Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 78-78)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى مخبراً عن جواب قارون لقومه حين نصحوه ، وأرشدوه إلى الخير { قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ } أي لا أفتقر إلى ما تقولون ، فإن الله تعالى إنما أعطاني هذا المال لعلمه بأني أستحقه ، ولمحبته لي ، فتقديره إنما أعطيته لعلم الله فيّ أني أهل له ، وهذا كقوله تعالى { فَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَـٰنَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَـٰهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } الزمر 49 أي على علم من الله بي ، وكقوله تعالى { وَلَئِنْ أَذَقْنَـٰهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَـٰذَا لِي } فصلت 50 أي هذا أستحقه . وقد روي عن بعضهم أنه أراد { قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ } أي إنه كان يعاني علم الكيمياء ، وهذا القول ضعيف ، لأن علم الكيمياء في نفسه علم باطل ، لأن قلب الأعيان لا يقدر أحد عليها إلا الله عز وجل ، قال الله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ } الحج 73 . وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يقول الله تعالى ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي ؟ فليخلقوا ذرة ، فليخلقوا شعيرة " وهذا ورد في المصورين الذين يشبهون بخلق الله في مجرد الصورة الظاهرة أو الشكل ، فكيف بمن يدعي أنه يحيل ماهية هذه الذات إلى ماهية ذات أخرى ؟ هذا زور ومحال ، وجهل وضلال ، وإنما يقدرون على الصبغ في الصور الظاهرة ، وهي كذب وزغل وتمويه ، وترويج أنه صحيح في نفس الأمر ، وليس كذلك قطعاً لا محالة ، ولم يثبت بطريق شرعي أنه صح مع أحد من الناس من هذه الطريقة التي يتعاطاها هؤلاء الجهلة الفسقة الأفاكون ، فأما ما يجريه الله سبحانه من خرق العوائد على يدي بعض الأولياء من قلب بعض الأعيان ذهباً ، أو فضة ، أو نحو ذلك ، فهذا أمر لا ينكره مسلم ، ولا يرده مؤمن ، ولكن هذا ليس من قبيل الصناعات ، وإنما هذا عن مشيئة رب الأرض والسموات ، واختياره وفعله كما روي عن حيوة ابن شريح المصري رحمه الله تعالى أنه سأله سائل ، فلم يكن عنده ما يعطيه ، ورأى ضرورته ، فأخذ حصاة من الأرض ، فأجالها في كفه ، ثم ألقاها إلى ذلك السائل ، فإذا هي ذهب أحمر ، والأحاديث والآثار في هذا كثيرة جداً يطول ذكرها . وقال بعضهم إن قارون كان يعرف الاسم الأعظم ، فدعا الله به ، فتمول بسببه . والصحيح المعنى الأول ، ولهذا قال الله تعالى راداً عليه فيما ادعاه من اعتناء الله به فيما أعطاه من المال { أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ ٱلْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً } أي قد كان من هو أكثر منه مالاً ، وما كان ذلك عن محبة منّا له ، وقد أهلكهم الله مع ذلك بكفرهم ، وعدم شكرهم ، ولهذا قال { وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } أي لكثرة ذنوبهم قال قتادة { عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ } على خير عندي . وقال السدي على علم أني أهل لذلك . وقد أجاد في تفسير هذه الآية الإمام عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، فإنه قال في قوله { قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ } قال لولا رضا الله عني ، ومعرفته بفضلي ، ما أعطاني هذا المال ، وقرأ { أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ ٱلْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً } الآية ، وهكذا يقول من قل علمه إذا رأى من وسع الله عليه لولا أن يستحق ذلك ، لما أعطي .