Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 18-22)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يذكر تعالى نعمه على عبيده التي لا تعد ولا تحصى في إنزاله القطر من السماء بقدر ، أي بحسب الحاجة ، لا كثيراً فيفسد الأرض والعمران ، ولا قليلاً فلا يكفي الزروع والثمار ، بل بقدر الحاجة إليه من السقي والشرب والانتفاع به ، حتى إن الأراضي التي تحتاج ماء كثيراً لزرعها ، ولا تحتمل دمنتها إنزال المطر عليها ، يسوق إليها الماء من بلاد أخرى كما في أرض مصر ، ويقال لها الأرض الجرز ، يسوق الله إليها ماء النيل معه طين أحمر يجترفه من بلاد الحبشة في زمان أمطارها ، فيأتي الماء يحمل طيناً أحمر ، فيسقي أرض مصر ، ويقر الطين على أرضهم ليزرعوا فيه لأن أرضهم سباخ يغلب عليها الرمال ، فسبحان اللطيف الخبير الرحيم الغفور . وقوله { فَأَسْكَنَّاهُ فِى ٱلأَرْضِ } أي جعلنا الماء إذا نزل من السحاب ، يخلد في الأرض ، وجعلنا في الأرض قابلية له ، تشربه ، ويتغذى به ما فيها من الحب والنوى . وقوله { وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَـٰدِرُونَ } أي لو شئنا أن لا تمطر ، لفعلنا ، ولو شئنا ، لصرفناه عنكم إلى السباخ والبراري والقفار لفعلنا ، ولو شئنا ، لجعلناه أجاجاً لا ينتفع به لشرب ولا لسقي لفعلنا ، ولو شئنا لجعلناه لا ينزل في الأرض ، بل ينجر على وجهها ، لفعلنا ، ولو شئنا لجعلناه إذا نزل فيها يغور إلى مدى لا تصلون إليه ، ولا تنتفعون به ، لفعلنا ، ولكن بلطفه ورحمته ينزل عليكم الماء من السحاب عذباً فراتاً زلالاً ، فيسكنه في الأرض ، ويسلكه ينابيع في الأرض ، فيفتح العيون والأنهار ، ويسقي به الزروع والثمار ، وتشربون منه ودوابكم وأنعامكم ، وتغتسلون منه ، وتتطهرون منه وتتنظفون ، فله الحمد والمنة . وقوله { فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّـٰتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَـٰبٍ } يعني فأخرجنا لكم بما أنزلنا من السماء جنات ، أي بساتين وحدائق { ذَاتَ بَهْجَةٍ } النمل 60 أي ذات منظر حسن . وقوله { مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ } أي فيها نخيل وأعناب ، وهذا ما كان يألف أهل الحجاز ، ولا فرق بين الشيء وبين نظيره ، وكذلك في حق كل أهل إقليم عندهم من الثمار من نعمة الله عليهم ما يعجزون عن القيام بشكره . وقوله { لَّكُمْ فِيهَا فَوَٰكِهُ كَثِيرَةٌ } أي من جميع الثمار ، كما قال { يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلأَعْنَـٰبَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ } النحل 11 . وقوله { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } كأنه معطوف على شيء مقدر تقديره تنظرون إلى حسنه ونضجه ، ومنه تأكلون . وقوله { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ } يعني الزيتونة ، والطور هو الجبل . وقال بعضهم إنما يسمى طوراً إذا كان فيه شجر ، فإن عري عنها ، سمي جبلاً لا طوراً ، والله أعلم ، وطور سيناء هو طور سينين ، وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى بن عمران عليه السلام ، وما حوله من الجبال التي فيها شجر الزيتون . وقوله { تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } قال بعضهم الباء زائدة ، وتقديره تنبت الدهن كما في قول العرب ألقى فلان بيده ، أي يده ، وأما على قول من يضمن الفعل ، فتقديره تخرج بالدهن ، أو تأتي بالدهن ، ولهذا قال { وَصِبْغٍ } أي أدم ، قاله قتادة ، { لِّلأَكِلِيِنَ } أي فيها ما ينتفع به من الدهن والاصطباغ ، كما قال الإمام أحمد حدثنا وكيع عن عبد الله بن عيسى عن عطاء الشامي ، عن أبي أسيد ، واسمه مالك بن ربيعة الساعدي الأنصاري رضي الله عنه ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كلوا الزيت وادهنوا به ، فإنه من شجرة مباركة " . وقال عبد بن حميد في مسنده وتفسيره حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ائتدموا بالزيت ، وادهنوا به فإنه يخرج من شجرة مباركة " ، ورواه الترمذي وابن ماجه من غير وجه عن عبد الرزاق . قال الترمذي ولا يعرف إلا من حديثه ، وكان يضطرب فيه ، فربما ذكر فيه عمر ، وربما لم يذكره . قال أبو القاسم الطبراني حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أبي ، حدثنا سفيان بن عيينة ، حدثني الصعب بن حكيم بن شريك بن نملة عن أبيه عن جده قال ضفت عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة عاشوراء ، فأطعمني من رأس بعير بارد ، وأطعمنا زيتاً ، وقال هذا الزيت المبارك الذي قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم . وقوله { وَإِنَّ لَكُمْ فِى ٱلأَنْعَـٰمِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِى بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَـٰفِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } يذكر تعالى ما جعل لخلقه في الأنعام من المنافع ، وذلك أنهم يشربون من ألبانها الخارجة من بين فرث ودم ، ويأكلون من حملانها ، ويلبسون من أصوافها وأوبارها وأشعارها ، ويركبون ظهورها ، ويحملونها الأحمال الثقال إلى البلاد النائية عنهم كما قال تعالى { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَـٰلِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } النحل 7 وقال تعالى { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعـٰماً فَهُمْ لَهَا مَـٰلِكُونَ وَذَلَّلْنَـٰهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَـٰفِعُ وَمَشَـٰرِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } يس 71 ــــ 73 .