Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 12-16)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى مخبراً عن ابتداء خلق الإنسان من سلالة من طين ، وهو آدم عليه السلام ، خلقه الله من صلصال من حمإمسنون . وقال الأعمش عن المنهال بن عمرو عن أبي يحيى عن ابن عباس { مِن سُلَـٰلَةٍ مِّن طِينٍ } قال من صفوة الماء . وقال مجاهد من سلالة ، أي من مني آدم . وقال ابن جرير إنما سمي آدم طيناً لأنه مخلوق منه . وقال قتادة استل آدم من الطين ، وهذا أظهر في المعنى ، وأقرب إلى السياق ، فإن آدم عليه السلام خلق من طين لازب ، وهو الصلصال من الحمإالمسنون ، وذلك مخلوق من التراب كما قال تعالى { وَمِنْ ءَايَـٰتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ } الروم 20 . وقال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا عوف ، حدثنا قَسَامَة بن زهير عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ، فجاء بنو آدم على قدر الأرض ، جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك ، والخبيث والطيب وبين ذلك " وقد رواه أبو داود والترمذي من طرق عن عوف الأعرابي به نحوه . وقال الترمذي حسن صحيح { ثُمَّ جَعَلْنَـٰهُ نُطْفَةً } هذا الضمير عائد على جنس الإنسان كما قال في الآية الأخرى { وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلإِنْسَـٰنِ مِن طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن مَّآءٍ مَّهِينٍ } السجدة 7 ــــ 8 أي ضعيف ، كما قال { أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ فَجَعَلْنَـٰهُ فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ } المرسلات 20 ــــ 21 يعني الرحم معد لذلك مهيأ له { إِلَىٰ قَدَرٍ مَّعْلُومٍ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ ٱلْقَـٰدِرُونَ } المرسلات 22 ــــ 23 أي مدة معلومة ، وأجل معين ، حتى استحكم وتنقل من حال إلى حال وصفة إلى صفة ، ولهذا قال ههنا { ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً } أي ثم صيرنا النطفة ، وهي الماء الدافق الذي يخرج من صلب الرجل ، وهو ظهره ، وترائب المرأة ، وهي عظام صدرها ما بين الترقوة إلى السرة ، فصارت علقة حمراء على شكل العلقة مستطيلة ، قال عكرمة وهي دم ، { فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً } وهي قطعة كالبضعة من اللحم ، لا شكل فيها ولا تخطيط { فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَـٰماً } يعني شكلناها ذات رأس ويدين ورجلين بعظامها وعصبها وعروقها . وقرأ آخرون { فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عظـماً } قال ابن عباس وهو عظم الصلب ، وفي الصحيح من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل جسد ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب ، منه خلق ، ومنه يركب " { فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَـٰمَ لَحْماً } أي وجعلنا على ذلك ما يستره ويشده ويقويه { ثُمَّ أَنشَأْنَـٰهُ خَلْقاً ءَاخَرَ } أي ثم نفخنا فيه الروح ، فتحرك وصار خلقاً آخر ذا سمع وبصر وإدراك وحركة واضطراب { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَـٰلِقِينَ } . وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا جعفر بن مسافر ، حدثنا يحيى بن حسان ، حدثنا النضر ، يعني ابن كثير مولى بني هاشم ، حدثنا زيد بن علي عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال إذا نمت النطفة أربعة أشهر ، بعث الله إليها ملكاً ، فنفخ فيها الروح في ظلمات ثلاث ، فذلك قوله { ثُمَّ أَنشَأْنَـٰهُ خَلْقاً ءَاخَرَ } يعني نفخنا فيه الروح ، وروي عن أبي سعيد الخدري أنه نفخ الروح ، قال ابن عباس { ثُمَّ أَنشَأْنَـٰهُ خَلْقاً ءَاخَرَ } يعني فنفخنا فيه الروح ، وكذا قال مجاهد وعكرمة والشعبي والحسن وأبو العالية والضحاك والربيع بن أنس والسدي وابن زيد ، واختاره ابن جرير . وقال العوفي عن ابن عباس { ثُمَّ أَنشَأْنَـٰهُ خَلْقاً ءَاخَرَ } يعني ننقله من حال ، إلى حال إلى أن خرج طفلاً ، ثم نشأ صغيراً ، ثم احتلم ، ثم صار شاباً ، ثم كهلاً ، ثم شيخاً ، ثم هرماً . وعن قتادة والضحاك نحو ذلك ، ولا منافاة ، فإنه من ابتداء نفخ الروح فيه ، شرع في هذه التنقلات والأحوال ، والله أعلم . قال الإمام أحمد في مسنده حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله ــــ هو ابن مسعود رضي الله عنه ــــ قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق " إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل إليه الملك ، فينفخ فيه الروح ، ويؤمر بأربع كلمات رزقه ، وأجله ، وعمله ، وهل هو شقي أو سعيد ، فو الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيختم له بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار ، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيختم له بعمل أهل الجنة فيدخلها " أخرجاه من حديث سليمان بن مهران الأعمش . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن خيثمة قال قال عبد الله ــــ يعني ابن مسعود ــــ إن النطفة إذا وقعت في الرحم ، طارت في كل شعر وظفر ، فتمكث أربعين يوماً ، ثم تعود في الرحم ، فتكون علقة . وقال الإمام أحمد أيضاً حدثنا حسين بن الحسن ، حدثنا أبو كدينة عن عطاء بن السائب عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله قال مر يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث أصحابه ، فقالت قريش يا يهودي إن هذا يزعم أنه نبي ، فقال لأسألنه عن شيء لا يعلمه إلا نبي ، قال فجاءه حتى جلس ، فقال يا محمد مم يخلق الإنسان ؟ فقال " يا يهودي من كل يخلق من نطفة الرجل ، ومن نطفة المرأة ، فأما نطفة الرجل ، فنطفة غليظة منها العظم والعصب ، وأما نطفة المرأة ، فنطفة رقيقة منها اللحم والدم " فقام اليهودي فقال هكذا كان يقول من قبلك . وقال الإمام أحمد حدثنا سفيان عن عمرو عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين ليلة ، فيقول يا رب ماذا ؟ أشقي أم سعيد ، أذكر أم أنثى ؟ فيقول الله ، فيكتبان ، فيقولان ماذا ؟ أذكر أم أنثى ؟ فيقول الله عز وجل ، فيكتبان ، ويكتب عمله وأثره ومصيبته ورزقه ، ثم تطوى الصحيفة ، فلا يزاد على ما فيها ، ولا ينقص " وقد رواه مسلم في صحيحه من حديث سفيان بن عيينة عن عمرو ــــ هو ابن دينار ــــ به نحوه ، ومن طريق أخرى عن أبي الطفيل عامر بن واثلة عن حذيفة بن أسيد أبي سريحة الغفاري بنحوه ، والله أعلم . وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا أحمد بن عبدة ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا عبيد الله بن أبي بكر عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن الله وكل بالرحم ملكاً ، فيقول أي رب نطفة ، أي رب علقة ، أي رب مضغة ، فإذا أراد الله خلقها ، قال أي رب ذكر أو أنثى ؟ شقي أو سعيد ؟ فما الرزق والأجل ؟ قال فذلك يكتب في بطن أمه " أخرجاه في " الصحيحين " من حديث حماد بن زيد به . وقوله { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَـٰلِقِينَ } يعني حين ذكر قدرته ولطفه في خلق هذه النطفة من حال إلى حال ، وشكل إلى شكل ، حتى تصورت إلى ما صارت إليه من الإنسان السوي الكامل الخلق ، قال { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَـٰلِقِينَ } قال ابن أبي حاتم حدثنا يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا علي بن زيد عن أنس قال قال عمر ، يعني ابن الخطاب رضي الله عنه وافقت ربي ، ووافقني في أربع نزلت هذه الآية { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ مِن سُلَـٰلَةٍ مِّن طِينٍ } الآية ، قلت أنا فتبارك الله أحسن الخالقين ، فنزلت { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَـٰلِقِينَ } . وقال أيضاً حدثنا أبي ، حدثنا آدم بن أبي إياس ، حدثنا شيبان عن جابر الجعفي عن عامر الشعبي ، عن زيد بن ثابت الأنصاري قال أملى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ مِن سُلَـٰلَةٍ مِّن طِينٍ } ــــ إلى قوله ــــ { خَلْقاً ءَاخَرَ } فقال معاذ { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَـٰلِقِينَ } فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له معاذ مم تضحك يا رسول الله ؟ فقال " بها ختمت ، فتبارك الله أحسن الخالقين " وفي إسناده جابر بن يزيد الجعفي ضعيف جداً ، وفي خبره هذا نكارة شديدة ، وذلك أن هذه السورة مكية ، وزيد بن ثابت إنما كتب الوحي بالمدينة ، وكذلك إسلام معاذ بن جبل إنما كان بالمدينة أيضاً ، فالله أعلم . وقوله { ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ لَمَيِّتُونَ } يعني بعد هذه النشأة الأولى من العدم تصيرون إلى الموت { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ تُبْعَثُونَ } يعني النشأة الآخرة { ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ } العنكبوت 20 يعني يوم المعاد ، وقيام الأرواح إلى الأجساد ، فيحاسب الخلائق ، ويوفى كل عامل عمله ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر .