Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 90-91)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى متوعداً ومهدداً لمن كفر بعد إيمانه ، ثم ازداد كفراً ، أي استمر عليه إلى الممات ، ومخبراً بأنهم لن تقبل لهم توبة عند الممات ، كما قال تعالى { وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَـٰتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ } النساء 18 الآية ، ولهذا قال ههنا { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ } أي الخارجون عن المنهج الحق إلى طريق الغي ، قال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع ، حدثنا يزيد ابن زريع ، حدثنا داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن قوماً أسلموا ، ثم ارتدوا ، ثم أسلموا ، ثم ارتدوا ، فأرسلوا إلى قومهم يسألون لهم ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } آل عمران 90 وهكذا رواه ، وإسناده جيد ، ثم قال تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ } أي من مات على الكفر ، فلن يقبل منه خير أبداً ، ولو كان قد أنفق ملء الأرض ذهباً فيما يراه قربة ، كما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن جدعان ، وكان يقري الضيف ، ويفك العاني ، ويطعم الطعام هل ينفعه ذلك ؟ فقال " لا ، إنه لم يقل يوماً من الدهر ربي اغفر لي خطيئتي يوم الدين " وكذلك لو افتدى بملء الأرض ذهباً ما قبل منه ، كما قال تعالى { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَـٰعَةٌ } البقرة 123 وقال { لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلَـٰلٌ } إبراهيم 31 ، وقال { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } المائدة 36 . ولهذا قال تعالى ههنا { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ } فعطف { وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ } على الأول ، فدل على أنه غيره ، وما ذكرناه أحسن من أن يقال إن الواو زائدة ، والله أعلم ، ويقتضي ذلك أن لا ينقذه من عذاب الله شيء ، ولو كان قد أنفق مثل الأرض ذهباً ، ولو افتدى نفسه من الله بملء الأرض ذهباً ، بوزن جبالها وتلالها وترابها ورمالها وسهلها ووعرها وبرها وبحرها ، وقال الإمام أحمد حدثنا حجاج ، حدثني شعبة عن أبي عمران الجوني ، عن أنس بن مالك ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال " يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء ، أكنت مفتدياً به ؟ قال فيقول نعم ، فيقول الله قد أردت منك أهون من ذلك ، قد أخذت عليك في ظهر أبيك آدم أن لا تشرك بي شيئاً ، فأبيت إلا أن تشرك " وهكذا أخرجاه البخاري ومسلم . طريق أخرى وقال الإمام أحمد حدثنا روح ، حدثنا حماد عن ثابت ، عن أنس ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يؤتى بالرجل من أهل الجنة ، فيقول له يا ابن آدم ، كيف وجدت منزلك ؟ فيقول أي رب خير منزل ، فيقول سل وتمن ، فيقول ما أسأل ولا أتمنى إلا أن تردني إلى الدنيا ، فأقتل في سبيلك عشر مرار لما يرى من فضل الشهادة ، ويؤتى بالرجل من أهل النار ، فيقول له يا ابن آدم ، كيف وجدت منزلك ؟ فيقول يا رب شر منزل ، فيقول له أتفتدي مني بطلاع الأرض ذهباً ؟ فيقول أي رب نعم ، فيقول كذبت ، قد سألتك أقل من ذلك وأيسر ، فلم تفعل ، فيرد إلى النار " ولهذا قال { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّـٰصِرِينَ } أي وما لهم من أحد ينقذهم من عذاب الله ، ولا يجيرهم من أليم عقابه .