Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 37-39)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذاماً الذين يبخلون بأموالهم أن ينفقوها فيما أمرهم الله به من بر الوالدين ، والإحسان إلى الأقارب ، واليتامى ، والمساكين ، والجار ذي القربى ، والجار الجنب ، والصاحب بالجنب ، وابن السبيل ، وما ملكت أيمانهم من الأرقاء ، ولا يدفعون حق الله فيها ، ويأمرون الناس بالبخل أيضاً ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وأي داء أدوأ من البخل " ؟ وقال " إياكم والشح ، فإنه أهلك من كان قبلكم أمرهم بالقطيعة فقطعوا ، وأمرهم بالفجور ففجروا " وقوله تعالى { وَيَكْتُمُونَ مَآ ءَاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } فالبخيل جحود لنعمة الله ، لا تظهر عليه ، ولا تبين ، لا في مأكله ، ولا في ملبسه ، ولا في إعطائه وبذله ، كما قال تعالى { إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ } العاديات 6 7 أي بحاله وشمائله { وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } العاديات 8 وقال ههنا { وَيَكْتُمُونَ مَآ ءَاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } ولهذا توعدهم بقوله { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } والكفر هو الستر والتغطية ، فالبخيل يستر نعمة الله عليه ، ويكتمها ويجحدها ، فهو كافر لنعم الله عليه ، وفي الحديث " إن الله إذا أنعم نعمة على عبد ، أحب أن يظهر أثرها عليه " ، وفي الدعاء النبوي " واجعلنا شاكرين لنعمتك ، مثنين بها عليك قابليها ، وأتممها علينا " وقد حمل بعض السلف هذه الآية على بخل اليهود بإظهار العلم الذي عندهم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم وكتمانهم ذلك ، ولهذا قال تعالى { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } ، رواه ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، وقاله مجاهد و غير واحد ، ولا شك أن الآية محتملة لذلك ، والظاهر أن السياق في البخل بالمال ، وإن كان البخل بالعلم داخلاً في ذلك بطريق الأولى ، فإن السياق في الإنفاق على الأقارب والضعفاء ، وكذلك الآية التي بعدها وهي قوله { وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ رِئَـآءَ ٱلنَّاسِ } فإنه ذكر الممسكين المذمومين ، وهم البخلاء ، ثم ذكر الباذلين المرائين الذين يقصدون بإعطائهم السمعة وأن يمدحوا بالكرم ، ولا يريدون بذلك وجه الله ، وفي حديث الثلاثة الذين هم أول من تسجر بهم النار وهم العالم ، والغازي ، والمنفق ، والمراؤون بأعمالهم ، " يقول صاحب المال ما تركت من شيء تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت في سبيلك ، فيقول الله كذبت إنما أردت أن يقال جواد فقد قيل " أي فقد أخذت جزاءك في الدنيا ، وهو الذي أردت بفعلك ، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال لعدي بن حاتم " إن أباك رام أمراً فبلغه " وفي حديث آخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن عبد الله بن جدعان هل ينفعه إنفاقه وإعتاقه ؟ فقال " لا ، إنه لم يقل يوماً من الدهر رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين " ، ولهذا قال تعالى { وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } الآية ، أي إنما حملهم على صنيعهم هذا القبيح ، وعدولهم عن فعل الطاعة على وجهها ، الشيطان ، فإنه سول لهم وأملى لهم ، وقارنهم ، فحسن لهم القبائح ، ولهذا قال تعالى { وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَـٰنُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً } ، ولهذا قال الشاعر @ عَنِ المَرْءِ لا تَسْأَلْ وَسَلْ عن قَرينِهِ فَكُلُّ قَرينٍ بالمقارَنِ يَقْتَدي @@ ثم قال تعالى { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ } الآية ، أي وأي شيء يضرهم لو آمنوا بالله وسلكوا الطريق الحميدة ، وعدلوا عن الرياء إلى الإخلاص والإيمان بالله ورجاء موعوده في الدار الآخرة لمن أحسن عملاً ، وأنفقوا مما رزقهم الله في الوجوه التي يحبها الله ويرضاها ؟ وقوله { وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِم عَلِيماً } أي وهو عليم بنياتهم الصالحة والفاسدة ، وعليم بمن يستحق التوفيق منهم فيوفقه ، ويلهمه رشده ، ويقيضه لعمل صالح يرضى به عنه ، وبمن يستحق الخذلان والطرد عن الجناب الأعظم الإلهي الذي من طرد عن بابه ، فقد خاب وخسر في الدنيا والآخرة ، عياذاً بالله من ذلك .