Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 63-67)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه صفات عباد الله المؤمنين { ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً } أي بسكينة ووقار ، من غير جبرية ولا استكبار كقوله تعالى { وَلاَ تَمْشِ فِى ٱلأَرْضِ مَرَحًا } الإسراء 37 الآية ، فأما هؤلاء ، فإنهم يمشون من غير استكبار ولا مرح ، ولا أشر ولا بطر ، وليس المراد أنهم يمشون كالمرضى تصنعاً ورياء ، فقد كان سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحط من صبب ، وكأنما الأرض تطوى له ، وقد كره بعض السلف المشي بتضعف وتصنع ، حتى روي عن عمر أنه رأى شاباً يمشي رويداً ، فقال ما بالك ، أأنت مريض ؟ قال لا يا أمير المؤمنين فعلاه بالدرة وأمره أن يمشي بقوة ، وإنما المراد بالهون هنا السكينة والوقار ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أتيتم الصلاة ، فلا تأتوها وأنتم تسعون ، وأتوها وعليكم السكينة ، فما أدركتم منها فصلوا ، وما فاتكم فأتموا " . وقال عبد الله بن المبارك عن معمر عن يحيى بن المختار عن الحسن البصري في قوله { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ } الآية ، قال إن المؤمنين قوم ذلل ، ذلت منهم ــــ والله ــــ الأسماع والأبصار والجوارح ، حتى تحسبهم مرضى ، وما بالقوم من مرض ، وإنهم والله أصحاء ، ولكنهم دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم ، ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة ، فقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ، أما والله ما أحزنهم ما أحزن الناس ، ولا تعاظم في نفوسهم شيء طلبوا به الجنة ، ولكن أبكاهم الخوف من النار ، إنه من لم يتعز بعزاء الله ، تَقَطَّع نفسه على الدنيا حسرات ، ومن لم ير لله نعمةً إلا في مطعم أو مشرب ، فقد قل علمه ، وحضر عذابه . وقوله تعالى { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَـٰهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } أي إذا سفه عليهم الجهال بالقول السيــــىء لم يقابلوهم عليه بمثله ، بل يعفون ويصفحون ، ولا يقولون إلا خيراً كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزيده شدة الجاهل عليه إلا حلماً ، وكما قال تعالى { وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ } القصص 55 الآية . وروى الإمام أحمد حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا أبو بكر عن الأعمش عن أبي خالد الوالبي ، عن النعمان بن مقرن المزني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسب رجل رجلاً عنده ، فجعل ، قال المسبوب يقول عليك السلام ، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما إن ملكاً بينكما يذب عنك ، كلما شتمك هذا ، قال له بل أنت ، وأنت أحق به ، وإذا قلت له وعليك السلام ، قال لا ، بل عليك ، وأنت أحق به " إسناده حسن ، ولم يخرجوه . وقال مجاهد { قَالُواْ سَلَـٰماً } يعني قالوا سداداً . وقال سعيد بن جبير ردوا معروفاً من القول . وقال الحسن البصري { قَالُواْ سَلَـٰماً } حلماء لا يجهلون ، إن جهل عليهم ، حلموا ، يصاحبون عباد الله نهارهم بما يسمعون ، ثم ذكر أن ليلهم خير ليل ، فقال تعالى { وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَـٰماً } أي في طاعته وعبادته كما قال تعالى { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِٱلأَسْحَـٰرِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } الذاريات 18 وقوله { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ } السجدة 16 الآية ، وقال تعالى { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيْلِ سَـٰجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ ٱلأَخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ } الزمر 9 الآية ، ولهذا قال تعالى { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } أي ملازماً دائماً ، كما قال الشاعر @ إِنْ يُعَذِّبْ يَكُنْ غَراماً ، وإِنْ يُعْ طِ جَزيلاً ، فإنَّهُ لا يُبالي @@ ولهذا قال الحسن في قوله { إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } كل شيء يصيب ابن آدم ، ويزول عنه ، فليس بغرام ، وإنما الغرام الملازم ما دامت السموات والأرض ، وكذا قال سليمان التيمي . وقال محمد بن كعب { إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } يعني ما نعموا في الدنيا ، إن الله تعالى سأل الكفار عن النعمة ، فلم يردوها إليه ، فأغرمهم ، فأدخلهم النار ، { إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } أي بئس المنزل منظراً ، وبئس المقيل مقاماً ، وقال ابن أبي حاتم عند قوله { إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } حدثنا أبي ، حدثنا الحسن بن الربيع ، حدثنا أبو الأحوص عن الأعمش عن مالك بن الحارث قال إذا طرح الرجل في النار ، هوى فيها ، فإذا انتهى إلى بعض أبوابها ، قيل له مكانك حتى تتحف ، قال فيسقى كأساً من سم الأساود والعقارب ، قال فيميز الجلد على حدة ، والشعر على حدة ، والعصب على حدة ، والعروق على حدة . وقال أيضاً حدثنا أبي ، حدثنا الحسن بن الربيع ، حدثنا أبو الأحوص عن الأعمش عن مجاهد ، عن عبيد بن عمير قال إن في النار لجباباً فيها حيات أمثال البخت ، وعقارب أمثال البغال الدهم ، فإذا قذف بهم في النار ، خرجت إليهم من أوطانها ، فأخذت بشفاههم وأبشارهم وأشعارهم ، فكشطت لحومهم إلى أقدامهم ، فإذا وجدت حر النار ، رجعت . وقال الإمام أحمد حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا سلام ، يعني ابن مسكين ، عن أبي ظلال عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن عبداً في جهنم لينادي ألف سنة يا حنان يا منان ، فيقول الله عز وجل لجبريل اذهب فأتني بعبدي هذا ، فينطلق جبريل ، فيجد أهل النار مكبين يبكون ، فيرجع إلى ربه عز وجل فيخبره ، فيقول الله عز وجل ائتني به ، فإنه في مكان كذا وكذا ، فيجيء به ، فيوقفه على ربه عز وجل ، فيقول له يا عبدي كيف وجدت مكانك ومقيلك ؟ فيقول يا رب شر مكان ، وشر مقيل ، فيقول الله عز وجل ردوا عبدي ، فيقول يا رب ما كنت أرجو إذ أخرجتني منها أن تردني فيها ، فيقول الله عز وجل ، دعوا عبدي " . وقوله تعالى { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ } الآية ، أي ليسوا بمبذرين في إنفاقهم ، فيصرفون فوق الحاجة ، ولا بخلاء على أهليهم ، فيقصرون في حقهم ، فلا يكفونهم ، بل عدلاً خياراً ، وخير الأمور أوسطها ، لا هذا ولا هذا ، { وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } كما قال تعالى { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ } الإسراء 29 الآية ، وقال الإمام أحمد حدثنا عصام بن خالد ، حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني ، عن ضمرة عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من فقه الرجل رفقه في معيشته " ولم يخرجوه . وقال الإمام أحمد أيضاً حدثنا أبو عبيدة الحداد ، حدثنا سكين بن عبد العزيز العبدي ، حدثنا إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما عال من اقتصد " . لم يخرجوه وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا أحمد بن يحيى ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون ، حدثنا سعيد بن حكيم عن مسلم بن حبيب عن بلال ــــ يعني العبسي ــــ عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أحسن القصد في الغنى وأحسن القصد في الفقر وأحسن القصد في العبادة " ثم قال لا نعرفه يروى إلا من حديث حذيفة رضي الله عنه . وقال الحسن البصري ليس في النفقة في سبيل الله سرف . وقال إياس بن معاوية ما جاوزت به أمر الله تعالى ، فهو سرف . وقال غيره السرف النفقة في معصية الله عز وجل .