Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 43-43)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ينهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن فعل الصلاة في حال السكر الذي لا يدري معه المصلي ما يقول ، وعن قربان محالها التي هي المساجد للجنب ، إلا أن يكون مجتازاً من باب إلى باب من غير مكث ، وقد كان هذا قبل تحريم الخمر كما دل عليه الحديث الذي ذكرناه في سورة البقرة عند قوله تعالى { يَسْـأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } البقرة 219 الآية فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلاها على عمر ، فقال " اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً " ، فلما نزلت هذه الآية ، تلاها عليه ، فقال " اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً " ، فكانوا لا يشربون الخمر في أوقات الصلوات ، فلما نزل قوله { يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَـٰنِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } المائدة 90 إلى قوله تعالى { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } المائدة 91 فقال عمر انتهينا انتهينا . وفي رواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن شرحبيل عن عمر بن الخطاب في قصة تحريم الخمر ، فذكر الحديث ، وفيه فنزلت الآية التي في النساء { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قامت الصلاة ينادي أن لا يقربن الصلاة سكران ، لفظ أبي داود . ذكروافي سبب نزول هذه الآية ما رواه ابن أبي حاتم حدثنا يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود ، حدثا شعبة ، أخبرني سماك بن حرب قال سمعت مصعب بن سعد يحدث عن سعد قال نزلت فيَّ أربع آيات ، صنع رجل من الأنصار طعاماً ، فدعا أناساً من المهاجرين وأناساً من الأنصار ، فأكلنا وشربنا حتى سكرنا ، ثم افتخرنا ، فرفع رجل لَحْىَ بعير ففزر به أنف سعد ، فكان سعد مفزور الأنف ، وذلك قبل تحريم الخمر ، فنزلت { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ } الآية ، والحديث بطوله عند مسلم من رواية شعبة ، ورواه أهل السنن إلا ابن ماجه من طرق عن سماك به . سبب آخر قال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عمار ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الدشتكي ، حدثنا أبو جعفر عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي بن أبي طالب ، قال صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاماً فدعانا وسقانا من الخمر ، فأخذت الخمر منا ، وحضرت الصلاة فقدموا فلاناً ، قال فقرأ قل يا أيها الكافرون ما أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون ، فأنزل الله { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } هكذا رواه ابن أبي حاتم ، وكذا رواه الترمذي عن عبد ابن حميد ، عن عبد الرحمن الدشتكي به ، وقال حسن صحيح . وقد رواه ابن جرير عن محمد بن بشار ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان الثوري ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي أنه كان هو وعبد الرحمن ورجل آخر ، شربوا الخمر فصلى بهم عبد الرحمن فقرأ { قل يا أيها الكافرون } فخلط فيها ، فنزلت { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ } وهكذا رواه أبو داود والنسائي من حديث الثوري به ، ورواه ابن جرير أيضاً عن ابن حميد ، عن جرير ، عن عطاء ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، قال كان علي في نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عبد الرحمن بن عوف ، فطعموا فأتاهم بخمر فشربوا منها ، وذلك قبل أن يحرم الخمر ، فحضرت الصلاة فقدموا علياً فقرأ بهم { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } الكافرون1 فلم يقرأها كما ينبغي ، فأنزل الله عز وجل { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ } ثم قال حدثني المثنى ، حدثنا الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد عن عطاء بن السائب ، عن عبد الرحمن بن حبيب وهو أبو عبد الرحمن السلمي أن عبد الرحمن بن عوف صنع طعاماً وشراباً ، فدعا نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم المغرب ، فقرأ قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ، وأنتم عابدون ما أعبد ، وأنا عابد ما عبدتم ، لكم دينكم ولي دين ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } وقال العوفي عن ابن عباس في الآية إن رجالاً كانوا يأتون الصلاة وهم سكارى قبل أن يحرم الخمر ، فقال الله { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ } الآية ، رواه ابن جرير ، وكذا قال أبو رزين ومجاهد . وقال عبد الرزاق عن معمر ، عن قتادة كانوا يجتنبون السكر عند حضور الصلوات ثم نسخ بتحريم الخمر . وقال الضحاك في الآية لم يعن بها سكر الخمر وإنما عنى بها سكر النوم ، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم ، ثم قال ابن جرير والصواب أن المراد سكر الشراب ، قال ولم يتوجه النهي إلى السكران الذي لا يفهم الخطاب ، لأن ذاك في حكم المجنون ، وإنما خوطب بالنهي الثمل الذي يفهم التكليف ، وهذا حاصل ما قاله ، وقد ذكره غير واحد من الأصوليين ، وهو أن الخطاب يتوجه إلى من يفهم الكلام دون السكران الذي لا يدري ما يقال له فإن الفهم شرط التكليف ، وقد يحتمل أن يكون المراد التعريض بالنهي عن السكر بالكلية لكونهم مأمورين بالصلاة في الخمسة الأوقات من الليل والنهار ، فلا يتمكن شارب الخمر من أداء الصلاة في أوقاتها دائماً ، والله أعلم ، وعلى هذا فيكون كقوله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } وهو الأمر لهم بالتأهب للموت على الإسلام والمداومة على الطاعة لأجل ذلك . وقوله { حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } هذا أحسن ما يقال في حد السكران أنه الذي لا يدري ما يقول ، فإن المخمور فيه تخليط في القراءة وعدم تدبره وخشوعه فيها . وقد قال الإمام أحمد حدثنا عبد الصمد ، حدثنا أبي ، حدثنا أيوب عن أبي قلابة ، عن أنس ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا نعس أحدكم وهو يصلي فلينصرف فلينم حتى يعلم ما يقول " انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم ، ورواه هو والنسائي من حديث أيوب به . وفي بعض ألفاظ الحديث " فلعله يذهب يستغفر فيسب نفسه " وقوله { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ } قال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عمار ، حدثنا عبد الرحمن الدشتكي ، أخبرنا أبو جعفر الرازي عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس في قوله { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ } قال لا تدخلوا المسجد وأنتم جنب ، إلا عابري سبيل ، قال تمر به مراً ، ولا تجلس ، ثم قال وروي عن عبد الله بن مسعود ، وأنس ، وأبي عبيدة ، وسعيد بن المسيب ، وأبي الضحى ، وعطاء ، ومجاهد ، ومسروق ، وإبراهيم النخعي ، وزيد بن أسلم ، وأبي مالك ، وعمرو بن دينار ، والحكم بن عتيبة ، وعكرمة ، والحسن البصري ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وابن شهاب ، وقتادة نحو ذلك ، وقال ابن جرير حدثنا المثنى ، حدثنا أبو صالح ، حدثني الليث ، حدثنا يزيد بن أبي حبيب ، عن قول الله عز وجل { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } أن رجالاً من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد ، فكانت تصيبهم الجنابة ولا ماء عندهم ، فيردون الماء ولا يجدون ممراً إلا في المسجد ، فأنزل الله { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } ويشهد لصحة ما قاله يزيد بن أبي حبيب رحمه الله ، ما ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " سدوا كل خوخة في المسجد إلا خوخة أبي بكر " وهذا قاله في آخر حياته صلى الله عليه وسلم علماً منه أن أبا بكر رضي الله عنه سيلي الأمر بعده ، ويحتاج إلى الدخول في المسجد كثيراً للأمور المهمة فيما يصلح للمسلمين ، فأمر بسد الأبواب الشارعة إلى المسجد ، إلا بابه رضي الله عنه ، ومن روى إلا باب علي ، كما وقع في بعض السنن فهو خطأ ، والصواب ما ثبت في الصحيح . ومن هذه الآية احتج كثير من الأئمة على أنه يحرم على الجنب المكث في المسجد ، ويجوز له المرور ، وكذا الحائض والنفساء أيضاً ، في معناه ، إلا أن بعضهم قال يمنع مرورهما لاحتمال التلويث ، ومنهم من قال إن أمنت كل واحدة منهما التلويث في حال المرور ، جاز لهما المرور ، وإلا فلا . وقد ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " ناوليني الخمرة من المسجد " فقلت إني حائض ، فقال " إن حيضتك ليست في يدك " وله عن أبي هريرة مثله ، ففيه دلالة على جواز مرور الحائض في المسجد ، والنفساء في معناها ، والله أعلم ، وروى أبو داود من حديث أفلت بن خليفة العامري ، عن جسرة بنت دجاجة ، عن عائشة ، قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب " ، قال أبو مسلم الخطابي ضعف هذا الحديث جماعة وقالوا أفلت مجهول ، لكن رواه ابن ماجه ، من حديث أبي الخطاب الهجري ، عن محدوج الذهلي ، عن