Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 77-78)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف الأئمة رحمهم الله في هذه السجدة الثانية من سورة الحج هل هي مشروع السجود فيها ، أم لا ؟ على قولين ، وقد قدمنا عند الأولى حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم " فضلت سورة الحج بسجدتين ، فمن لم يسجدهما ، فلا يقرأهما " وقوله { وَجَـٰهِدُوا فِى ٱللَّهِ حَقَّ جِهَـٰدِهِ } أي بأموالكم وألسنتكم وأنفسكم ، كما قال تعالى { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } آل عمران 102 . وقوله { هُوَ ٱجْتَبَـٰكُمْ } أي يا هذه الأمة الله اصطفاكم واختاركم على سائر الأمم ، وفضلكم وشرفكم وخصكم بأكرم رسول وأكمل شرع ، { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } أي ما كلفكم ما لا تطيقون ، وما ألزمكم بشيء يشق عليكم إلا جعل الله لكم فرجاً ومخرجاً ، فالصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام بعد الشهادتين تجب في الحضر أربعاً ، وفي السفر تقصر إلى اثنتين ، وفي الخوف يصليها بعض الأئمة ركعة ، كما ورد به الحديث ، وتصلى رجالاً وركباناً مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ، وكذا في النافلة في السفر إلى القبلة وغيرها ، والقيام فيها يسقط لعذر المرض ، فيصليها المريض جالساً ، فإن لم يستطع فعلى جنبه ، إلى غير ذلك من الرخص والتخفيفات في سائر الفرائض والواجبات ، ولهذا قال عليه السلام " بعثت بالحنيفية السمحة " وقال لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما أميرين إلى اليمن " بشرا ولا تنفرا ، ويسرا ولا تعسرا " ، والأحاديث في هذا كثيرة ، ولهذا قال ابن عباس في قوله { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } يعني من ضيق . وقوله { مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَٰهِيمَ } قال ابن جرير نصب على تقدير { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } أي من ضيق ، بل وسعه عليكم كملة أبيكم إبراهيم ، قال ويحتمل أنه منصوب على تقدير الزموا ملة أبيكم إبراهيم . قلت وهذا المعنى في هذه الآية كقوله { قُلْ إِنَّنِى هَدَانِى رَبِّىۤ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا } الأنعام 161 الآية ، وقوله { هُوَ سَمَّـٰكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِى هَـٰذَا } قال الإمام عبد الله بن المبارك عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله { هُوَ سَمَّـٰكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ } قال الله عز وجل ، وكذا قال مجاهد وعطاء والضحاك والسدي ومقاتل بن حيان وقتادة . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم { هُوَ سَمَّـٰكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ } يعني إبراهيم ، وذلك لقوله { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } البقرة 128 قال ابن جرير وهذا لا وجه له لأنه من المعلوم أن إبراهيم لم يسم هذه الأمة في القرآن مسلمين ، وقد قال الله تعالى { هُوَ سَمَّـٰكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِى هَـٰذَا } قال مجاهد الله سماكم المسلمين من قبل في الكتب المتقدمة ، وفي الذكر ، { وَفِى هَـٰذَا } يعني القرآن ، وكذا قال غيره . قلت وهذا هو الصواب ، لأنه تعالى قال { هُوَ ٱجْتَبَـٰكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } ثم حثهم وأغراهم على ما جاء به الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، بأنه ملة أبيهم إبراهيم الخليل ، ثم ذكر منته تعالى على هذه الأمة بما نوه به من ذكرها والثناء عليها في سالف الدهر وقديم الزمان في كتب الأنبياء يتلى على الأحبار والرهبان ، فقال { هُوَ سَمَّـٰكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ } أي من قبل هذا القرآن ، { وَفِى هَـٰذَا } روى النسائي عند تفسير هذه الآية أنبأنا هشام بن عمار ، حدثنا محمد بن شعيب ، أنبأنا معاوية بن سلام أن أخاه زيد بن سلام أخبره عن أبي سلام أنه أخبره ، قال أخبرني الحارث الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من دعا بدعوى الجاهلية ، فإنه من جثي جهنم " قال رجل يا رسول الله وإن صام وصلى ؟ قال " نعم ، وإن صام وصلى ، فادعوا بدعوة الله التي سماكم بها المسلمين المؤمنين عباد الله " وقد قدمنا هذا الحديث بطوله عند تفسير قوله { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِىْ خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } البقرة 21 من سورة البقرة ، ولهذا قال { لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } أي إنما جعلناكم هكذا أمة وسطاً عدولاً خياراً ، مشهوداً بعدالتكم عند جميع الأمم لتكونوا يوم القيامة { شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } لأن جيمع الأمم معترفة يومئذ بسيادتها وفضلها على كل أمة سواها ، فلهذا تقبل شهادتهم عليهم يوم القيامة في أن الرسل بلغتهم رسالة ربهم ، والرسول يشهد على هذه الأمة أنه بلغها ذلك ، وقد تقدم الكلام على هذا عند قوله { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } البقرة 143 وذكرنا حديث نوح وأمته بما أغنى عن إعادته . وقوله { فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَـوٰةَ } أي قابلوا هذه النعمة العظيمة بالقيام بشكرها ، فأدوا حق الله عليكم في أداء ما افترض ، وطاعة ما أوجب ، وترك ما حرم ، ومن أهم ذلك إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وهو الإحسان إلى خلق الله بما أوجب للفقير على الغني من إخراج جزء نزر من ماله في السنة للضعفاء والمحاويج ، كما تقدم بيانه وتفصيله في آية الزكاة من سورة التوبة . وقوله { وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ } أي اعتضدوا بالله ، واستعينوا به ، وتوكلوا عليه ، وتأيدوا به ، { هُوَ مَوْلَـٰكُمْ } أي حافظكم وناصركم ، ومظفركم على أعدائكم { فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } يعني نعم الولي ونعم الناصر من الأعداء . قال وهيب بن الورد يقول الله تعالى ابن آدم اذكرني إذا غضبت ، أذكرك إذا غضبت ، فلا أمحقك فيمن أمحق ، وإذا ظلمت فاصبر ، وارض بنصرتي ، فإن نصرتي لك خير من نصرتك لنفسك . رواه ابن أبي حاتم ، والله أعلم . وله الحمد والمنة والثناء الحسن والنعمة ، وأسأله التوفيق والعصمة في سائر الأفعال والأقوال وهذا آخر تفسير سورة " الحج " ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه ، وسلم وشرف وكرم ، ورضي الله عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين