Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 28-29)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال ابن عباس { لِّيَشْهَدُواْ مَنَـٰفِعَ لَهُمْ } قال منافع الدنيا والآخرة ، أما منافع الآخرة ، فرضوان الله تعالى ، وأما منافع الدنيا ، فما يصيبون من منافع البدن ، والذبائح والتجارات ، وكذا قال مجاهد وغير واحد إنها منافع الدنيا والآخرة كقوله { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } البقرة 198 . وقوله { وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِىۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَـٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } ، قال شعبة وهشيم عن أبي بشر ، عن سعيد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما الأيام المعلومات أيام العشر ، وعلقه البخاري عنه بصيغة الجزم به . وروي مثله عن أبي موسى الأشعري ومجاهد وقتادة وعطاء وسعيد بن جبير والحسن والضحاك وعطاء الخراساني وإبراهيم النخعي ، وهو مذهب الشافعي ، والمشهور عن أحمد بن حنبل . وقال البخاري حدثنا محمد بن عرعرة ، حدثنا شعبة عن سليمان ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما العمل في أيام أفضل منها في هذه " قالوا ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال " ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل يخرج يخاطر بنفسه وماله ، فلم يرجع بشيء " ، رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه بنحوه . وقال الترمذي حديث حسن ، غريب ، صحيح ، وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو وجابر . قلت وقد تقصيت هذه الطرق ، وأفردت لها جزءاً على حدته فمن ذلك ما قال الإمام أحمد حدثنا عفان ، أنبأنا أبو عوانة عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد ، عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من أيام أعظم عند الله ، ولا أحب إليه العمل فيهن ، من هذه الأيام العشر ، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد " وروي من وجه آخر عن مجاهد عن ابن عمر بنحوه . وقال البخاري وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر ، فيكبران ، ويكبر الناس بتكبيرهما . وقد روى أحمد عن جابر مرفوعاً أن هذا هو العشر الذي أقسم به في قوله { وَٱلْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ } الفجر 1 - 2 . وقال بعض السلف إنه المراد بقوله { وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ } الأعراف 142 وفي " سنن أبي داود " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم هذا العشر ، وهذا العشر مشتمل على يوم عرفة الذي ثبت في " صحيح مسلم " عن أبي قتادة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة ، فقال " أحتسب على الله أن يكفر به السنة الماضية والآتية " ويشتمل على يوم النحر الذي هو يوم الحج الأكبر ، وقد ورد في حديث أنه أفضل الأيام عند الله . وبالجملة ، فهذا العشر قد قيل إنه أفضل أيام السنة كما نطق به الحديث ، وفضله كثير على عشر رمضان الأخير لأن هذا يشرع فيه ما يشرع في ذلك من صلاة وصيام وصدقة وغيره ، ويمتاز هذا باختصاصه بأداء فرض الحج فيه ، وقيل ذلك أفضل لا شتماله على ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ، وتوسط آخرون فقالوا أيام هذا أفضل ، وليالي ذاك أفضل ، وبهذا يجتمع شمل الأدلة ، والله أعلم . قول ثان في الأيام المعلومات . قال الحكم عن مقسم عن ابن عباس الأيام المعلومات يوم النحر ، وثلاثة أيام بعده ، ويروى هذا عن ابن عمر وإبراهيم النخعي ، وإليه ذهب أحمد بن حنبل في رواية عنه . قول ثالث قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا علي بن المديني ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا ابن عجلان ، حدثني نافع أن ابن عمر كان يقول الأيام المعلومات والمعدودات هن جميعهن أربعة أيام ، فالأيام المعلومات يوم النحر ، ويومان بعده ، والأيام المعدودات ثلاثة أيام بعد يوم النحر ، هذا إسناد صحيح إليه ، وقاله السدي ، وهو مذهب الإمام مالك بن أنس ، ويعضد هذا القول والذي قبله قوله تعالى { عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } يعني ذكر الله عند ذبحها . قول رابع أنها يوم عرفة ويوم النحر ويوم آخر بعده ، وهو مذهب أبي حنيفة . وقال ابن وهب حدثني ابن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال المعلومات يوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيام التشريق . وقوله { عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } يعني الإبل والبقر والغنم كما فصلها تعالى في سورة الأنعام { ثَمَـٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ } الأنعام 143 الآية ، وقوله { فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ } استدل بهذه الآية من ذهب إلى وجوب الأكل من الأضاحي ، وهو قول غريب ، والذي عليه الأكثرون أنه من باب الرخصة أو الاستحباب كما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نحر هديه ، أمر من كل بدنة ببضعة فتطبخ ، فأكل من لحمها ، وحسا من مرقها . قال عبد الله بن وهب قال لي مالك أحب أن يأكل من أضحيته لأن الله يقول { فَكُلُواْ مِنْهَا } قال ابن وهب وسألت الليث ، فقال لي مثل ذلك ، وقال سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم { فَكُلُواْ مِنْهَا } قال كان المشركون لا يأكلون