جسرة ، عن أم سلمة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم به ، قال أبو زرعة الرازي يقولون جسرة ، عن أم سلمة ، والصحيح جسرة عن عائشة ، فأما ما رواه أبو عيسى الترمذي من حديث سالم بن أبي حفصة عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا علي لا يحل لأحد أن يجنب ، في هذا المسجد غيري وغيرك " فإنه حديث ضعيف لا يثبت ، فإن سالماً هذا متروك ، وشيخه عطية ضعيف ، والله أعلم . حديث آخر في معنى الآية . قال ابن أبي حاتم حدثنا المنذر بن شاذان ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، أخبرني ابن أبي ليلى عن المنهال ، عن زر بن حبيش ، عن علي { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } قال لا يقرب الصلاة ، إلا أن يكون مسافراً تصيبه الجنابة ، فلا يجد الماء فيصلي ، حتى يجد الماء ، ثم رواه من وجه آخر عن المنهال بن عمرو ، عن زر ، عن علي بن أبي طالب ، فذكره . قال وروي عن ابن عباس في إحدى الروايات ، وسعيد بن جبير والضحاك ، نحو ذلك . وقد روى ابن جرير ، من حديث وكيع ، عن ابن أبي ليلى عن المنهال ، عن عباد بن عبد الله ، أو عن زر بن حبيش عن علي ، فذكره . ورواه من طريق العوفي وأبي مجلز عن ابن عباس ، فذكره . ورواه عن سعيد بن جبير ، وعن مجاهد ، والحسن بن مسلم ، والحكم بن عتيبة ، وزيد بن أسلم ، وابنه عبد الرحمن مثل ذلك . وروى من طريق ابن جريج عن عبد الله بن كثير ، قال كنا نسمع أنه في السفر . ويستشهد لهذا القول بالحديث الذي رواه أحمد وأهل السنن من حديث أبي قلابة عن عمر بن بُجْدان ، عن أبي ذر ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الصعيد الطيب طهور المسلم ، وإن لم تجد الماء عشر حجج ، فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك ، فإن ذلك خير لك " ثم قال ابن جرير بعد حكايته القولين والأولى قول من قال { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } أي إلا مجتازي طريق فيه ، وذلك أنه قد بين حكم المسافر إذا عدم الماء وهو جنب ، في قوله { وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ } إلى آخره ، فكان معلوماً بذلك أن قوله { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ } لو كان معنياً به المسافر ، لم يكن لإعادة ذكره في قوله { وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ } معنى مفهوم ، وقد مضى حكم ذكره قبل ذلك ، فإذا كان ذلك كذلك فتأويل الآية يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا المساجد للصلاة مصلين فيها ، وأنتم سكارى ، حتى تعلموا ما تقولون ، ولا تقربوها أيضاً جنباً ، حتى تغتسلوا ، إلا عابري سبيل ، قال والعابر السبيل المجتاز مراً وقطعاً ، يقال منه عبرت هذا الطريق ، فأنا أعبره عبرا وعبوراً ، ومنه يقال عبر فلان النهر ، إذا قطعه وجاوزه ، ومنه قيل للناقة القوية على الأسفار ، هي عبر الأسفار لقوتها على قطع الأسفار ، وهذا الذي نصره ، هو قول الجمهور ، وهو الظاهر من الآية ، وكأنه تعالى نهى عن تعاطي الصلاة على هيئة ناقصة تناقض مقصودها ، وعن الدخول إلى محلها على هيئة ناقصة ، وهي الجنابة المباعدة للصلاة ، ولمحلها أيصاً ، والله أعلم . وقوله { حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ } دليل لما ذهب إليه الأئمة الثلاثة ، أبو حنيفة ومالك والشافعي ، أنه يحرم على الجنب المكث في المسجد حتى يغتسل أو يتيمم ، إن عدم الماء ، أو لم يقدر على استعماله بطريقه ، وذهب الإمام أحمد إلى أنه متى توضأ الجنب ، جاز له المكث في المسجد لما روى هو وسعيد بن منصور في سننه بسند صحيح أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك . قال سعيد بن منصور في سننه حدثنا عبد العزيز بن محمد ، هو الدراوردي ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، قال رأيت رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يجلسون في المسجد وهم مجنبون ، إذا توضأوا وضوء الصلاة . وهذا إسناد على شرط مسلم ، والله أعلم . وقوله { وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً } أما المرض المبيح للتيمم ، فهو الذي يخاف معه من استعمال الماء ، فوات عضو أو شينه أو تطويل البرء ، ومن العلماء من جوز التيمم بمجرد المرض ، لعموم الآية ، وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل ، حدثنا قيس ، عن خُصَيْف عن مجاهد في قوله { وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَىٰ } قال نزلت في رجل من الأنصار ، كان مريضاً فلم يستطع أن يقوم فيتوضأ ، ولم يكن له خادم فيناوله ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فأنزل الله هذه الآية ، هذا مرسل والسفر معروف ، ولا فرق فيه بين الطويل والقصير ، وقوله { أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ } الغائط هو المكان المطمئن من الأرض ، كنى بذلك عن التغوط ، وهو الحدث الأصغر ، وأما قوله { أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } فقرىء لمستم ولامستم ، واختلف المفسرون والأئمة في معنى ذلك على قولين أحدهما أن ذلك كناية عن الجماع لقوله تعالى { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } وقال تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله { أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } قال الجماع . وروي عن علي وأبي بن كعب ومجاهد وطاوس والحسن وعبيد بن عمير وسعيد ابن جبير والشعبي وقتادة ومقاتل بن حيان ، نحو ذلك ، وقال ابن جرير حدثني حميد بن مسعدة ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا شعبة عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، قال ذكروا اللمس ، فقال ناس من الموالي ليس بالجماع ، وقال ناس من العرب اللمس الجماع ، قال فأتيت ابن عباس فقلت له إن ناساً من الموالي والعرب اختلفوا في اللمس ، فقالت الموالي ليس بالجماع ، وقالت العرب الجماع ، قال فمن أي الفريقين كنت ؟ قلت كنت من الموالي ، قال غُلب فريق الموالي . إن اللمس والمس والمباشرة الجماع ، ولكن الله يكني ما شاء بما شاء ، ثم رواه عن ابن بشار ، عن غندر ، عن شعبه به نحوه ، ثم رواه من غير وجه ، عن سعيد بن جبير نحوه . ومثله قال حدثني يعقوب ، حدثنا هشيم ، قال حدثنا أبو بشر أخبرنا سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال اللمس والمس والمباشرة الجماع ولكن الله يكني بما يشاء ، حدثنا عبد الحميد بن بيان ، أنبأنا إسحاق الأزرق ، عن سفيان ، عن عاصم الأحول ، عن بكر بن عبد الله ، عن ابن عباس ، قال الملامسة الجماع ، ولكن الله كريم يكني بما يشاء ، وقد صح من غير وجه ، عن عبد الله بن عباس ، أنه قال ذلك ، ثم رواه ابن جرير عن بعض من حكاه ابن أبي حاتم عنهم ، ثم قال ابن جرير وقال آخرون عنى الله تعالى بذلك كل لمس بيد أو بغيرها من أعضاء الإنسان ، وأوجبوا الوضوء على كل من مس بشيء من جسده شيئاً من جسدها مفضياً إليه ، ثم قال حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن مخارق ، عن طارق ، عن عبد الله بن مسعود ، قال اللمس ما دون الجماع ، وقد رواه من طرق متعددة ، عن ابن مسعود بمثله ، وروى من حديث الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود ، قال القبلة من المس وفيها الوضوء . وروى الطبراني بإسناده ، عن عبد الله بن مسعود ، قال يتوضأ الرجل من المباشرة ومن اللمس بيده ، ومن القبلة ، وكان يقول في هذه الآية { أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } هو الغمز ، وقال ابن جرير حدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عبيد الله بن عمر ، عن نافع أن ابن عمر كان يتوضأ من قبلة المرأة ، ويرى فيها الوضوء ، ويقول هي من اللماس . وروى ابن أبي حاتم وابن جرير أيضاً من طريق شعبة عن مخارق ، عن طارق ، عن عبد الله ، قال اللمس ما دون الجماع ، ثم قال ابن أبي حاتم وروي عن ابن عمر ، وعبيدة ، وأبي عثمان النهدي ، وأبي عبيدة يعني ابن عبد الله بن مسعود ، وعامر الشعبي ، وثابت بن الحجاج ، وإبراهيم النخعي ، وزيد بن أسلم ، نحو ذلك ، قلت وروى مالك ، عن الزهري ، عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه ، أنه كان يقول قبلة الرجل امرأته وجسه بيده من الملامسة ، فمن قبل امرأته أوجسها بيده ، فعليه الوضوء ، وروى الحافظ أبوالحسن الدار قطني في سننه عن عمر بن الخطاب نحو ذلك ، ولكن روينا عنه من وجه آخر أنه كان يقبل امرأته ثم يصلي ولا يتوضأ ، فالرواية عنه مختلفة ، فيحمل ما قاله في الوضوء إن صح عنه ، على الاستحباب ، والله أعلم . والقول بوجوب الوضوء من المس ، هو قول الشافعي وأصحابه ، ومالك ، والمشهور عن أحمد بن حنبل رحمهم الله ، قال ناصر هذه المقالة قد قرىء في هذه الآية لامستم ولمستم ، واللمس يطلق في الشرع على الجس باليد ، قال تعالى { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَـٰباً فِى قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ } أي جسوه ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لماعز حين أقر بالزنا ، يعرّض له بالرجوع عن الإقرار " لعلك قبلت أو لمست " ، وفي الحديث الصحيح " واليد زناها اللمس " ، وقالت