبهم بذكر الله . وقوله { ٱلَّذِى جَعَلْنَـٰهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَـٰكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } أي يمنعون الناس عن الوصول إلى المسجد الحرام ، وقد جعله الله شرعاً سواء ، لا فرق فيه بين المقيم فيه والنائي عنه البعيد الدار منه { سَوَآءً ٱلْعَـٰكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } ومن ذلك استواء الناس في رباع مكة وسكناها ، كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله { سَوَآءً ٱلْعَـٰكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } قال ينزل أهل مكة وغيرهم في المسجد الحرام . وقال مجاهد في قله { سَوَآءً ٱلْعَـٰكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } أهل مكة وغيرهم فيه سواء في المنازل ، وكذا قال أبو صالح وعبد الرحمن بن سابط وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم . وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة سواء فيه أهله وغير أهله ، وهذه المسألة هي التي اختلف فيها الشافعي وإسحاق بن راهويه بمسجد الخيف ، وأحمد بن حنبل حاضر أيضاً ، فذهب الشافعي رحمه الله إلى أن رباع مكة تملك وتورث وتؤجر ، واحتج بحديث الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد قال قلت يا رسول الله أتنزل غداً في دارك بمكة ؟ فقال " وهل ترك لنا عقيل من رباع ؟ " ثم قال " لا يرث الكافر المسلم ، ولا المسلم الكافر " وهذا الحديث مخرج في " الصحيحين " ، وبما ثبت أن عمر بن الخطاب اشترى من صفوان بن أمية داراً بمكة ، فجعلها سجناً ، بأربعة آلاف درهم ، وبه قال طاوس وعمرو بن دينار ، وذهب إسحاق بن راهويه إلى أنها لا تورث ، ولا تؤجر ، وهو مذهب طائفة من السلف ، ونص عليه مجاهد وعطاء ، واحتج إسحاق بن راهويه بما رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد بن أبي حسين ، عن عثمان بن أبي سليمان عن علقمة بن نضلة قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ، وما تدعي رباع مكة إلا السوائب ، من احتاج سكن ، ومن استغنى أسكن . وقال عبد الرزاق عن ابن مجاهد عن أبيه عن عبد الله بن عمرو أنه قال لا يحل بيع دور مكة ولا كراؤها ، وقال أيضاً عن ابن جريج كان عطاء ينهى عن الكراء في الحرم ، وأخبرني أن عمر بن الخطاب كان ينهى عن تبويب دور مكة لأن ينزل الحاج في عرصاتها ، فكان أول من بوب داره سهيل بن عمرو ، فأرسل إليه عمر بن الخطاب في ذلك ، فقال أنظرني يا أمير المؤمنين إني كنت امرءاً تاجراً ، فأردت أن أتخذ بابين يحبسان لي ظهري ، قال فلك ذلك إذاً . وقال عبد الرزاق عن معمر عن منصور عن مجاهد أن عمر بن الخطاب قال يا أهل مكة لا تتخذوا لدوركم أبواباً لينزل البادي حيث يشاء ، قال وأخبرنا معمر عمن سمع عطاء يقول في قوله { سَوَآءً ٱلْعَـٰكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } قال ينزلون حيث شاؤوا ، وروى الدارقطني من حديث ابن أبي نجيح عن عبد الله بن عمرو موقوفاً " من أكل كراء بيوت مكة ، أكل ناراً " وتوسط الإمام أحمد فيما نقله صالح ابنه فقال تملك وتورث ، ولا تؤجر جمعاً بين الأدلة ، والله أعلم . وقوله { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } قال بعض المفسرين من أهل العربية الباء ههنا زائدة كقوله { تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } المؤمنون 20 أي تنبت الدهن ، وكذا قوله { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ } تقديره إلحاداً ، وكما قال الأعشى . @ ضَمِنَتْ برزقِ عيالِنا أرماحُنا بين المَراجلِ والصريحِ الأَجْرَدِ @@ وقال الآخر @ بِوادٍ يَمانٍ يُنْبِتُ العشَّبَّ صَدْرُهُ وأَسْفَلُهُ بالمَرْخِ والشُّبْهانِ @@ والأجود أنه ضمن الفعل ههنا معنى يهم ، ولهذا عداه بالباء ، فقال { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ } أي يهم فيه بأمر فظيع من المعاصي الكبار . وقوله { بِظُلْمٍ } أي عامداً قاصداً أنه ظلم ، ليس بمتأول كما قال ابن جريج عن ابن عباس هو التعمد . