Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 50-52)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى مخبراً عن المشركين في تعنتهم وطلبهم آيات ، يعنون ترشدهم إلى أن محمداً رسول الله كما أتى صالح بناقته ، قال الله تعالى { قُلْ } يا محمد { إِنَّمَا ٱلأَيَـٰتُ عِندَ ٱللَّهِ } أي إنما أمر ذلك إلى الله ، فإنه لو علم أنكم تهتدون لأجابكم إلى سؤالكم ، لأن هذا سهل عليه يسير لديه ، ولكنه يعلم منكم أنكم إنما قصدتم التعنت والامتحان ، فلا يجيبكم إلى ذلك ، كما قال تعالى { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلأَيَـٰتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا } . وقوله { وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أي إنما بعثت نذيراً لكم بين النذارة ، فعلي أن أبلغكم رسالة الله تعالى { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا } الكهف 17 وقال تعالى { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ } البقرة 272 ثم قال تعالى مبيناً كثرة جهلهم وسخافة عقلهم حيث طلبوا آيات تدلهم على صدق محمد صلى الله عليه وسلم فيما جاءهم ، وقد جاءهم بالكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، الذي هو أعظم من كل معجزة ، إذ عجزت الفصحاء والبلغاء عن معارضته بل عن معارضة عشر سور من مثله ، بل عن معارضة سورة منه ، فقال تعالى { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } أي أو لم يكفهم آية أنا أنزلنا عليك الكتاب العظيم الذي فيه خبر ما قبلهم ، ونبأ ما بعدهم ، وحكم ما بينهم ، وأنت رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب ، ولم تخالط أحداً من أهل الكتاب ، فجئتهم بأخبار ما في الصحف الأولى ببيان الصواب مما اختلفوا فيه وبالحق الواضح البين الجلي ، كما قال تعالى { أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ ءَايَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِىۤ إِسْرَآءِيلَ } الشعراء 197 وقال تعالى { وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا بِـآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِى ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ } طه 133 . وقال الإمام أحمد حدثنا حجاج ، حدثنا ليث ، حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة " أخرجاه من حديث الليث . وقد قال الله تعالى { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي إن في هذا القرآن لرحمة أي بياناً للحق وإزاحة للباطل ، وذكرى بما فيه حلول النقمات ونزول العقاب بالمكذبين والعاصين لقوم يؤمنون . ثم قال تعالى { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً } أي هو أعلم بما تفيضون فيه من التكذيب ، ويعلم ما أقول لكم من إخباري عنه بأنه أرسلني ، فلو كنت كاذباً عليه لانتقم مني ، كما قال تعالى { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَـٰجِزِينَ } الحاقة 44 ــــ 47 وإنما أنا صادق عليه فيما أخبرتكم به ، ولهذا أيدني بالمعجزات الواضحات والدلائل القاطعات { وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي لا تخفى عليه خافية { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱلْبَـٰطِلِ وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } أي يوم القيامة سيجزيهم على ما فعلوا ويقابلهم على ما صنعوا في تكذيبهم بالحق واتباعهم الباطل ، كذبوا برسل الله مع قيام الأدلة على صدقهم ، وآمنوا بالطواغيت والأوثان بلا دليل ، فسيجزيهم على ذلك إنه حكيم عليم .