Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 34-39)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى مسلياً لنبيه صلى الله عليه وسلم وآمراً بالتأسي بمن قبله من الرسل ، ومخبره بأنه ما بعث نبياً في قرية إِلا كذبه مترفوها ، واتبعه ضعفاؤهم كما قال قوم نوح عليه الصلاة والسلام { أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ } الشعراء 111 { وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ ٱلرَّأْى } هود 27 وقال الكبراء من قوم صالح { لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ ءَامَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَـٰلِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا بِٱلَّذِىۤ ءَامَنتُمْ بِهِ كَـٰفِرُونَ } الأعراف 75 ــــ 76 وقال عز وجل { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّـٰكِرِينَ } ؟ الأنعام 53 وقال تعالى { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَـٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا } الأنعام 123 وقال جل وعلا { وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا } الإسراء 16 وقال جل وعلا ههنا { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ } أي نبي أو رسول { إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ } وهم أولو النعمة والحشمة والثروة والرياسة ، قال قتادة هم جبابرتهم وقادتهم ورؤوسهم في الشر { إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَـٰفِرُونَ } أي لا نؤمن به ، ولا نتبعه . قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا هارون بن إِسحاق ، حدثنا محمد ابن عبد الوهاب عن سفيان بن عاصم عن أبي رزين قال كان رجلان شريكان ، خرج أحدهما إلى الساحل ، وبقي الآخر ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كتب إِلى صاحبه يسأله ما فعل ، فكتب إِليه أنه لم يتبعه أحد من قريش ، إِنما اتبعه أراذل الناس ومساكينهم ، قال فترك تجارته ، ثم أتى صاحبه فقال دلني عليه ، قال وكان يقرأ الكتب أو بعض الكتب ، قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إِلام تدعو ؟ قال " أدعو إلى كذا وكذا " قال أشهد أنك رسول الله . قال صلى الله عليه وسلم " وما علمك بذلك ؟ " قال إِنه لم يبعث نبي إِلا اتبعه أراذل الناس ومساكينهم ، قال فنزلت هذه الآية { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَـٰفِرُونَ } الآية ، قال فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم " إِن الله عز وجل قد أنزل تصديق ما قلت " وهكذا قال هرقل لأبي سفيان حين سأله عن تلك المسائل ، قال فيها وسألتك أضعفاء الناس اتبعه أم أشرافهم ؟ فزعمت بل ضعفاؤهم ، وهم أتباع الرسل . وقال تبارك وتعالى إِخباراً عن المترفين المكذبين { وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَٰلاً وَأَوْلَـٰداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } أي افتخروا بكثرة الأموال والأولاد ، واعتقدوا أن ذلك دليل على محبة الله تعالى لهم ، واعتنائه بهم ، وأنه ما كان ليعطيهم هذا في الدنيا ، ثم يعذبهم في الآخرة ، وهيهات لهم ذلك ، قال الله تعالى { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } المؤمنون 55 ــــ 56 وقال تبارك وتعالى { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَـٰفِرُونَ } التوبة 55 وقال عز وجل { ذَرْنِى وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً وَبَنِينَ شُهُوداً وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلاَّ إِنَّهُ كان لأَِيَـٰتِنَا عَنِيداً سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } المدثر 11 ــــ 17 وقد أخبر الله عز وجل عن صاحب تينك الجنتين أنه كان ذا مال وثمر وولد ، ثم لم يغن عنه شيئاً ، بل سلب ذلك كله في الدنيا قبل الآخرة ، ولهذا قال عز وجل ها هنا { قُلْ إِنَّ رَبِّى يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ } أي يعطي المال لمن يحب ومن لا يحب ، فيفقر من يشاء ، ويغني من يشاء ، وله الحكمة التامة البالغة ، والحجة القاطعة الدامغة ، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } . ثم قال تعالى { وَمَآ أَمْوَٰلُكُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُكُمْ بِٱلَّتِى تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ } أي ليست هذه دليلاً على محبتنا لكم ، ولا اعتنائنا بكم . قال الإمام أحمد رحمه الله حدثنا كثير ، حدثنا جعفر ، حدثنا يزيد بن الأصم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إِن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن إِنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " ورواه مسلم وابن ماجه من حديث كثير بن هشام عن جعفر بن برقان به ، ولهذا قال الله تعالى { إِلاَّ مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً } أي إِنما يقربكم عندنا زلفى الإيمان والعمل الصالح ، { فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ ٱلضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ } أي تضاعف لهم الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، { وَهُمْ فِى ٱلْغُرُفَـٰتِ ءَامِنُونَ } أي في منازل الجنة العالية آمنون من كل بأس وخوف وأذى ، ومن كل شر يحذر منه . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا فروة بن أبي المغراء الكندي ، حدثنا القاسم وعلي بن مسهر عن عبد الرحمن بن إِسحاق عن النعمان بن سعد عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إِن في الجنة لغرفاً ترى ظهورها من بطونها ، وبطونها من ظهورها " فقال أعرابي لمن هي ؟ قال صلى الله عليه وسلم " لمن طيب الكلام ، وأطعم الطعام ، وأدام الصيام ، وصلى بالليل والناس نيام " { وَٱلَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِىۤ ءَايَـٰتِنَا مُعَـٰجِزِينَ } أي يسعون في الصد عن سبيل الله واتباع رسله والتصديق بآياته { أُوْلَـٰئِكَ فِى ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ } أي جميعهم مجزيون بأعمالهم فيها بحسبهم . وقوله تعالى { قُلْ إِنَّ رَبِّى يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ } أي بحسب ماله في ذلك من الحكمة ، يبسط على هذا من المال كثيراً ، ويضيق على هذا ويقتر على رزقه جداً ، وله في ذلك من الحكمة مالا يدركها غيره كما قال تعالى { ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلأَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَـٰتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } الإسراء 21 أي كما هم متفاوتون في الدنيا هذا فقير مدقع ، وهذا غني موسع عليه ، فكذلك هم في الآخرة ، هذا في الغرفات في أعلى الدرجات ، وهذا في الغمرات في أسفل الدركات ، وأطيب الناس في الدنيا كما قال صلى الله عليه وسلم " قد أفلح من أسلم ، ورزق كفافاً ، وقنعه الله بما آتاه " رواه مسلم من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما . وقوله تعالى { وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَىْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } أي مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به ، وأباحه لكم ، فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل ، وفي الآخرة بالجزاء والثواب ، كما ثبت في الحديث " يقول الله تعالى أنفق ، أنفق عليك " وفي الحديث أن ملكين يصبحان كل يوم يقول أحدهما اللهم أعط ممسكاً تلفاً ، ويقول الآخر اللهم أعط منفقاً خلفاً ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنفق بلالاً ، ولا تخش من ذي العرش إِقلالاً " وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي عن يزيد بن عبد العزيز الطلاس ، حدثنا هشيم عن الكوثر بن حكيم عن مكحول قال بلغني عن حذيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا إن بعد زمانكم هذا زمان عضوض ، يعض الموسر على ما في يده حذار الإنفاق " ثم تلا هذه الآية { وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَىْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } . وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي حدثنا روح بن حاتم ، حدثنا هشيم عن الكوثر بن حكيم عن مكحول قال بلغني عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا إن بعد زمانكم هذا زمان عضوض ، يعض الموسر على ما في يده حذار الإنفاق " قال الله تعالى { وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَىْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } وفي الحديث " شرار الناس يبايعون كل مضطر ، ألا إن بيع المضطرين حرام ، ألا إن بيع المضطرين حرام ، المسلم ، أخو المسلم لايظلمه ولايخذله ، إن كان عندك معروف ، فعد به على أخيك ، وإلا فلا تزده هلاكاً إلى هلاكه " هذا حديث غريب من هذا الوجه ، وفي إسناده ضعف . وقال سفيان الثوري عن أبي يونس الحسن بن يزيد قال قال مجاهد لا يتأولن أحدكم هذه الآية { وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَىْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } إذا كان عند أحدكم ما يقيمه ، فليقصد فيه ، فإن الرزق مقسوم .