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بظلم بشرك ، وقال مجاهد أن يعبد فيه غير الله ، وكذا قال قتادة وغير واحد . وقال العوفي عن ابن عباس بظلم هو أن تستحل من الحرم ما حرم الله عليك من إساءة أو قتل ، فتظلم من لا يظلمك ، وتقتل من لا يقتلك ، فإذا فعل ذلك ، فقد وجب له العذاب الأليم ، وقال مجاهد بظلم يعمل فيه عملاً سيئاً ، وهذا من خصوصية الحرم أنه يعاقب البادي فيه الشر ، إذا كان عازماً عليه ، وإن لم يوقعه ، كما قال ابن أبي حاتم في تفسيره حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا شعبة عن السدي أنه سمع مرة يحدث عن عبد الله ، يعني ابن مسعود ، في قوله { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } قال لو أن رجلاً أراد فيه بإلحاد بظلم ، وهو بعدن أبين ، لأذاقه الله من العذاب الأليم ، قال شعبة هو رفعه لنا ، وأنا لا أرفعه لكم . قال يزيد هو قد رفعه ، ورواه أحمد عن يزيد بن هارون به ، قلت هذا الإسناد صحيح على شرط البخاري ، ووقفه أشبه من رفعه ، ولهذا صمم شعبة على وقفه من كلام ابن مسعود ، وكذلك رواه أسباط وسفيان الثوري عن السدي ، عن مرة ، عن ابن مسعود موقوفاً ، والله أعلم . وقال الثوري عن السدي عن مرة عن عبد الله قال ما من رجل يهم بسيئة فتكتب عليه ، ولو أن رجلاً بعدن أبين ، همَّ أن يقتل رجلاً بهذا البيت ، لأذاقه الله من العذاب الأليم ، وكذا قال الضحاك بن مزاحم ، وقال سفيان الثوري عن منصور ، عن مجاهد إلحاد فيه لا والله ، وبلى والله ، وروي عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو مثله ، وقال سعيد بن جبير شتم الخادم ظلم فما فوقه ، وقال سفيان الثوري عن عبد الله بن عطاء ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس في قوله { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } قال تجارة الأمير فيه . وعن ابن عمر بيع الطعام بمكة إلحاد . وقال حبيب بن أبي ثابت { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } قال المحتكر بمكة ، وكذا قال غير واحد . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن إسحاق الجوهري ، أنبأنا أبو عاصم عن جعفر بن يحيى ، عن عمه عمارة بن ثوبان ، حدثني موسى بن باذان عن يعلى بن أمية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " احتكار الطعام بمكة إلحاد " وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا عطاء بن دينار ، حدثني سعيد بن جبير قال قال ابن عباس في قول الله { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } قال نزلت في عبد الله بن أنيس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه مع رجلين أحدهما مهاجر ، والآخر من الأنصار ، فافتخروا في الأنساب ، فغضب عبد الله بن أنيس ، فقتل الأنصاري ، ثم ارتد عن الإسلام ، وهرب إلى مكة ، فنزلت فيه { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } يعني من لجأ إلى الحرم بإلحاد ، يعني بميل عن الإسلام ، وهذه الآثار ، وإن دلت على أن هذه الأشياء من الإلحاد ، ولكن هو أعم من ذلك ، بل فيها تنبيه على ما هو أغلظ منها ، ولهذا لما هم أصحاب الفيل على تخريب البيت ، أرسل الله عليهم طيراً أبابيل ، { تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ } الفيل 4 ــــ 5 ، أي دمرهم ، وجعلهم عبرة ونكالاً لكل من أراده بسوء ، ولذلك ثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يغزو هذا البيت جيش ، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض ، خسف بأولهم وآخرهم " الحديث . وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن كناسة ، حدثنا إسحاق بن سعيد عن أبيه قال أتى عبدُ الله بن عمر عبدَ الله بن الزبير فقال يا ابن الزبير إياك والإلحاد في حرم الله ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إنه سيلحد فيه رجل من قريش ، لو توزن ذنوبه بذنوب الثقلين لرجحت " فانظر ، لا تكن هو ، وقال أيضاً في مسند عبد الله بن عمرو بن العاص حدثنا هاشم ، حدثنا إسحاق بن سعيد ، حدثنا سعيد بن عمرو قال أتى عبدُ الله بن عمر عبدَ الله بن الزبير ، وهو جالس في الحجر فقال يابن الزبير إياك والإلحاد في الحرم ، فاني أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يحلها ويحل به رجل من قريش ، لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين ، لوزنتها " قال فانظر ، لا تكن هو ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب من هذين الوجهين .