عائشة رضي الله عنها قلّ يوم إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، يطوف علينا ، فيقبل ويلمس ، ومنه ما ثبت في الصحيحين ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الملامسة ، وهو يرجع إلى الجس باليد ، على كلا التفسيرين ، قالوا ويطلق في اللغة على الجس باليد ، كما يطلق على الجماع ، قال الشاعر @ وَلَمَست كَفي كَفَّهُ أَطْلُبُ الغِنَى @@ واستأنسوا أيضاً بالحديث الذي رواه أحمد ، حدثنا عبد الله بن مهدي ، وأبو سعيد ، قالا حدثنا زائدة ، عن عبد الملك بن عمير ، وقال أبو سعيد حدثنا عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ ، قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال يا رسول الله ، ما تقول في رجل لقي امرأة لا يعرفها ، فليس يأتي الرجل من امرأته شيئاً إلا أتاه منها ، غير أنه لم يجامعها ، قال فأنزل الله عز وجل هذه الآية { وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَىِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ } ، قال فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " توضأ ثم صل " قال معاذ فقلت يا رسول الله ، أله خاصة أم للمؤمنين عامة ؟ فقال " بل للمؤمنين عامة " ، ورواه الترمذي من حديث زائدة به ، وقال ليس بمتصل ، ورواه النسائي من حديث شعبة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، مرسلاً ، قالوا فأمره بالوضوء ، لأنه لمس المرأة ولم يجامعها ، وأجيب بأنه منقطع بين ابن أبي ليلى ومعاذ ، فإنه لم يلقه ، ثم يحتمل أنه إنما أمره بالوضوء والصلاة للتوبة ، كما تقدم في حديث الصديق " ما من عبد يذنب ذنباً فيتوضأ ويصلي ركعتين إلا غفر الله له " الحديث ، وهو مذكور في سورة آل عمران ، عند قوله { ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ } الآية ، ثم قال ابن جرير وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال عنى الله بقوله { أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } الجماع ، دون غيره من معاني اللمس ، لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قبَّل بعض نسائه ، ثم صلى ولم يتوضأ ، ثم قال حدثني بذلك إسماعيل بن موسى السدي ، قال أخبرنا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ، ثم يقبل ثم يصلي ، ولا يتوضأ ، ثم قال حدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن حبيب ، عن عروة ، عن عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبَّل بعض نسائه ، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ ، قلت من هي إلا أنت ؟ فضحكت ، وهكذا رواه أبو داود والترمذي ، وابن ماجه ، عن جماعة من مشايخهم ، عن وكيع به ، ثم قال أبو داود روي عن الثوري أنه قال ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني ، وقال يحيى القطان لرجل احك عني أن هذا الحديث شبه لا شيء ، وقال الترمذي سمعت البخاري يضعف هذا الحديث ، وقال حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة ، وقد وقع في رواية ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وعلي بن محمد الطنافسي ، عن وكيع ، عن الأعمش ، عن حبيب ابن أبي ثابت ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة ، وأبلغ من ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، وهذا نص في كونه عروة بن الزبير ، ويشهد له قوله من هي إلا أنت فضحكت ، لكن روى أبو داود عن إبراهيم بن مخلد الطالقاني ، حدثنا وكيع حدثنا سفيان ، عن أبي روق الهمداني عن عبد الرحمن بن مغراء ، عن الأعمش ، قال حدثنا أصحاب لنا ، عن عروة المزني ، عن عائشة ، فذكره ، والله أعلم . وقال ابن جرير أيضاً حدثنا أبو زيد ، عمر بن شَبَّةَ عن شهاب بن عباد ، حدثنا مندل بن علي ، عن ليث ، عن عطاء ، عن عائشة ، وعن أبي روق ، عن إبراهيم التيمي ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم ينال مني القبلة بعد الوضوء ، ثم لا يعيد الوضوء ، وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان عن أبي روق الهمداني ، عن إبراهيم التيمي ، عن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبَّل ثم صلى ولم يتوضأ ، رواه أبو داود والنسائي ، من حديث يحيى القطان ، زاد أبو داود وابن مهدي ، كلاهما عن سفيان الثوري به . ثم قال أبو داود والنسائي لم يسمع إبراهيم التيمي من عائشة ، ثم قال ابن جرير أيضاً حدثنا سعيد بن يحيى الأموي ، حدثنا أبي ، حدثنا يزيد بن سنان ، عن عبد الرحمن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أم