Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 56-57)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم إنك يا محمد { لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } أي ليس إليك ذلك ، إنما عليك البلاغ ، والله يهدي من يشاء ، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة ، كما قال تعالى { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } البقرة 272 وقال تعالى { وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } وهذه الآية أخص من هذا كله ، فإنه قال { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } أي هو أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية ، وقد ثبت في " الصحيحين " أنها نزلت في أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان يحوطه وينصره ، ويقوم في صفه ويحبه حباً شديداً طبعياً لا شرعياً ، فلما حضرته الوفاة ، وحان أجله ، دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان والدخول في الإسلام ، فسبق القدر فيه ، واختطف من يده ، فاستمر على ما كان عليه من الكفر ، ولله الحكمة التامة . قال الزهري حدثني سعيد بن المسيب عن أبيه ، وهو المسيب بن حزن المخزومي رضي الله عنه قال لما حضرت أبا طالب الوفاة ، جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا عم قل لا إله إلا الله ، كلمة أحاج لك بها عند الله " فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ، ويعودان له بتلك المقالة ، حتى كان آخر ما قال هو على ملة عبد المطلب ، وأبى أن يقول لا إله إلا الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك " فأنزل الله تعالى { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ } التوبة 113 وأنزل في أبي طالب { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } أخرجاه من حديث الزهري ، وهكذا رواه مسلم في " صحيحه " ، والترمذي من حديث يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال لما حضرت وفاة أبي طالب ، أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " يا عماه قل لا إله إلاَّ الله ، أشهد لك بها يوم القيامة " فقال لولا أن تعيرني بها قريش يقولون ما حمله عليه إلاَّ جزع الموت ، لأقررت بها عينك ، لا أقولها إلاَّ لأقر بها عينك ، فأنزل الله تعالى { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } وقال الترمذي حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن كيسان ، ورواه الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد القطان عن يزيد بن كيسان حدثني أبو حازم عن أبي هريرة ، فذكره بنحوه ، وهكذا قال ابن عباس وابن عمر ومجاهد والشعبي وقتادة إنها نزلت في أبي طالب حين عرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول لا إله إلا الله ، فأبى عليه ذلك ، وقال أي ابن أخي ملة الأشياخ ، وكان آخر ما قاله هو على ملة عبد المطلب . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا أبو سلمة ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خُثَيم عن سعيد بن أبي راشد قال كان رسول قيصر جاء إلي ، قال كتب معي قيصر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً ، فأتيته ، فدفعت الكتاب ، فوضعه في حجره ، ثم قال " ممن الرجل ؟ " قلت من تنوخ . قال " هل لك في دين أبيك إبراهيم الحنيفية ؟ " قلت إني رسول قوم وعلى دينهم حتى أرجع إليهم ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظر إلى أصحابه ، وقال " إنك لا تهدي من أحببت ، ولكن الله يهدي من يشاء " . وقوله تعالى { وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ } يقول تعالى مخبراً عن اعتذار بعض الكفار في عدم اتباع الهدى ، حيث قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم { إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ } أي نخشى إن اتبعنا ما جئت به من الهدى ، وخالفنا من حولنا من أحياء العرب المشركين ، أن يقصدونا بالأذى والمحاربة ، ويتخطفونا أينما كنا ، قال الله تعالى مجيباً لهم { أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً ءَامِناً } ؟ يعني هذا الذي اعتذروا به كذب وباطل لأن الله تعالى جعلهم في بلد أمين ، وحرم معظم آمن منذ وضع ، فكيف يكون هذا الحرم آمناً لهم في حال كفرهم وشركهم ، ولا يكون آمناً لهم ، وقد أسلموا وتابعوا الحق ؟ وقوله تعالى { يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَىْءٍ } أي من سائر الثمار مما حوله ، من الطائف وغيره ، وكذلك المتاجر والأمتعة { رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا } أي من عندنا ، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ولهذا قالوا ما قالوا ، وقد قال النسائي أنبأنا الحسن بن محمد ، حدثنا الحجاج عن ابن جريج ، أخبرني ابن أبي مليكة قال قال عمرو بن شعيب عن ابن عباس ، ولم يسمعه منه إن الحارث بن عامر بن نوفل الذي قال { وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ } .