Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 57-61)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } أي هم مع إحسانهم وإيمانهم وعملهم الصالح مشفقون من الله ، خائفون منه ، وجلون من مكره بهم كما قال الحسن البصري إن المؤمن جمع إحساناً وشفقة ، وإن الكافر جمع إساءة وأمناً { وَٱلَّذِينَ هُم بِـآيَـٰتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ } أي يؤمنون بآياته الكونية والشرعية ، كقوله تعالى إخباراً عن مريم عليها السلام { وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَـٰتِ رَبَّهَا وَكُتُبِهِ } التحريم 12 أي أيقنت أن ما كان ، إنما هو عن قدر الله وقضائه ، وما شرعه الله فهو إن كان أمراً ، فمما يحبه ويرضاه ، وإن كان نهياً ، فهو مما يكرهه ويأباه ، وإن كان خيراً فهو حق ، كما قال الله { وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ } أي لا يعبدون معه غيره ، بل يوحدونه ، ويعلمون أنه لا إله إلا الله أحداً صمداً ، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ، وأنه لا نظير له ، ولا كفء له . وقوله { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَٰجِعُونَ } أي يعطون العطاء وهم خائفون وجلون أن لا يتقبل منهم لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشرط الإعطاء ، وهذا من باب الإشفاق والاحتياط ، كما قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا مالك بن مغول ، حدثنا عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن عائشة أنها قالت يا رسول الله الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة ، هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر ، وهو يخاف الله عز وجل ؟ قال " لا يا بنت الصديق ، ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق ، وهو يخاف الله عز وجل " وهكذا رواه الترمذي وابن أبي حاتم من حديث مالك بن مِغْول ، به بنحوه ، وقال " لا يا بنت الصديق ، ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون ، وهم يخافون ألا يتقبل منهم { أُوْلَـٰئِكَ يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ } " وقال الترمذي وروي هذا الحديث من حديث عبد الرحمن بن سعيد عن أبي حازم ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا ، وهكذا قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي والحسن البصري في تفسير هذه الآية . وقد قرأ آخرون هذه الآية " والذينَ يُؤْتُونَ ما ءَاتوا وقلوبُهم وجِلةٌ " أي يفعلون ما يفعلون وهم خائفون ، وروي هذا مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأها كذلك . قال الإمام أحمد حدثنا عفان ، حدثنا صخر بن جويرية ، حدثنا إسماعيل المكي ، حدثنا أبو خلف مولى بني جمح أنه دخل مع عبيد بن عمير على عائشة رضي الله عنها ، فقالت مرحباً بأبي عاصم ، ما يمنعك أن تزورنا أو تلم بنا ؟ فقال أخشى أن أملك ، فقالت ما كنت لتفعل ؟ قال جئت لأسألك عن آية من كتاب الله عز وجل كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها ؟ قالت أية آية ؟ قال { ٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ ءاتَواْ } أو { الذينَ يأتونَ ما أتوا } فقالت أيتهما أحب إليك ؟ فقلت والذي نفسي بيده لإحداهما أحب إلي من الدنيا جميعاً ، أو الدنيا وما فيها . قالت وما هي ؟ فقلت { الذينَ يأتونَ ما أتوا } فقالت أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك كان يقرؤها ، وكذلك أنزلت ، ولكن الهجاء حرف ، فيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف ، والمعنى على القراءة الأولى ، وهي قراءة الجمهور السبعة ، وغيرهم أظهر لأنه قال { أُوْلَـٰئِكَ يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ وَهُمْ لَهَا سَـٰبِقُونَ } فجعلهم من السابقين ، ولو كان المعنى على القراءة الأخرى ، لأوشك أن لا يكونوا من السابقين ، بل من المقتصدين أو المقصرين ، والله أعلم .