سلمة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم ، ثم لا يفطر ولا يحدث وضوءاً . وقال أيضاً حدثنا أبو كريب ، حدثنا حفص بن غياث ، عن حجاج ، عن عمرو بن شعيب ، عن زينب السهمية ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقبل ثم يصلي ولا يتوضأ . وقد رواه الإمام أحمد ، عن محمد بن فضيل ، عن حجاج بن أرطاة ، عن عمرو بن شعيب ، عن زينب السهمية ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم به ، وقوله تعالى { فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً } استنبط كثير من الفقهاء من هذه الآية أنه لا يجوز التيمم لعادم الماء إلا بعد طلب الماء ، فمتى طلبه فلم يجده ، جاز له حينئذ التيمم ، وقد ذكروا كيفية الطلب في كتب الفروع ، كما هو مقرر في موضعه ، كما هو في الصحيحين من حديث عمران بن حصين أن رسول الله رأى رجلاً معتزلاً لم يصل في القوم ، فقال " يا فلان ما منعك أن تصلي مع القوم ، ألست برجل مسلم " قال بلى يا رسول الله ، ولكن أصابتني جنابة ولا ماء ، قال " عليك بالصعيد فإنه يكفيك " ولهذا قال تعالى { فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً } فالتيمم في اللغة ، هو القصد ، تقول العرب تيممك الله بحفظه ، أي قصدك ، ومنه قول امرىء القيس شعراً @ وَلَمَّاَ رَأَتْ أنَّ المَنِيَّةَ وِرْدُها وأَنَّ الحَصى من تَحْتِ أَقْدامِها دامِ تَيَمَّمَتِ العَيْنَ التي عندَ ضارجٍ يَفيءُ عليها الفَيْءُ عَرْمَضُها طامِ @@ والصعيد قيل هو كل ما صعد على وجه الأرض ، فيدخل فيه التراب والرمل والشجر والحجر والنبات ، وهو قول مالك ، وقيل ما كان من جنس التراب ، كالرمل والزرنيخ والنورة ، وهذا مذهب أبي حنيفة ، وقيل هو التراب فقط ، وهو مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهما ، واحتجوا بقوله تعالى { فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا } أي تراباً أملس طيباً ، وبما ثبت في " صحيح مسلم " ، عن حذيفة بن اليمان ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، وجعلت لنا الأرض كلها مسجداً ، وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء " وفي لفظ " وجعل ترابها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء " قالوا فخصص الطهورية بالتراب ، في مقام الامتنان ، فلو كان غيره يقوم مقامه لذكره معه ، والطيب ههنا قيل الحلال ، وقيل الذي ليس بنجس ، كما رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، إلا ابن ماجه من حديث أبي قلابة ، عن عمرو بن بُجْدان ، عن أبي ذر ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الصعيد الطيب طهور المسلم ، وإن لم يجد الماء عشر حجج ، فإذا وجده فليمسه بشرته فإن ذلك خير " وقال الترمذي حسن صحيح ، وصححه ابن حبان أيضاً ، ورواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده ، عن أبي هريرة وصححه الحافظ أبو الحسن القطان ، وقال ابن عباس أطيب الصعيد تراب الحرث ، رواه ابن أبي حاتم ، ورفعه ابن مردويه في تفسيره ، وقوله { فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ } التيمم بدل عن الوضوء في التطهر به ، لا أنه بدل منه في جميع أعضائه ، بل يكفي مسح الوجه واليدين فقط بالإجماع ، ولكن اختلف الأئمة في كيفية التيمم على أقوال أحدها وهو مذهب الشافعي في الجديد أنه يجب أن يمسح الوجه واليدين إلى المرفقين بضربتين ، لأن لفظ اليدين يصدق إطلاقهما على ما يبلغ المنكبين ، وعلى ما يبلغ المرفقين ، كما في آية الوضوء ، ويطلق ويراد بهما ما يبلغ الكفين ، كما في آية السرقة { فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا } قالوا وحمل ما أطلق ههنا على ما قيد في آية الوضوء أولى لجامع الطهورية ، وذكر بعضهم ما رواه الدارقطني عن ابن عمر ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " التيمم ضربتان ضربة للوجه ، وضربة لليدين إلى المرفقين " ولكن لا يصح ، لأن في أسانيده ضعفاء ، لا يثبت الحديث بهم ، وروى أبو داود عن ابن عمر ، في حديث ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه ، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه ، ولكن في إسناده محمد بن ثابت العبدي ، وقد ضعفه بعض الحفاظ ، ورواه غيره من الثقات ، فوقفوه على فعل ابن عمر ، قال البخاري وأبو زرعة وابن عدي وهو الصواب ، وقال البيهقي رفع هذا الحديث منكر ، واحتج الشافعي بما رواه عن إبراهيم بن محمد ، عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية ، عن الأعرج ، عن ابن الصمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تيمم