Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 176-180)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم { وَلاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلْكُفْرِ } وذلك من شدة حرصه على الناس ، كان يحزنه مبادرة الكفار إِلى المخالفة والعناد والشقاق ، فقال تعالى لا يحزنك ذلك { إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِى ٱلآخِرَةِ } أي حكمته فيهم أنه يريد بمشيئته وقدرته أن لا يجعل لهم نصيباً في الآخرة { وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ } ، ثم قال تعالى مخبراً عن ذلك إِخباراً مقرراً { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَـٰنِ } أي استبدلوا هذا بهذا { لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً } أي ولكن يضرون أنفسهم { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، ثم قال تعالى { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لأَِنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } كقوله { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } المؤمنون 55 56 وكقوله { فَذَرْنِى وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } القلم 44 وكقوله { وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَأَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِى ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَـٰفِرُونَ } التوبة 85 ثم قال تعالى { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ } أي لا بد أن يعقد سبباً من المحنة ، يظهر فيه وليه ، ويفضح به عدوه ، يعرف به المؤمن الصابر ، والمنافق الفاجر ، يعني بذلك يوم أحد الذي امتحن الله به المؤمنين ، فظهر به إيمانهم وصبرهم وجلدهم وثباتهم وطاعتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وهتك به ستر المنافقين . فظهر مخالفتهم ونكولهم عن الجهاد ، وخيانتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال تعالى { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ } قال مجاهد ميز بينهم يوم أحد ، وقال قتادة ميز بينهم بالجهاد والهجرة ، وقال السدي قالوا إِن كان محمد صادقاً فليخبرنا عمن يؤمن به منا ومن يكفر ، فأنزل الله تعالى { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ } أي حتى يخرج المؤمن من الكافر ، روى ذلك كله ابن جرير . ثم قال تعالى { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ } أي أنتم لا تعلمون غيب الله في خلقه حتى يميز لكم المؤمن من المنافق لولا ما يعقده من الأسباب الكاشفة عن ذلك . ثم قال تعالى { وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِى مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ } كقوله تعالى { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً } الجن 26 27 ثم قال تعالى { فَـآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } أي أطيعوا الله ورسوله ، واتبعوه فيما شرع لكم { وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } . وقوله تعالى { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ ءَاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ } أي لا يحسبن البخيل أن جمعه المال ينفعه ، بل هو مضرة عليه في دينه ، وربما كان في دنياه . ثم أخبر بمآل أمر ماله يوم القيامة ، فقال { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } ، قال البخاري حدثنا عبد الله بن منير ، سمع أبا النضر ، حدثنا عبد الرحمن ، هو ابن عبد الله بن دينار ، عن أبيه ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من آتاه الله مالاً ، فلم يؤد زكاته ، مثل له شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ، يأخذ بلهزمتيه يعني بشدقيه ثم يقول أنا مالك ، أنا كنزك " ثم تلا هذه الآية { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ ءَاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ } إِلى آخر الآية ، تفرد به البخاري دون مسلم من هذا الوجه ، وقد رواه ابن حبان في صحيحه من طريق الليث بن سعد عن محمد بن عجلان ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح ، به . حديث آخر قال الإِمام أحمد حدثنا حجين بن المثنى ، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال " إِن الذي لا يؤدي زكاة ماله ، يمثل الله له ماله يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان ، ثم يلزمه يطوقه يقول أنا كنزك أنا كنزك " وهكذا رواه النسائي عن الفضل بن سهل عن أبي النضر هاشم بن القاسم عن عبد العزيز بن عبد الله ابن أبي سلمة ، به . ثم قال النسائي ورواية عبد العزيز عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أثبت من رواية عبد الرحمن عن أبيه عبد الله بن دينار ، عن أبي صالح عن أبي هريرة . قلت ولا منافاة بين الروايتين ، فقد يكون عند عبد الله بن دينار من الوجهين ، والله أعلم ، وقد ساقه الحافظ أبو بكر بن مردويه من غير وجه عن أبي صالح ، عن أبي هريرة . ومن حديث محمد بن حميد ، عن زياد الخطمي ، عن أبي هريرة ، به . حديث آخر قال الإِمام أحمد حدثنا سفيان عن جامع ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من عبد لا يؤدي زكاة ماله ، إلا جعل له شجاع أقرع يتبعه ، يفر منه وهو يتبعه ، فيقول أنا كنزك " ثم قرأ عبد الله مصداقه من كتاب الله { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } ، وهكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة عن جامع بن أبي راشد ، زاد الترمذي وعبد الملك بن أعين ، كلاهما عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود ، به ، وقال الترمذي حسن صحيح . وقد رواه الحاكم في مستدركه من حديث أبي بكر بن عياش وسفيان الثوري ، كلاهما عن أبي إِسحاق السبيعي ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود ، به ، ورواه ابن جرير من غير وجه عن ابن مسعود موقوفاً . حديث آخر قال الحافظ أبو يعلى حدثنا أمية بن بسطام ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا سعيد عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة ، عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من ترك بعده كنزاً ، مثل له شجاعاً أقرع يوم القيامة له زبيبتان يتبعه ، ويقول من أنت ؟ ويلك ، فيقول أنا كنزك الذي خلفت بعدك ، فلا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقضمها ، ثم يتبع سائر جسده " إِسناده جيد قوي ، ولم يخرجوه . وقد رواه الطبراني عن جرير بن عبد الله البجلي ، ورواه ابن جرير وابن مردويه من حديث بهز بن حكيم عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال " لا يأتي الرجل مولاه ، فيسأله من فضل ماله عنده ، فيمنعه إياه ، إِلا دُعي له يوم القيامة شجاع يتلمظ فضله الذي منع " لفظ ابن جرير ، وقال ابن جرير حدثنا ابن المثنى ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا داود عن أبي قزعة ، عن رجل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال " ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه ، فيسأله من فضل جعله الله عنده ، فيبخل به عليه ، إِلا أخرج له من جهنم شجاع يتلمظ حتى يطوقه " ثم رواه من طريق أخرى عن أبي قزعة ، واسمه حجير بن بيان ، عن أبي مالك العبدي موقوفاً ، ورواه من وجه آخر عن أبي قزعة مرسلاً . وقال العوفي عن ابن عباس نزلت في أهل الكتاب الذين بخلوا بما في أيديهم من الكتب المنزلة أن يبينوها ، رواه ابن جرير ، والصحيح الأول وإِن دخل هذا في معناه ، وقد يقال إن هذا أولى بالدخول ، والله سبحانه وتعالى أعلم ، وقوله تعالى { وَللَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي { وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ } الحديد 7 فإن الأمور كلها مرجعها إِلى الله عز وجل . فقدموا من أموالكم ما ينفعكم يوم معادكم { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } أي بنياتكم وضمائركم .