Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 39-40)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذان مثلان ضربهما الله تعالى لنوعي الكفار كما ضرب للمنافقين في أول البقرة مثلين نارياً ومائياً ، وكما ضرب لما يقر في القلوب من الهدى والعلم في سورة الرعد مثلين مائياً ونارياً ، وقد تكلمنا على كل منهما في موضعه بما أغنى عن إعادته ، ولله الحمد والمنة . فأما الأول من هذين المثلين ، فهو للكفار الدعاة إلى كفرهم ، الذين يحسبون أنهم على شيء من الأعمال والاعتقادات ، وليسوا في نفس الأمر على شيء ، فمثلهم في ذلك كالسراب الذي يرى في القيعان من الأرض من بعد كأنه بحر طام ، والقيعة جمع قاع كجار وجيرة ، والقاع أيضاً واحد القيعان ، كما يقال جار وجيران ، وهي الأرض المستوية المتسعة المنبسطة ، وفيه يكون السراب ، وإنما يكون ذلك بعد نصف النهار ، وأما الآل ، فإنما يكون أول النهار يرى كأنه ماء بين السماء والأرض ، فإذا رأى السراب من هو محتاج إلى الماء ، يحسبه ماء ، قصده ليشرب منه ، فلما انتهى إليه ، { لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً } فكذلك الكافر ، يحسب أنه قد عمل عملاً ، وأنه قد حصل شيئاً ، فإذا وافى الله يوم القيامة وحاسبه عليها ، ونوقش على أفعاله ، لم يجد له شيئاً بالكلية قد قبل ، إما لعدم الإخلاص ، أو لعدم سلوك الشرع كما قال تعالى { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } الفرقان 23 وقال ههنا { وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّـٰهُ حِسَابَهُ وَٱللهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } وهكذا روي عن أبي بن كعب وابن عباس ومجاهد وقتادة وغير واحد . وفي " الصحيحين " أنه يقال يوم القيامة لليهود ما كنتم تعبدون ؟ فيقولون كنا نعبد عزير ابن الله . فيقال كذبتم ، ما اتخذ الله من ولد ، ماذا تبغون ؟ فيقولون يا رب عطشنا فاسقنا ، فيقال ألا ترون ؟ فتمثل لهم النار كأنها سرابٌ يحطم بعضها بعضاً ، فينطلقون فيتهافتون فيها ، وهذا المثال مثال لذوي الجهل المركب ، فأما أصحاب الجهل البسيط ، وهم الطماطم الأغشام المقلدون لأئمة الكفر الصم البكم الذين لا يعقلون ، فمثلهم كما قال تعالى { أَوْ كَظُلُمَـٰتٍ فِى بَحْرٍ لُّجِّىٍّ } قال قتادة { لُّجِّىٍّ } هو العميق { يَغْشَـٰهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَـٰتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } أي لم يقارب رؤيتها من شدة الظلام ، فهذا مثل قلب الكافر الجاهل البسيط ، المقلد الذي لا يعرف حال من يقوده ، ولا يدري أين يذهب ، بل كما يقال في المثل للجاهل أين تذهب ؟ قال معهم ، قيل فإلى أين يذهبون ؟ قال لا أدري . وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما { يَغْشَـٰهُ مَوْجٌ } الآية ، يعني بذلك الغشاوة التي على القلب والسمع والبصر ، وهي كقوله { خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَـٰرِهِمْ } البقرة 7 الآية ، وكقوله { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَٰوَةً } الجاثية 23 الآية ، وقال أبيّ بن كعب في قوله تعالى { ظُلُمَـٰتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ } فهو يتقلب في خمسة من الظلم فكلامه ظلمة ، وعمله ظلمة ، ومدخله ظلمة ، ومخرجه ظلمة ، ومصيره يوم القيامة إلى الظلمات إلى النار ، وقال السدي والربيع بن أنس نحو ذلك أيضاً . وقوله تعالى { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } أي من لم يهده الله ، فهو هالك جاهل ، حائل ، بائر ، كافر كقوله تعالى { مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ } الأعراف 186 وهذا في مقابلة ما قال في مثل المؤمنين { يَهْدِى ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ } فنسأل الله العظيم أن يجعل في قلوبنا نوراً ، وعن أيماننا نوراً ، وعن شمائلنا نوراً ، وأن يعظم لنا نوراً .