فمسح وجهه وذراعيه . وقال ابن جرير حدثني موسى بن سهل الرملي ، حدثنا نعيم ابن حماد ، حدثنا خارجة بن مصعب ، عن عبد الله ابن عطاء ، عن موسى بن عقبة ، عن الأعرج ، عن أبي جهيم ، قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول ، فسلمت عليه ، فلم يرد عليّ حتى فرغ ، ثم قام إلى الحائط فضرب بيديه عليه ، فمسح بهما وجهه ، ثم ضرب بيديه على الحائط فمسح بهما يديه إلى المرفقين ، ثم رد علي السلام . والقول الثاني أنه يجب مسح الوجه واليدين إلى الكفين بضربتين ، وهو قول الشافعي في القديم . والثالث أنه يكفي مسح الوجه والكفين بضربة واحدة . قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن الحكم ، عن ذر ، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه ، أن رجلاً أتى عمر ، فقال إني أجنبت فلم أجد ماء ، فقال عمر لا تصل ، فقال عمار أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية ، فأجنبنا فلم نجد ماء ، فأما أنت فلم تصل ، وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت ، فلما أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له ، فقال " إنما كان يكفيك ، وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده الأرض ، ثم نفخ فيها ، ومسح بها وجهه وكفيه " وقال أحمد أيضاً حدثنا عفان ، حدثنا أبان ، حدثنا قتادة ، عن عزرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه ، عن عمار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في التيمم " ضربة للوجه والكفين " . طريق أخرى قال أحمد حدثنا عفان ، حدثنا عبد الواحد ، عن سليمان الأعمش ، حدثنا شقيق ، قال كنت قاعداً مع عبد الله وأبي موسى ، فقال أبو موسى لعبد الله لو أن رجلاً لم يجد الماء لم يصل ؟ فقال عبد الله لا ، فقال أبو موسى أما تذكر إذ قال عمار لعمر ألا تذكر إذ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وإياك في إبل ، فأصابتني جنابة ، فتمرغت في التراب ، فلما رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " إنما كان يكفيك أن تقول هكذا " وضرب بكفيه إلى الأرض ، ثم مسح كفيه جميعاً ، ومسح وجهه مسحة واحدة بضربة واحدة ؟ فقال عبد الله لا جرم ، ما رأيت عمر قنع بذاك ، قال فقال له أبو موسى فكيف بهذه الآية في سورة النساء { فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً } ؟ قال فما درى عبد الله ما يقول ، وقال لو رخصنا لهم في التيمم لأوشك أحدهم إذا برد الماء على جلده أن يتيمم . وقال تعالى في آية المائدة { فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ } استدل بذلك الشافعي ، على أنه لا بد في التيمم ، أن يكون بتراب طاهر ، له غبار يعلق بالوجه واليدين منه شيء ، كما روى الشافعي بإسناده المتقدم عن ابن الصمة أنه مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول ، فسلم عليه فلم يرد عليه ، حتى قام إلى جدار ، فحته بعصا كانت معه ، فضرب بيده عليه ، ثم مسح وجهه وذراعيه . وقوله { مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ } المائدة 6 أي في الدين الذي شرعه لكم { وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ } المائدة 6 فلهذا أباح لكم ، إذا لم تجدوا الماء ، أن تعدلوا إلى التيمم بالصعيد ، { وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } المائدة 6 ولهذا كانت هذه الأمة مخصوصة بمشروعية التيمم ، دون سائر الأمم ، كما ثبت في الصحيحين ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل " ــ وفي لفظ " فعنده طهوره ومسجده وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس كافة " وتقدم في حديث حذيفة عند مسلم " فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، وجعلت لنا الأرض مسجداً وتربتها طهوراً إذا لم نجد الماء " وقال تعالى في هذه الآية الكريمة { فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً } أي ومن عفوه عنكم وغفرانه لكم ، أن شرع لكم التيمم ، وأباح لكم فعل الصلاة به ، إذا فقدتم الماء توسعة عليكم ، ورخصة لكم ، وذلك أن هذه الآية الكريمة فيها تنزيه الصلاة ، أن تفعل على هيئة ناقصة ، من سكر حتى يصحو المكلف ويعقل ما يقول ، أو جنابة حتى يغتسل ، أو حدث حتى يتوضأ ، إلا أن يكون مريضاً أو عادماً للماء ، فإن الله عز وجل قد أرخص في التيمم ، والحالة هذه رحمة بعباده ، ورأفة بهم ، وتوسعة عليهم ، ولله الحمد والمنة . ذكر سبب نزول مشروعية التيمم وإنما ذكرنا ذلك ههنا لأن هذه الآية التي في النساء متقدمة النزول على آية المائدة ، وبيانه أن هذه نزلت قبل تحتّم تحريم الخمر ، والخمر إنما حرم بعد أحد بيسير ، يقال في محاصرة النبي صلى الله عليه وسلم لبني النضير ، وأما المائدة فإنها من أواخر ما نزل ، ولا سيما صدرها ، فناسب أن يذكر السبب ههنا ، وبالله الثقة . قال أحمد حدثنا ابن نمير عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالاً في طلبها فوجدوها ، فأدركتهم الصلاة ، وليس معهم ماء ، فصلوا بغير وضوء ، فشكوا ذلك إلى رسول الله ، فأنزل الله آية التيمم ، فقال أسيد بن الحضير لعائشة جزاك الله خيراً ، فو الله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله لك وللمسلمين فيه خيراً . طريق أخرى قال البخاري حدثنا عبد الله ابن يوسف ، أنبأنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه ، عن عائشة ، قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، حتى إذا كنا بالبيداء ، أو بذات الجيش ، انقطع عقد لي ، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه ، وأقام الناس معه ، وليسوا على ماء ، وليس معهم ماء ، فأتى الناس إلى أبي بكر ، فقالوا ألا ترى إلى ما صنعت عائشة ، أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس ، وليسوا على ماء ، وليس معهم ماء ؟ فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام ، فقال حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ، وليسوا على ماء ، وليس معهم ماء ؟ قالت عائشة فعاتبني أبو بكر ، وقال ما شاء الله أن يقول ، وجعل يطعن بيده في خاصرتي ، ولا يمنعني من التحرك إلا مكان رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبح على غير ماء ، فأنزل الله آية التيمم ، فتيمموا ، فقال أسيد بن الحضير ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر قالت فبعثنا البعير الذي كنت عليه ، فوجدنا العقد تحته . وقد رواه البخاري أيضاً عن قتيبة وإسماعيل ، ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك . حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي عن صالح قال قال ابن شهاب حدثني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس ، عن عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرس بأولات الجيش ، ومعه زوجته عائشة ، فانقطع عقد لها من جزع ظفار ، فحبس الناس ابتغاء عقدها ، وذلك حتى أضاء الفجر ، وليس مع الناس ماء ، فأنزل الله على رسوله رخصة التطهير بالصعيد الطيب ، فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربوا بأيديهم إلى الأرض ، ثم رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التراب شيئاً ، فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب ، ومن بطون أيديهم إلى الآباط . وقد رواه ابن جرير حدثنا أبو كريب ، حدثنا صيفي ، عن ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن عبيد الله ، عن أبي اليقظان ، قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلك عقد لعائشة ، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أضاء الفجر ، فتغيظ أبو بكر على عائشة ، فنزلت عليه رخصة المسح بالصعيد الطيب ، فدخل أبو بكر فقال لها إنك لمباركة ، نزلت فيك رخصة ، فضربنا بأيدينا ضربة لوجوهنا ، وضربة لأيدينا إلى المناكب والآباط . حديث آخر قال الحافظ أبو بكر بن مردويه حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا الحسن بن أحمد بن الليث ، حدثنا محمد بن مرزوق ، حدثنا العباس بن أبي سَويَّة ، حدثني الهيثم بن رُزيق المالكي من بني مالك بن كعب بن سعد ، وعاش مائة وسبع عشرة سنة ، عن أبيه ، عن الأسلع بن شريك ، قال كنت أرحل ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابتني جنابة في ليلة باردة ، وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحلة ، فكرهت أن أرحل ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جنب ، وخشيت أن أغتسل بالماء البارد فأموت أو أمرض ، فأمرت رجلاً من الأنصار فرحلها ، ثم رضفت أحجاراً فأسخنت بها ماء فاغتسلت ، ثم لحقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقال " يا أسلع ما لي أرى رحلتك قد تغيرت " ؟ قلت يا رسول الله ، لم أرحلها ، رحلها رجل من الأنصار ، قال " ولم " ؟ قلت إني أصابتني جنابة ، فخشيت القر على نفسي ، فأمرته أن يرحلها ، ورضفت أحجاراً فأسخنت بها ماء فاغتلست به ، فأنزل الله تعالى { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } إلى قوله { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً } وقد روي من وجه آخر عنه .