Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 11-11)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه الآية الكريمة ، والتي بعدها ، والآية التي هي خاتمة هذه السورة ، هن آيات علم الفرائض ، وهو مستنبط من هذه الآيات الثلاث ، ومن الأحاديث الواردة في ذلك مما هو كالتفسير لذلك . ولنذكر منها ما هو متعلق بتفسير ذلك . وأما تقرير المسائل ونصب الخلاف والأدلة ، والحجاج بين الأئمة ، فموضعه كتب الأحكام ، والله المستعان . وقد ورد الترغيب في تعلم الفرائض ، وهذه الفرائض الخاصة من أهم ذلك ، وقد روى أبو داود وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي ، عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " العلم ثلاثة ، وما سوى ذلك فهو فضل آية محكمة ، أو سنة قائمة ، أو فريضة عادلة " وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أبا هريرة تعلموا الفرائض ، وعلموه فإنه نصف العلم ، وهو ينسى ، وهو أول شيء ينزع من أمتي " رواه ابن ماجه ، وفي إسناده ضعف . وقد روي من حديث ابن مسعود وأبي سعيد ، وفي كل منهما نظر . قال ابن عيينة إنما سمي الفرائض نصف العلم لأنه يبتلى به الناس كلهم . وقال البخاري عند تفسير هذه الآية حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا هشام أن ابن جريج أخبرهم قال أخبرني ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة ماشيين ، فوجدني النبي صلى الله عليه وسلم لا أعقل شيئاً ، فدعا بماء فتوضأ منه ، ثم رش علي ، فأفقت فقلت ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول الله ؟ فنزلت { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِىۤ أَوْلَـٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ } وكذا رواه مسلم والنسائي من حديث حجاج بن محمد الأعور ، عن ابن جريج ، به ، ورواه الجماعة كلهم من حديث سفيان بن عيينة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر . حديث آخر عن جابر في سبب نزول الآية قال أحمد حدثنا زكريا بن عدي ، حدثنا عبيد الله ، هو ابن عمرو الرقي ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر ، قال جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع ، قتل أبوهما معك في يوم أحد شهيداً ، وإن عمهما أخذ مالهما ، فلم يدع لهما مالاً ، ولا ينكحان إلا ولهما مال ، قال فقال " يقضي الله في ذلك " فنزلت آية الميراث ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال " أعط ابنتي سعد الثلثين ، وأمهما الثمن ، وما بقي فهو لك " وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من طرق ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، به ، قال الترمذي ولا يعرف إلا من حديثه . والظاهر أن حديث جابر الأول إنما نزل بسبب الآية الأخيرة من هذه السورة كما سيأتي ، فإنه إنما كان له إذ ذاك أخوات ، ولم يكن له بنات ، وإنما كان يورث كلالة ، ولكن ذكرنا الحديث ههنا تبعاً للبخاري رحمه الله ، فإنه ذكره ههنا ، والحديث الثاني عن جابر أشبه بنزول هذه الآية ، والله أعلم . فقوله تعالى { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِىۤ أَوْلَـٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ } أي يأمركم بالعدل فيهم ، فإن أهل الجاهلية كانوا يجعلون جميع الميراث للذكور دون الإناث ، فأمر الله تعالى بالتسوية بينهم في أصل الميراث ، وفاوت بين الصنفين ، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين ، وذلك لاحتياج الرجل إلى مؤنة النفقة والكلفة ومعاناة التجارة والتكسب وتحمل المشاق ، فناسب أن يعطى ضعفي ما تأخذه الأنثى ، وقد استنبط بعض الأذكياء من قوله تعالى { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِىۤ أَوْلَـٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ } أنه تعالى أرحم بخلقه من الوالدة بولدها ، حيث أوصى الوالدين بأولادهم ، فعلم أنه أرحم بهم منهم ، كما جاء في الحديث الصحيح ، وقد رأى امرأة من السبي فرق بينها وبين ولدها ، فجعلت تدور على ولدها ، فلما وجدته من السبي ، أخذته فألصقته بصدرها ، وأرضعته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه " أترون هذه طارحة ولدها في النار ، وهي تقدر على ذلك " ؟ قالوا لا يارسول الله ، قال " فوالله لله أرحم بعباده من هذه بولدها " وقال البخاري ههنا حدثنا محمد بن يوسف عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال كان المال للولد ، وكانت الوصية للوالدين ، فنسخ الله من ذلك ما أحب ، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين ، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس والثلث ، وجعل للزوجة الثمن والربع ، وللزوج الشطر والربع . وقال العوفي عن ابن عباس قوله { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِىۤ أَوْلَـٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ } وذلك لما أنزلت الفرائض التي فرض الله فيها ما فرض للولد الذكر والأنثى والأبوين ، كرهها الناس ، أو بعضهم ، وقالوا تعطى المرأة الربع أو الثمن ، وتعطى البنت النصف ، ويعطى الغلام الصغير ، وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم ، ولا يحوز الغنيمة ، اسكتوا عن هذا الحديث لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينساه ، أو نقول له فيغير ، فقال بعضهم يا رسول الله تعطى الجارية نصف ما ترك أبوها ، وليست تركب الفرس ، ولا تقاتل القوم ، ويعطى الصبي الميراث ، وليس يغني شيئاً ؟ وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية لا يعطون الميراث إلا لمن قاتل القوم ، ويعطونه الأكبر فالأكبر . رواه ابن أبي حاتم وابن جرير أيضاً . وقوله { فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } قال بعض الناس قوله { فَوْقَ } زائدة ، وتقديره فإن كن نساء اثنتين ، كما في قوله { فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَـٰقِ } الأنفال 12 وهذا غير مسلم ، لا هنا ولا هناك فإنه ليس في القرآن شيء زائد لا فائدة فيه ، وهذا ممتنع ، ثم قوله { فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } لو كان المراد ما قالوه لقال فلهما ثلثا ما ترك ، وإنما استفيد كون الثلثين للبنتين من حكم الأختين في الآية الأخيرة ، فإنه تعالى حكم فيها للأختين بالثلثين . وإذا ورث الأختان الثلثين ، فلأن يرث البنتان الثلثين بالطريق الأولى . وقد تقدم في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم لابنتي سعد بن الربيع بالثلثين ، فدل الكتاب والسنة على ذلك ، وأيضاً فإنه قال { وَإِن كَانَتْ وَٰحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ } فلو كان للبنتين النصف ، لنص عليه أيضاً ، فلما حكم به للواحدة على انفرادها ، دل على أن البنتين في حكم الثلاث ، والله أعلم . وقوله تعالى { وَلأَِبَوَيْهِ لِكُلِّ وَٰحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ } إلى آخره ، الأبوان لهما في الإرث أحوال أحدها أن يجتمعا مع الأولاد ، فيفرض لكل واحد منهما السدس ، فإن لم يكن للميت إلا بنت واحدة ، فرض لها النصف ، وللأبوين لكل واحد منهما السدس وأخذ الأب السدس الآخر بالتعصيب ، فيجمع له والحالة هذه بين الفرض والتعصيب . الحال الثاني أن ينفرد الأبوان بالميراث ، فيفرض للأم والحالة هذه الثلث ، ويأخذ الأب الباقي بالتعصيب المحض ، ويكون قد أخذ ضعفي ما فرض للأم ، وهو الثلثان ، فلو كان معهما والحالة هذه زوج أو زوجة ، أخذ الزوج النصف ، والزوجة الربع . ثم اختلف العلماء ماذا تأخذ الأم بعد فرض الزوج والزوجة ، على ثلاثة أقوال أحدها أنها تأخذ ثلث الباقي في المسألتين لأن الباقي كأنه جميع الميراث بالنسبة إليهما ، وقد جعل الله لها نصف ما جعل للأب ، فتأخذ ثلث الباقي ، ويأخذ الأب ثلثيه ، هذا قول عمر وعثمان ، وأصح الروايتين عن علي ، وبه يقول ابن مسعود وزيد بن ثابت ، وهو قول الفقهاء السبعة ، والأئمة الأربعة ، وجمهور العلماء . والثاني أنها تأخذ ثلث جميع المال لعموم قوله { فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلاُِمِّهِ ٱلثُّلُثُ } فإن الآية أعم من أن يكون معها زوج أو زوجة أو لا ، وهو قول ابن عباس ، وروي عن علي ومعاذ بن جبل نحوه ، وبه يقول شريح وداود الظاهري ، واختاره أبو الحسين محمد بن عبد الله بن اللبان البصري في كتابه الإيجاز في علم الفرائض ، وهذا فيه نظر ، بل هو ضعيف لأن ظاهر الآية إنما هو إذا استبد بجميع التركة ، وأما هنا ، فيأخذ الزوج أو الزوجة الفرض ، ويبقى الباقي كأنه جميع التركة ، فتأخذ ثلثه كما تقدم والقول الثالث أنها تأخذ ثلث جميع المال في مسألة الزوجة خاصة ، فإنها تأخذ الربع وهو ثلاثة من اثني عشر ، وتأخذ الأم الثلث ، وهو أربعة ، فيبقى خمسة للأب ، وأما في مسألة الزوج ، فتأخذ ثلث الباقي لئلا تأخذ أكثر من الأب لو أخذت ثلث المال ، فتكون