Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 154-155)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ممتناً على عباده فيما أنزل عليهم من السكينة والأمنة وهو النعاس الذي غشيهم ، وهم مُسْتَلئمو السلاح في حال همهم وغمهم ، والنعاس في مثل تلك الحال دليل على الأمان ، كما قال تعالى في سورة الأنفال في قصة بدر { إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ } الآية . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو نعيم ووكيع ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن عبد الله بن مسعود ، قال النعاس في القتال من الله ، وفي الصلاة من الشيطان . وقال البخاري وقال لي خليفة حدثنا يزيد ابن زريع ، حدثنا سعيد عن قتادة ، عن أنس ، عن أبي طلحة ، قال كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد ، حتى سقط سيفي من يدي مراراً ، يسقط وآخذه ، ويسقط وآخذه . وهكذا رواه في المغازي معلقاً ، ورواه في كتاب التفسير مسنداً عن شيبان ، عن قتادة ، عن أنس ، عن أبي طلحة ، قال غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد ، قال فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ، ويسقط وآخذه . وقد رواه الترمذي والنسائي والحاكم من حديث حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، عن أبي طلحة ، قال رفعت رأسي يوم أحد ، وجعلت أنظر ، وما منهم يومئذ أحد إلا يميل تحت حجفته من النعاس ، لفظ الترمذي ، وقال حسن صحيح . ورواه النسائي أيضاً ، عن محمد بن المثنى ، عن خالد بن الحارث ، عن أبي قتيبة ، عن ابن أبي عدي ، كلاهما عن حميد ، عن أنس قال قال أبو طلحة كنت فيمن ألقي عليه النعاس ، الحديث . وهكذا رُوِي عن الزبير وعبد الرحمن بن عوف . وقال البيهقي حدثنا أبوعبد الله الحافظ ، أخبرني أبو الحسين محمد بن يعقوب ، حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي ، حدثنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخزومي ، حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا شيبان عن قتادة ، حدثنا أنس بن مالك أن أبا طلحة قال غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد ، فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ، ويسقط وآخذه . قال والطائفة الأخرى المنافقون ليس لهم هم إِلا أنفسهم أجبن قوم وأرعنه وأخذله للحق { يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ } أي إِنما هم كَذَبة ، أهل شك وريب في الله عز وجل . هكذا رواه بهذه الزيادة ، وكأنها من كلام قتادة رحمه الله ، وهو كما قال فإن الله عز وجل يقول { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ } يعني أهل الإيمان واليقين والثبات والتوكل الصادق ، وهم الجازمون بأن الله عز وجل سينصر رسوله ، وينجز له مأموله ، ولهذا قال { وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } يعني لا يغشاهم النعاس من القلق والجزع والخوف { يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ } كما قال في الآية الأخرى { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً } الفتح 12 إلى آخر الآية ، وهكذا هؤلاء ، اعتقدوا أن المشركين لما ظهروا تلك الساعة أنها الفيصلة ، وأن الإِسلام قد باد وأهله ، وهذا شأن أهل الريب والشك ، إِذا حصل أمر من الأمور الفظيعة ، تحصل لهم هذه الظنون الشنيعة ، ثم أخبر تعالى عنهم أنهم { يَقُولُونَ } في تلك الحال { هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَىْءٍ } فقال تعالى { قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ يُخْفُونَ فِىۤ أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ } ثم فسر ما أخفوه في أنفسهم بقوله { يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَىْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَـٰهُنَا } أي يسرون هذه المقالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن إِسحاق فحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير ، قال قال الزبير لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الخوف علينا ، أرسل الله علينا النوم ، فما منا من رجل إلا ذقنه في صدره ، قال فو الله إني لأسمع قول معتب ابن قشير ، ما أسمعه إلا كالحلم يقول { لو كان لنا من الأَمر شيء ما قتلنا ههنا } ، فحفظتها منه ، وفي ذلك أنزل الله { يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَىْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَـٰهُنَا } لقول معتب ، رواه ابن أبي حاتم . قال الله تعالى { قُل لَّوْ كُنتُمْ فِى بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ } أي هذا قدر قدره الله عز وجل ، وحكم حتم لا محيد عنه ، ولا مناص منه . وقوله تعالى { وَلِيَبْتَلِىَ ٱللَّهُ مَا فِى صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِى قُلُوبِكُمْ } أي يختبركم بما جرى عليكم ليميز الخبيث من الطيب ، ويظهر أمر المؤمن من المنافق للناس في الأقوال والأفعال { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } أي بما يختلج في الصدور من السرائر والضمائر ، ثم قال تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ } أي ببعض ذنوبهم السابقة كما قال بعض السلف إِن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها ، وإِن من جزاء السيئة السيئة بعدها ، ثم قال تعالى { وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ } أي عما كان منهم من الفرار { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ } أي يغفر الذنب ، ويحلم عن خلقه ، ويتجاوز عنهم ، وقد تقدم حديث ابن عمر في شأن عثمان وتوليه يوم أحد ، وأن الله قد عفا عنه مع من عفا عنهم عند قوله { وَلَقَدْ عَفَا } ومناسب ذكره ههنا ، قال الإِمام أحمد حدثنا معاوية بن عمرو ، حدثنا زائدة ، عن عاصم ، عن شقيق ، قال لقي عبد الرحمن بن عوف الوليد بن عقبة ، فقال له الوليد ما لي أراك جفوت أمير المؤمنين عثمان ؟ فقال له عبد الرحمن أبلغه أني لم أفر يوم حنين ، قال عاصم يقول يوم أحد ، ولم أتخلف عن بدر ، ولم أترك سنة عمر ، قال فانطلق فأخبر بذلك عثمان ، قال فقال عثمان أما قوله إِني لم أفر يوم حنين ، فكيف يعيرني بذنب قد عفا الله عنه ، فقال تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ } وأما قوله إني تخلفت يوم بدر ، فإِني كنت أمرض رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ماتت ، وقد ضرب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهم ، ومن ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهم فقد شهد ، وأما قوله إِني تركت سنة عمر ، فإِني لا أطيقها ، ولا هو ، فأته فحدثه بذلك .