Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 185-191)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عن جواب قومه له بمثل ما أجابت به ثمود لرسولها ، تشابهت قلوبهم حيث قالوا { إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ } يعنون من المسحورين كما تقدم ، { وَمَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ } أي تتعمد الكذب فيما تقوله ، لا أن الله أرسلك إلينا ، { فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } قال الضحاك جانباً من السماء . وقال قتادة قطعاً من السماء . وقال السدي عذاباً من السماء . وهذا شبيه بما قالت قريش فيما أخبر الله عنهم في قوله تعالى { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلاَْرْضِ يَنْبُوعًا } الإسراء 90 إلى أن قالوا { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِىَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلَـٰئِكَةِ قَبِيلاً } الإسراء 92 وقوله { وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } الآية ، وهكذا قال هؤلاء الكفار الجهلة { فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } الأنفال 32 الآية ، { قَالَ رَبِّىۤ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } يقول الله أعلم بكم ، فإن كنتم تستحقون ذلك ، جازاكم به ، وهو غير ظالم لكم ، وهكذا وقع بهم جزاء كما سألوا جزاء وفاقاً ، ولهذا قال تعالى { فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ ٱلظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } وهذا من جنس ما سألوه من إسقاط الكسف عليهم ، فإن الله سبحانه وتعالى جعل عقوبتهم أن أصابهم حر عظيم مدة سبعة أيام ، لا يكنهم منه شيء ، ثم أقبلت إليهم سحابة أظلتهم ، فجعلوا ينطلقون إليها يستظلون بظلها من الحر ، فلما اجتمعوا كلهم تحتها ، أرسل الله تعالى عليهم منها شرراً من نار ولهباً ووهجاً عظيماً ، ورجفت بهم الأرض ، وجاءتهم صيحة عظيمة أزهقت أرواحهم ، ولهذا قال تعالى { إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } . وقد ذكر الله تعالى صفة إهلاكهم في ثلاثة مواطن ، كل موطن بصفة تناسب ذلك السياق ، ففي الأعراف ذكر أنهم أخذتهم الرجفة ، فأصبحوا في دارهم جاثمين ، وذلك لأنهم قالوا { لَنُخْرِجَنَّكَ يـٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } الأعراف 88 فأرجفوا نبي الله ومن اتبعه ، فأخذتهم الرجفة ، وفي سورة هود قال { وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ } هود 67 وذلك لأنهم استهزؤوا بنبي الله في قولهم { أَصَلَوَٰتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِىۤ أَمْوَالِنَا مَا نَشَٰؤُا إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ } هود 87 قالوا ذلك على سبيل التهكم والازدراء ، فناسب أن تأتيهم صيحة تسكتهم ، فقال { وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ } هود 94 الآية ، وههنا قالوا { فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } الآية ، على وجه التعنت والعناد ، فناسب أن يحقق عليهم ما استبعدوا وقوعه ، { فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ ٱلظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } . قال قتادة قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه إن الله سلط عليهم الحر سبعة أيام حتى ما يظلهم منه شيء ، ثم إن الله تعالى أنشأ لهم سحابة ، فانطلق إليها أحدهم ، فاستظل بها فأصاب تحتها برداً وراحة ، فأعلم بذلك قومه ، فأتوها جميعاً فاستظلوا تحتها ، فأججت عليهم ناراً ، وهكذا روي عن عكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغيرهم . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم بعث الله إليهم الظلة ، حتى إذا اجتمعوا كلهم ، كشف الله عنهم الظلة ، وأحمى عليهم الشمس ، فاحترقوا كما يحترق الجراد في المقلى ، وقال محمد بن كعب القرظي إن أهل مدين عذبوا بثلاثة أصناف من العذاب أخذتهم الرجفة في دارهم حتى خرجوا منها ، فلما خرجوا منها أصابهم فزع شديد ، ففرقوا أن يدخلوا إلى البيوت فتسقط عليهم ، فأرسل الله عليهم الظلة ، فدخل تحتها رجل فقال ما رأيت كاليوم ظلاً أطيب ولا أبرد من هذا ، هلموا أيها الناس ، فدخلوا جميعاً تحت الظلة ، فصاح بهم صيحة واحدة ، فماتوا جميعاً ، ثم تلا محمد بن كعب { فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ ٱلظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } . وقال محمد بن جرير حدثني الحارث ، حدثني الحسن ، حدثني سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد ، حدثنا حاتم بن أبي صغيرة ، حدثني يزيد الباهلي ، سألت ابن عباس عن هذه الآية { فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ ٱلظُّلَّةِ } الآية ، قال بعث الله عليهم رعداً وحراً شديداً ، فأخذ بأنفاسهم ، فدخلوا البيوت ، فدخل عليهم أجواف البيوت فأخذ بأنفاسهم فخرجوا من البيوت هراباً إلى البرية ، فبعث الله عليهم سحابة فأظلتهم من الشمس ، فوجدوا لها برداً ولذة ، فنادى بعضهم بعضاً ، حتى إذا اجتمعوا تحتها ، أرسل الله عليهم ناراً . قال ابن عباس فذلك عذاب يوم الظلة ، إنه كان عذاب يوم عظيم ، { إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } أي العزيز في انتقامه من الكافرين ، الرحيم بعباده المؤمنين .