المسألة من ستة للزوج النصف ثلاثة ، وللأم ثلث الباقي بعد ذلك ، وهو سهم ، وللأب الباقي بعد ذلك ، وهو سهمان . ويحكى هذا عن ابن سيرين ، وهو قول مركب من القولين الأولين ، موافق كلاً منهما في صورة ، وهو ضعيف أيضاً ، والصحيح الأول ، والله أعلم . والحال الثالث من أحوال الأبوين وهو اجتماعهما مع الإخوة ، سواء كانوا من الأبوين ، أو من الأب أو من الأم ، فإنهم لا يرثون مع الأب شيئاً ، ولكنهم مع ذلك يحجبون الأم عن الثلث إلى السدس ، فيفرض لها مع وجودهم السدس ، فإن لم يكن وارث سواها وسوى الأب ، أخذ الأب الباقي . وحكم الأخوين فيما ذكرناه كحكم الإخوة عند الجمهور . وقد روى البيهقي من طريق شعبة مولى ابن عباس عن ابن عباس أنه دخل على عثمان ، فقال إن الأخوين لا يردان الأم عن الثلث ، قال الله تعالى { فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ } فالأخوان ليسا بلسان قومك إخوة ، فقال عثمان لا أستطيع تغيير ما كان قبلي ، ومضى في الأمصار ، وتوارث به الناس . وفي صحة هذا الأثر نظر ، فإن شعبة هذا تكلم فيه مالك بن أنس ، ولو كان هذا صحيحاً عن ابن عباس ، لذهب إليه أصحابه الأخصاء به ، والمنقول عنهم خلافه ، وقد روى عبد الرحمن بن أبي الزناد عن خارجة بن زيد عن أبيه أنه قال الأخوان تسمى إخوة ، وقد أفردت لهذه المسألة جزءاً على حدة . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا عبد العزيز بن المغيرة ، حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد ، عن قتادة قوله { فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُِمِّهِ ٱلسُّدُسُ } أضروا بالأم ، ولا يرثون ، ولا يحجبها الأخ الواحد من الثلث ، ويحجبها ما فوق ذلك ، وكان أهل العلم يرون أنهم إنما حجبوا أمهم عن الثلث أن أباهم يلي إنكاحهم ، ونفقته عليهم دون أمهم ، وهذا كلام حسن . لكن روي عن ابن عباس بإسناد صحيح أنه كان يرى أن السدس الذي حجبوه عن أمهم يكون لهم وهذا قول شاذ رواه ابن جرير في تفسيره ، فقال حدثنا الحسن بن يحيى ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال السدس الذي حجبته الإخوة لأم لهم ، إنما حجبوا أمهم عنه ليكون لهم دون أبيهم ، ثم قال ابن جرير وهذا قول مخالف لجميع الأمة . وقد حدثني يونس ، أخبرنا سفيان ، أخبرنا عمرو عن الحسن بن محمد ، عن ابن عباس أنه قال الكلالة من لا ولد له ولا والد . وقوله { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ } أجمع العلماء من السلف والخلف على أن الدين مقدم على الوصية ، وذلك عند إمعان النظر يفهم من فحوى الآية الكريمة . وقد روى أحمد والترمذي وابن ماجه وأصحاب التفاسير من حديث أبي إسحاق عن الحارث ابن عبد الله الأعور ، عن علي بن أبي طالب ، قال إنكم تقرؤون { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ } وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية ، وإن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات ، يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه ، دون أخيه لأبيه . ثم قال الترمذي لا نعرفه إلا من حديث الحارث ، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم . قلت لكن كان حافظاً للفرائض ، معتنياً بها وبالحساب ، فالله أعلم . وقوله { ءَابَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً } أي إنما فرضنا للآباء والأبناء ، وساوينا بين الكل في أصل الميراث ، على خلاف ما كان عليه الأمر في الجاهلية ، وعلى خلاف ما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام من كون المال للولد ، وللأبوين الوصية كما تقدم عن ابن عباس ، إنما نسخ الله ذلك إلى هذا ، ففرض لهؤلاء ولهؤلاء بحسبهم لأن الإنسان قد يأتيه النفع الدنيوي أو الأخروي ، أو هما ، من أبيه ، ما لا يأتيه من ابنه ، وقد يكون بالعكس ، ولذا قال { ءَابَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً } أي كأن النفع متوقع ومرجو من هذا كما هو متوقع ومرجو من الآخر ، فلهذا فرضنا لهذا وهذا ، وساوينا بين القسمين في أصل الميراث ، والله أعلم . وقوله { فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ } أي هذا الذي ذكرناه من تفصيل الميراث ، وإعطاء بعض الورثة أكثر من بعض ، هو فرض من الله حكم به وقضاه ، والله عليم حكيم ، الذي يضع الأشياء في محالها ، ويعطي كلاًّ ما يستحقه بحسبه ، ولهذا قال { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } .