Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 59-60)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } أي على نعمه على عباده من النعم التي لا تعد ولا تحصى ، وعلى ما اتصف به من الصفات العلى والأسماء الحسنى ، وأن يسلم على عباد الله الذين اصطفاهم ، واختارهم ، وهم رسله وأنبياؤه الكرام ، عليهم من الله أفضل الصلاة والسلام ، وهكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيره إن المراد بعباده الذين اصطفى ، هم الأنبياء ، قال وهو كقوله { سُبْحَـٰنَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَـٰمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } الصافات 180 ــــ 182 . وقال الثوري والسدي هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أجمعين ، وروي نحوه عن ابن عباس أيضاً ، ولا منافاة فإنهم إذا كانوا من عباد الله الذين اصطفى فالأنبياء بطريق الأولى والأحرى . والقصد أن الله تعالى أمر رسوله ومن اتبعه بعد ذكره لهم ما فعل بأوليائه من النجاة والنصر والتأييد ، وما أحل بأعدائه من الخزي والنكال والقهر ، أن يحمدوه على جميع أفعاله ، وأن يسلموا على عباده المصطفين الأخيار . وقد قال أبو بكر البزار حدثنا محمد بن عمارة بن صبيح ، حدثنا طلق بن غنام ، حدثنا الحكم بن ظهير عن السدي عن أبي مالك ، عن ابن عباس { لِلَّهِ وَسَلَـٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } قال هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم اصطفاهم الله لنبيه رضي الله عنهم ، وقوله تعالى { ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } استفهام إنكار على المشركين في عبادتهم مع الله آلهة آخرى . ثم شرع تعالى يبين أنه المنفرد بالخلق والرزق والتدبير دون غيره ، فقال تعالى { أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ } أي خلق تلك السموات في ارتفاعها وصفائها . وما جعل فيها من الكواكب النيرة والنجوم الزاهرة والأفلاك الدائرة . وخلق الأرض في استفالها وكثافتها ، وما جعل فيها من الجبال والأطواد والسهول والأوعار ، والفيافي والقفار ، والزروع والأشجار ، والثمار والبحار ، والحيوان على اختلاف الأصناف والأشكال والألوان وغير ذلك . وقوله تعالى { وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } أي جعله رزقاً للعباد ، { فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ } أي بساتين { ذَاتَ بَهْجَةٍ } أي منظر حسن ، وشكل بهي ، { مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا } أي لم تكونوا تقدرون على إنبات أشجارها ، وإنما يقدر على ذلك الخالق الرازق المستقل بذلك ، المتفرد به دون ما سواه من الأصنام والأنداد كما يعترف به هؤلاء المشركون كما قال تعالى في الآية الأخرى { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } لقمان 25 { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } العنكبوت 63 أي هم معترفون بأنه الفاعل لجميع ذلك وحده لا شريك له ، ثم هم يعبدون معه غيره مما يعترفون أنه لا يخلق ولا يرزق ، وإنما يستحق أن يفرد بالعبادة من هو المتفرد بالخلق والرزق ، ولهذا قال تعالى { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللهِ } أي أإله مع الله يعبد ؟ وقد تبين لكم ولكل ذي لب مما يعترفون به أيضاً أنه الخالق الرازق . ومن المفسرين من يقول معنى قوله { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱ } فعل هذا ؟ وهو يرجع إلى معنى الأول لأن تقدير الجواب أنهم يقولون ليس ثم أحد فعل هذا معه ، بل هو المتفرد به ، فيقال فكيف تعبدون معه غيره ، وهو المستقل المتفرد بالخلق والرزق والتدبير ؟ كما قال تعالى { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } النحل 17 الآية . وقوله تعالى ههنا { أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } ؟ { أَمَّنْ } في هذه الآيات كلها تقديره أمن يفعل هذه الأشياء ، كمن لا يقدر على شيء منها ؟ هذا معنى السياق ، وإن لم يذكر الآخر لأن في قوة الكلام ما يرشد إلى ذلك . وقد قال الله تعالى { ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } . ثم قال في الآية الأخرى { بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ } أي يجعلون لله عدلاً ونظيراً . وهكذا قال تعالى { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيْلِ سَـٰجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ } الزمر 9 أي أمن هو هكذا ، كمن ليس كذلك ؟ ولهذا قال تعالى { رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَـٰبِ } الزمر 9 ، { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلَـٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَـٰسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } الزمر 22 وقال تعالى { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } الرعد 33 أي أمن هو شهيد على أفعال الخلق حركاتهم وسكناتهم ، يعلم الغيب جليله وحقيره ، كمن هو لا يعلم ولا يسمع ولا يبصر من هذه الأصنام التي عبدوها من دون الله ؟ ولهذا قال { وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ قُلْ سَمُّوهُمْ } الرعد 33 وهكذا هذه الآيات الكريمة كلها .