من ذبائحهم ، فرخص للمسلمين ، فمن شاء أكل ، ومن لم يشأ لم يأكل ، وروي عن مجاهد وعطاء نحو ذلك . قال هشيم عن حصين عن مجاهد في قوله { فَكُلُواْ مِنْهَا } قال هي كقوله { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَـٰدُواْ } المائدة 2 { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِى ٱلأَرْضِ } الجمعة 10 وهذا اختيار ابن جرير في تفسيره ، واستدل من نصر القول بأن الأضاحي يتصدق فيها بالنصف بقوله في هذه الآية { فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ } فجزأها نصفين نصف للمضحي ، ونصف للفقراء ، والقول الآخر أنها تجزأ ثلاثة أجزاء ثلث له ، وثلث يهديه ، وثلث يتصدق به لقوله تعالى في الآية الأخرى { فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَـٰنِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ } الحج 36 وسيأتي الكلام عليها عندها إن شاء الله ، وبه الثقة . وقوله { ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ } قال عكرمة هو المضطر الذي يظهر عليه البؤس ، والفقير المتعفف ، وقال مجاهد هو الذي لا يبسط يده ، وقال قتادة هو الزمن ، وقال مقاتل بن حيان هو الضرير . وقوله { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وهو وضع الإحرام من حلق الرأس ، ولبس الثياب ، وقص الأظافر ، ونحو ذلك ، وهكذا روى عطاء ومجاهد عنه ، وكذا قال عكرمة ومحمد بن كعب القرظي . وقال عكرمة عن ابن عباس { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ } قال التفث المناسك . وقوله { وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعني نحر ما نذر من أمر البدن . وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد { وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } نذر الحج والهدي ، وما نذر الإنسان من شيء يكون في الحج . وقال إبراهيم بن ميسرة عن مجاهد { وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } قال الذبائح . وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد { وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } كل نذر إلى أجل . وقال عكرمة { وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } قال حجهم . وكذا روى الإمام أحمد وابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان في قوله { وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } قال نذور الحج ، فكل من دخل الحج ، فعليه من العمل فيه الطواف بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، وعرفة ، والمزدلفة ، ورمي الجمار ، على ما أمروا به ، وروي عن مالك نحو هذا . وقوله { وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } قال مجاهد يعني الطواف الواجب يوم النحر ، وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد عن أبي حمزة قال قال لي ابن عباس أتقرأ سورة الحج ؟ يقول الله تعالى { وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } فإن آخر المناسك الطواف بالبيت العتيق ، قلت وهكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لما رجع إلى منى يوم النحر ، بدأ برمي الجمرة ، فرماها بسبع حصيات ، ثم نحر هديه ، وحلق رأسه ، ثم أفاض فطاف بالبيت . وفي " الصحيحين " عن ابن عباس أنه قال أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف ، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض . وقوله { بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } فيه مستدل لمن ذهب إلى أنه يجب الطواف من وراء الحجر لأنه من أصل البيت الذي بناه إبراهيم ، وإن كانت قريش قد أخرجوه من البيت حين قصرت بهم النفقة ، ولهذا طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجر ، وأخبر أن الحجر من البيت ، ولم يستلم الركنين الشاميين لأنهما لم يتمما على قواعد إبراهيم العتيقة ، ولهذا قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر العدني ، حدثنا سفيان عن هشام بن حجر عن رجل عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية { وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورائه ، وقال قتادة عن الحسن البصري في قوله { وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } قال لأنه أول بيت وضع للناس ، وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وعن عكرمة أنه قال إنما سمي البيت العتيق لأنه أعتق يوم الغرق زمان نوح ، وقال خصيف إنما سمي بالبيت العتيق لأنه لم يظهر عليه جبار قط . وقال ابن أبي نجيح وليث عن مجاهد أعتق من الجبابرة أن يسلطوا عليه ، وكذا قال قتادة . وقال حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن بن مسلم عن مجاهد لأنه لم يرده أحد بسوء إلا هلك ، وقال عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن الزبير قال إنما سمي البيت العتيق لأن الله أعتقه من الجبابرة ، وقال الترمذي حدثنا محمد بن إسماعيل وغير واحد ، حدثنا عبد الله بن صالح ، أخبرني الليث عن عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب عن محمد بن عروة عن عبد الله بن الزبير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما سمي البيت العتيق لأنه لم يظهر عليه جبار " وكذا رواه ابن جرير عن محمد بن سهل البخاري عن عبد الله بن صالح به ، وقال إن كان صحيحاً ، وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب ، ثم رواه من وجه آخر عن الزهري مرسلاً .