Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 52-53)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى كما أنك ليس في قدرتك أن تسمع الأموات في أجداثها ، ولا تبلغ كلامك الصم الذين لا يسمعون ، وهم مع ذلك مدبرون عنك ، كذلك لا تقدر على هداية العميان عن الحق ، وردهم عن ضلالتهم ، بل ذلك إلى الله ، فإنه تعالى بقدرته يسمع الأموات أصوات الأحياء إذا شاء ، ويهدي من يشاء ، ويضل من يشاء ، وليس ذلك لأحد سواه ، ولهذا قال تعالى { إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِـأَيَـٰتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ } أي خاضعون مستجيبون مطيعون ، فأولئك هم الذين يسمعون الحق ويتبعونه ، وهذا حال المؤمنين ، والأول مثل الكافرين ، كما قال تعالى { إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } الأنعام 36 وقد استدلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بهذه الآية { فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ } على توهيم عبد الله بن عمر في روايته مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم القتلى الذين ألقوا في قليب بدر بعد ثلاثة أيام ، ومعاتبته إياهم ، وتقريعه لهم ، حتى قال عمر يا رسول الله ما تخاطب من قوم قد جيّفوا ؟ فقال " والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكن لا يجيبون " وتأولته عائشة على أنه قال " إنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق " وقال قتادة أحياهم الله له حتى سمعوا مقالته تقريعاً وتوبيخاً ونقمة . والصحيح عند العلماء رواية عبد الله بن عمر لما لها من الشواهد على صحتها من وجوه كثيرة ، من أشهر ذلك ما رواه ابن عبد البر مصححاً له عن ابن عباس مرفوعاً " ما من أحد يمر بقبر أخيه المسلم كان يعرفه في الدنيا ، فيسلم عليه ، إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام " . وثبت عنه صلى الله عليه وسلم لأمته إذا سلموا على أهل القبور أن يسلموا عليهم سلام من يخاطبونه ، فيقول المسلم السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل ، ولولا هذا الخطاب ، لكانوا بمنزلة خطاب المعدوم والجماد ، والسلف مجمعون على هذا ، وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف بزيارة الحي له ، ويستبشر ، فروى ابن أبي الدنيا في كتاب القبور عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده ، إلا استأنس به ، وردّ عليه حتى يقوم " وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال إذا مر الرجل بقبر يعرفه ، فسلم عليه ، رد عليه السلام ، وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن رجل من آل عاصم الجحدري قال رأيت عاصم الجحدري في منامي بعد موته بسنتين ، فقلت أليس قد مِتَّ ؟ قال بلى ، قلت فأين أنت ؟ قال أنا والله في روضة من رياض الجنة ، أنا ونفر من أصحابي ، نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبد الله المزني ، فنتلقى أخباركم قال قلت أجسامكم أم أرواحكم ؟ قال هيهات ، قد بليت الأجسام ، وإنما تتلاقى الأرواح ، قال قلت فهل تعلمون بزيارتنا إياكم ؟ قال نعلم بها عشية الجمعة ، ويوم الجمعة كله ، ويوم السبت إلى طلوع الشمس قال قلت فكيف ذلك دون الأيام كلها ؟ قال لفضل يوم الجمعة وعظمته . قال وحدثنا محمد بن الحسين ، حدثنا بكر بن محمد ، حدثنا حسن القصاب ، قال كنت أغدو مع محمد بن واسع في كل غداة سبت حتى نأتي أهل الجبان ، فنقف على القبور ، فنسلم عليهم ، وندعو لهم ، ثم ننصرف ، فقلت ذات يوم لو صيرت هذا اليوم يوم الاثنين ؟ قال بلغني أن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ، ويوماً قبلها ، ويوماً بعدهاـ قال ثنا محمد ، ثنا عبد العزيز بن أبان قال ثنا سفيان الثوري قال بلغني عن الضحاك أنه قال من زار قبراً يوم السبت قبل طلوع الشمس ، علم الميت بزيارته ، فقيل له وكيف ذلك ؟ قال لمكان يوم الجمعة . ثنا خالد بن خداش ، ثنا جعفر بن سليمان عن أبي التياح يقول كان مطرف يغدو ، فإذا كان يوم الجمعة أدلج قال وسمعت أبا النياح يقول بلغنا أنه كان ينزل بغوطة ، فأقبل ليلة حتى إذا كان عند المقابر يقوم ، وهو على فرسه ، فرأى أهل القبور ، كل صاحب قبر جالساً على قبره ، فقالوا هذا مطرف يأتي يوم الجمعة ، ويصلون عندكم يوم الجمعة ؟ قالوا نعم ، ونعلم ما يقول فيه الطير . قلت وما يقولون ؟ قال يقولون سلام عليكم حدثني محمد بن الحسن ثنا يحيى بن أبي بكر ، ثنا الفضل بن الموفق ابن خال سفيان بن عيينة قال لما مات أبي ، جزعت عليه جزعاً شديداً ، فكنت آتي قبره في كل يوم ، ثم قصرت عن ذلك ما شاء الله ، ثم إني أتيته يوماً ، فبينا أنا جالس عند القبر ، غلبتني عيناي ، فنمت ، فرأيت كأن قبر أبي قد انفرج ، وكأنه قاعد في قبره ، متوشح أكفانه ، عليه سحنة الموتى ، قال فكأني بكيت لما رأيته ، قال يا بني ما أبطأ بك عني ؟ قلت وإنك لتعلم بمجيئي ؟ قال ما جئت مرة إلا علمتها ، وقد كنت تأتيني فأسرّ بك ، ويسرّ من حولي بدعائك قال فكنت آتيه بعد ذلك كثيراً . وحدثني محمد ، حدثنا يحيى بن بسطام ، ثنا عثمان بن سويد الطفاوي ، قال وكانت أمه من العابدات ، وكان يقال لها راهبة ، قال لما احتضرت ، رفعت رأسها إلى السماء فقالت يا ذخري ، وذخيرتي من عليه اعتمادي في حياتي وبعد موتي ، لا تخذلني عند الموت ، ولا توحشني ، قال فماتت ، فكنت آتيها في كل جمعة ، فأدعو لها ، وأستغفر لها ، ولأهل القبور ، فرأيتها ذات يوم في منامي ، فقلت لها يا أمي كيف أنتِ ؟ قالت أي بني إن للموت لكربة شديدة ، وإني بحمد الله لفي برزخ محمود ، يفرش فيه الريحان ، ونتوسد السندس والإستبرق إلى يوم النشور ، فقلت لها ألك حاجة ؟ قالت نعم ، قلت وما هي ؟ قالت لا تدع ما كنت تصنع من زياراتنا والدعاء لنا فإني لأبشر بمجيئك يوم الجمعة إذا أقبلت من أهلك ، يقال لي يا راهبة هذا ابنك قد أقبل ، فأسرّ ، ويسرّ بذلك من حولي من الأموات . حدثني محمد ، حدثنا محمد بن عبد العزيز بن سليمان ، حدثنا بشر بن منصور قال لما كان زمن الطاعون ، كان رجل يختلف إلى الجبان ، فيشهد الصلاة على الجنائز ، فإذا أمسى ، وقف على المقابر فقال آنس الله وحشتكم ، ورحم غربتكم ، وتجاوز عن مسيئكم ، وقبل حسناتكم ، لا يزيد على هؤلاء الكلمات قال فأمسيت ذات ليلة ، وانصرفت إلى أهلي ، ولم آت المقابر فأدعو كما كنت أدعو ، قال فبينا أنا نائم ، إذا بخلق قد جاؤوني ، فقلت ما أنتم ؟ وما حاجتكم ؟ قالوا نحن أهل المقابر ، قلت وما حاجتكم ؟ قالوا إنك قد عودتنا منك هدية عند انصرافك إلى أهلك ، قلت وما هي ؟ قالوا الدعوات التي كنت تدعو بها ، قال قلت فإني أعود لذلك ، قال فما تركتها بعد ، وأبلغ من ذلك أن الميت يعلم بعمل الحي من أقاربه وإخوانه . قال عبد الله بن المبارك حدثني ثور بن يزيد عن إبراهيم عن أيوب قال تعرض أعمال الأحياء على الموتى ، فإذا رأوا حسناً ، فرحوا واستبشروا ، وإن رأوا سوءاً قالوا اللهم راجع به . وذكر ابن أبي الدنيا عن أحمد بن أبي الحواري قال ثنا محمد أخي قال دخل عباد بن عباد على إبراهيم بن صالح وهو على فلسطين ، فقال عظني ، قال بم أعظك ؟ أصلحك الله ، بلغني أن أعمال الأحياء تعرض على أقاربهم من الموتى ، فانظر ما يعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم من عملك ؟ فبكى إبراهيم حتى أخضل لحيته . قال ابن أبي الدنيا وحدثني محمد بن الحسين ، ثني خالد بن عمرو الأموي ، ثنا صدقة بن سليمان الجعفري ، قال كانت لي شرة سمجة ، فمات أبي فتبت وندمت على ما فرطت ، ثم زللت أيما زلة ، فرأيت أبي في المنام ، فقال أي بني ما كان أشد فرحي بك وأعمالك تعرض علينا ، فنشبهها بأعمال الصالحين ، فلما كانت هذه المرة ، استحييت لذلك حياء شديداً ، فلا تخزني فيمن حولي من الأموات قال فكنت أسمعه بعد ذلك يقول في دعائه في السحر ــــ وكان جاراً لي بالكوفة ــــ أسألك إيابة لا رجعة فيها ولا حور ، يا مصلح الصالحين ويا هادي المضلين ويا أرحم الراحمين . وهذا باب فيه آثار كثيرة عن الصحابة . وكان بعض الأنصار من أقارب عبد الله بن رواحة يقول اللهم إني أعوذ بك من عمل أخزى به عند عبد الله بن رواحة ، كان يقول ذلك بعد أن استشهد عبد الله . وقد شرع السلام على الموتى ، والسلام على من لم يشعر ولا يعلم بالمسلِّم محال ، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أمته إذا رأوا القبور أن يقولوا سلام عليكم أهل الديار من المؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين ، نسأل اللهاَ لنا ولكم العافية ، فهذا السلام والخطاب والنداء لموجود يسمع ويُخاطب ويعقل ويردّ ، وإن لم يسمع المسلِّم الردَّ ، واللهُ أعلم