Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 29-32)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قد تقدم في تفسير الآية قبلها أن موسى عليه السلام قضى أتم الأجلين وأوفاهما وأبرهما وأكملهما وأتقاهما ، وقد يستفاد هذا أيضاً من الآية الكريمة حيث قال تعالى { فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ } أي الأكمل منهما ، والله أعلم . وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد قضى عشر سنين ، وبعدها عشراً أخر ، وهذا القول لم أره لغيره ، وقد حكاه عنه ابن أبي حاتم وابن جرير ، فالله أعلم . وقوله { وَسَارَ بِأَهْلِهِ } قالوا كان موسى قد اشتاق إلى بلاده وأهله ، فعزم على زيارتهم في خفية من فرعون وقومه ، فتحمل بأهله ، وما كان معه من الغنم التي وهبها له صهره ، فسلك بهم في ليلة مطيرة مظلمة باردة ، فنزل منزلاً ، فجعل كلما أورى زنده لا يضيء شيئاً ، فتعجب من ذلك ، فبينما هو كذلك { ءَانَسَ مِن جَانِبِ وَسَارَ بِأَهْلِهِ ءَانَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً } أي رأى ناراً تضيء على بعد ، { قَالَ لأَِهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ ءَانَسْتُ نَاراً } أي حتى أذهب إليها { لَّعَلِّيۤ ءَاتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ } وذلك لأنه كان قد أضل الطريق ، { أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلْنَّارِ } أي قطعة منها { لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } أي تستدفئون بها من البرد ، قال الله تعالى { فَلَمَّآ أَتَـٰهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِ ٱلأَيْمَنِ } أي من جانب الوادي مما يلي الجبل عن يمينه من ناحية الغرب ، كما قال تعالى { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ } القصص 44 فهذا مما يرشد إلى أن موسىٰ قصد النار إلى جهة القبلة ، والجبل الغربي عن يمينه ، والنار وجدها تضطرم في شجرة خضراء في لحف الجبل مما يلي الوادي ، فوقف باهتاً في أمرها ، فناداه ربه { مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِ ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ } . قال ابن جرير حدثنا ابن وكيع ، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله قال رأيت الشجرة التي نودي منها موسى عليه السلام سمرة خضراء ترف ، إسناده مقارب . وقال محمد بن إسحاق عن بعض من لا يتهم عن وهب بن منبه قال شجرة من العليق ، وبعض أهل الكتاب يقول إنها من العوسج . وقال قتادة هي من العوسج ، وعصاه من العوسج . وقوله تعالى { أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي الذي يخاطبك ويكلمك هو رب العالمين ، الفعال لما يشاء ، لا إله غيره ، ولا رب سواه ، تعالى وتقدس وتنزه عن مماثلة المخلوقات في ذاته وصفاته ، وأقواله وأفعاله ، سبحانه . وقوله { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ } أي التي في يدك كما قرره على ذلك في قوله تعالى { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } طه 17 ــــ 18 والمعنى أما هذه عصاك التي تعرفها { أَلْقِهَا يٰمُوسَىٰ فَأَلْقَـٰهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } طه 19 ــــ 20 فعرف وتحقق أن الذي يكلمه هو الذي يقول للشيء كن فيكون كما تقدم بيان ذلك في سوره طه ، وقال ههنا { فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ } أي تضطرب { كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً } أي في حركتها السريعة ، مع عظم خلقتها وقوائمها ، واتساع فمها ، واصطكاك أنيابها وأضراسها ، بحيث لا تمر بصخرة إلا ابتلعتها ، تنحدر في فيها تتقعقع كأنها حادرة في واد ، فعند ذلك { وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ } أي ولم يكن يلتفت لأن طبع البشرية ينفر من ذلك ، فلما قال الله له { يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلأَمِنِينَ } رجع فوقف في مقامه الأول ، ثم قال الله تعالى { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } أي إذا أدخلت يدك في جيب درعك ، ثم أخرجتها ، فإنها تخرج تتلألأ كأنها قطعة قمر في لمعان البرق ، ولهذا قال { مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } أي من غير برص . وقوله تعالى { وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ } قال مجاهد من الفزع ، وقال قتادة من الرعب . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وابن جرير مما حصل لك من خوفك من الحية ، والظاهر أن المراد أعم من هذا ، وهو أنه أمر عليه السلام إذا خاف من شيء أن يضم إليه جناحه من الرهب ، وهو يده ، فإذا فعل ذلك ، ذهب عنه ما يجده من الخوف ، وربما إذا استعمل أحد ذلك على سبيل الاقتداء ، فوضع يده على فؤاده ، فإنه يزول عنه ما يجده ، أو يخف إن شاء الله تعالى وبه الثقة . قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا الربيع بن ثعلب الشيخ الصالح ، أخبرنا أبو إسماعيل المؤدب عن عبد الله بن مسلم عن مجاهد قال كان موسى عليه السلام قد ملىء قلبه رعباً من فرعون ، فكان إذا رآه قال اللهم إني أدرأ بك في نحره ، وأعوذ بك من شره ، فنزع الله ما كان في قلب موسى عليه السلام ، وجعله في قلب فرعون ، فكان إذا رآه ، بال كما يبول الحمار . وقوله تعالى { فَذَانِكَ بُرْهَانَـٰنِ } يعني إلقاء العصا ، وجعلها حية تسعى ، وإدخاله يده في جيبه ، فتخرج بيضاء من غير سوء ، دليلان قاطعان واضحان على قدرة الفاعل المختار ، وصحة نبوة من جرى هذا الخارق على يديه ، ولهذا قال تعالى { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيِهِ } أي وقومه من الرؤساء والكبراء والأتباع { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } أي خارجين عن طاعة الله ، مخالفين لأمره ودينه .