Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 5-6)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ينهى سبحانه وتعالى عن تمكين السفهاء من التصرف في الأموال التي جعلها الله للناس قياماً ، أي تقوم بها معايشهم من التجارات وغيرها ، ومن ههنا يؤخذ الحجر على السفهاء ، وهم أقسام فتارة يكون الحجر للصغر فإن الصغير مسلوب العبارة ، وتارة يكون الحجر للجنون ، وتارة لسوء التصرف لنقص العقل أو الدين ، وتارة للفلس ، وهو ما إذا أحاطت الديون برجل ، وضاق ماله عن وفائها ، فإذا سأل الغرماء الحاكم الحجر عليه ، حجر عليه وقال الضحاك عن ابن عباس ، في قوله { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَٰلَكُمُ } قال هم بنوك ، والنساء ، وكذا قال ابن مسعود والحكم بن عيينة والحسن والضحاك هم النساء والصبيان ، وقال سعيد بن جبير هم اليتامى ، وقال مجاهد وعكرمة وقتادة هم النساء ، وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا صدقة بن خالد ، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وإن النساء السفهاء ، إلا التي أطاعت قيمها " ورواه ابن مردويه مطولاً . وقال ابن أبي حاتم ذكر عن مسلم بن إبراهيم ، حدثنا حرب بن سُريح ، عن معاوية بن قرة ، عن أبي هريرة { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَٰلَكُمُ } قال هم الخدم ، وهم شياطين الإنس . وقوله { وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } . قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، يقول لا تعمد إلى مالك وما خولك الله وجعله لك معيشة ، فتعطيه امرأتك ، أو بنيك ، ثم تنظر إلى ما في أيديهم ، ولكن أمسك مالك وأصلحه ، وكن أنت الذي تنفق عليهم من كسوتهم ومؤنتهم ورزقهم . وقال ابن جرير حدثنا ابن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن فراس ، عن الشعبي ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، قال ثلاثة يدعون الله فلا يستجيب لهم رجل كانت له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها ، ورجل أعطى ماله سفيهاً ، وقد قال { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَٰلَكُمُ } ، ورجل كان له على رجل دين ، فلم يُشهِد عليه . وقال مجاهد { وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } ، يعني في البر والصلة ، وهذه الآية الكريمة تضمنت الإحسان إلى العائلة ، ومن تحت الحجر بالفعل من الإنفاق في الكساوي والأرزاق والكلام الطيب وتحسين الأخلاق . وقوله تعالى { وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَـٰمَىٰ } قال ابن عباس ومجاهد والحسن والسدي ومقاتل بن حيان أي اختبروهم { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ } قال مجاهد يعني الحلم ، قال الجمهور من العلماء البلوغ في الغلام تارة يكون بالحلم ، وهو أن يرى في منامه ما ينزل به الماء الدافق الذي يكون منه الولد ، وفي سنن أبي داود عن علي قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يتم بعد احتلام ، ولا صمات يوم إلى الليل " وفي الحديث الآخر عن عائشة وغيرها من الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم ، وعن النائم حتى يستقيظ ، وعن المجنون حتى يفيق " ، أو يستكمل خمس عشرة سنة ، وأخذوا ذلك من الحديث الثابت في الصحيحين عن ابن عمر ، قال عُرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحد ، وأنا ابن أربع عشرة ، فلم يُجزني ، وعرضت عليه يوم الخندق ، وأنا ابن خمس عشرة ، فأجازني ، فقال عمر بن عبد العزيز لما بلغه هذا الحديث إن هذا الفرق بين الصغير والكبير . واختلفوا في إنبات الشعر الخشن حول الفرج ، وهي الشعرة ، هل تدل على بلوغ أم لا ؟ على ثلاثة أقوال ، يفرق في الثالث بين صبيان المسلمين ، فلا يدل على ذلك لاحتمال المعالجة ، وبين صبيان أهل الذمة ، فيكون بلوغاً في حقهم لأنه لا يتعجل بها إلى ضرب الجزية عليه ، فلا يعالجها ، والصحيح أنها بلوغ في حق الجميع لأن هذا أمر جبلي ، يستوي فيه الناس ، واحتمال المعالجة بعيد ، ثم قد دلت السنة على ذلك في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن عطية القرظي رضي الله عنه ، قال عُرضنا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة ، نأمرض ينظر من أنبت ، فكان من أنبت قتل ، ومن لم ينبت خُلي سبيله ، فكنت فيمن لم ينبت ، فخلي سبيلي ، وقد أخرجه أهل السنن الأربعة بنحوه ، وقال الترمذي حسن صحيح . وإنما كان كذلك لأن سعد بن معاذ كان قدحكم فيهم بقتل المقاتلة ، وسبي الذرية . وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الغريب حدثنا ابن علية عن إسماعيل بن أمية ، عن محمد بن يحيى ابن حبان ، عن عمر ، أن غلاماً ابتهر جارية في شعره ، فقال عمر رضي الله عنه انظروا إليه ، فلم يوجد أنبت ، فدرأ عنه الحد ، قال أبو عبيد ابتهرها ، أي قذفها ، والابتهار أن يقول فعلت بها ، وهو كاذب ، فإن كان صادقاً ، فهو الابتيار ، قال الكميت في شعره @ قَبِيحٌ بِمثلِيَ نَعْتُ الفَتاة إِمَّا ابْتِهاراً وإِمَّا ابْتِياراً @@ وقوله عز وجل { فَإِنْ ءَانَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَٰلَهُمْ } قال سعيد بن جبير يعني صلاحاً في دينهم ، وحفظاً لأموالهم . وكذا روي عن ابن عباس والحسن البصري وغير واحد من الأئمة . وهكذا قال الفقهاء متى بلغ الغلام مصلحاً لدينه وماله ، انفك الحجر عنه ، فيسلم إليه ماله الذي تحت يد وليه بطريقه . وقوله { وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ } ينهى تعالى عن أكل أموال اليتامى من غير حاجة ضرورية { إِسْرَافاً وَبِدَاراً } أي مبادرة قبل بلوغهم ، ثم قال تعالى { وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ } من كان في غنية عن مال اليتيم ، فليستعفف عنه ، ولا يأكل منه شيئاً ، وقال الشعبي هو عليه كالميتة والدم . { وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } قال ابن أبي حاتم حدثنا الأشج ، حدثنا عبد الله بن سليمان ، حدثنا هشام ، عن أبيه ، عن عائشة . { وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ } نزلت في مال اليتيم . وحدثنا الأشج وهارون بن إسحاق قالا حدثنا عبدة بن سليمان عن هشام عن أبيه عن عائشة { وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } نزلت في والي اليتيم الذي يقوم عليه ويصلحه إذا كان محتاجاً أن يأكل منه . وحدثنا أبي ، حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني ، حدثنا علي بن مسهر عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت أنزلت هذه الآية في والي اليتيم { وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } بقدر قيامه عليه . ورواه البخاري عن إسحاق عن عبد الله بن نمير عن هشام به ، قال الفقهاء له أن يأكل أقل الأمرين أجرة مثله ، أو قدر حاجته ، واختلفوا هل يرد إذا أيسر ؟ على قولين أحدهما لا لأنه أكل بأجرة عمله ، وكان فقيراً ، وهذا هو الصحيح عند أصحاب الشافعي لأن الآية أباحت الأكل من غير بدل ، قال أحمد حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا حسين عن عمرو بن شعيب عن أبيه ، عن جده أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ليس لي مال ، ولي يتيم ؟ فقال " كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذر ، ولا متأثل مالاً ، ومن غير أن تقي مالك أو قال تفدي مالك بماله " شك حسين ، وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، حدثنا حسين المكتب ، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن عندي يتيماً عنده مال ، وليس لي مال ، آكل من ماله ؟ قال " كل بالمعروف غير مسرف " ورواه أبو دواد والنسائي وابن ماجه من حديث حسين المعلم به . وروى أبو حاتم بن حبان في صحيحه ، وابن مردويه في تفسيره من حديث يعلى بن مهدي ، عن جعفر بن سليمان ، عن أبي عامر الخزاز ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر أن رجلاً قال يا رسول الله ، فيم أضرب يتيمي ؟ قال " ما كنت ضارباً منه ولدك ، غير واق مالك بماله ، ولا متأثل منه مالاً " وقال ابن جرير حدثنا الحسن بن يحيى ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا الثوري عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد قال جاء أعرابي إلى ابن عباس ، فقال إن في حجري أيتاماً ، وإن لهم إبلاً ، ولي إبل ، وأنا أمنح من إبلي فقراء ، فماذا يحل لي من ألبانها ؟ فقال إن كنت تبغي ضالتها ، وتهنأ جرباها ، وتلوط حوضها ، وتسقي عليها ، فاشرب غير مضر بنسل ، ولا ناهك في الحلب . ورواه مالك في موطئه عن يحيى بن سعيد ، به ، وبهذا القول ، وهو عدم أداء البدل ، يقول عطاء بن أبي رباح وعكرمة وإبراهيم النخعي وعطية العوفي والحسن البصري . والثاني نعم لأن مال اليتيم على الحظر ، وإنما أبيح للحاجة ، فيرد بدله كأكل مال الغير للمضطر عند الحاجة ، وقد قال ابن أبي الدنيا حدثنا ابن خيثمة ، حدثنا وكيع عن سفيان وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة بن مضرب قال قال عمر رضي الله عنه إني أنزلت نفسي من هذا المال بمنزلة والي اليتيم ، إن استغنيت استعففت ، وإن احتجت استقرضت ، فإذا أيسرت قضيت . طريق أخرى قال سعيد بن منصور حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال قال عمر رضي الله عنه إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم ، إن احتجت أخذت منه ، فإذا أيسرت رددته ، وإن استغنيت استعففت . إسناد صحيح . وروى البيهقي عن ابن عباس نحو ذلك ، وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله { وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } يعني القرض ، قال وروي عن عبيدة وأبي العالية ، وأبي وائل ، وسعيد بن جبير في إحدى الروايات ، ومجاهد والضحاك والسدي نحو ذلك ، وروي من طريق السدي عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله { فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } قال يأكل بثلاث أصابع ، ثم قال حدثنا أحمد ابن سنان ، حدثنا ابن مهدي ، عن سفيان ، عن الحكم عن مقسم ، عن ابن عباس { وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } قال يأكل من ماله يقوت على نفسه حتى لا يحتاج إلى مال اليتيم ، قال وروي عن مجاهد ، وميمون بن مهران في إحدى الروايات ، والحكم ، نحو ذلك . وقال عامر الشعبي لا يأكل منه إلا أن يضطر إليه كما يضطر إلى الميتة ، فإن أكل منه قضاه ، رواه ابن أبي حاتم . وقال ابن وهب حدثنا نافع بن أبي نعيم القاري قال سألت يحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة عن قول الله تعالى { وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } الآية ، فقالا ذلك في اليتيم إن كان فقيراً ، أنفق عليه بقدر فقره ، ولم يكن للولي منه شيء ، وهذا بعيد من السياق ، لأنه قال { وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ } يعني من الأولياء . { وَمَن كَانَ فَقِيراً } أي منهم { فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } أي بالتي هي أحسن كما قال في الآية الأخرى { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } الأنعام 152 أي لا تقربوه إلا مصلحين له ، فإن احتجتم إليه ، أكلتم منه بالمعروف . وقوله { فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَٰلَهُمْ } يعني بعد بلوغهم الحلم ، وإيناسكم الرشد منهم ، فحينئذٍ سلموا إليهم أموالهم ، فإذا دفعتم إليهم أموالهم ، { فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ } وهذا أمر من الله تعالى للأولياء أن يشهدوا على الأيتام إذا بلغوا الحلم ، وسلموا إليهم أموالهم لئلا يقع من بعضهم حجود وإنكار لما قبضه وتسلمه ، ثم قال { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً } أي وكفى بالله محاسباً وشهيداً ورقيباً على الأولياء في حال نظرهم للأيتام ، وحال تسليمهم للأموال هل هي كاملة موفرة ، أو منقوصة مبخوسة ، مدخلة ، مروج حسابها ، مدلس أمورها ؟ الله عالم بذلك كله ، ولهذا ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي ، لا تَأَمَّرَنَّ على اثنين ولا تَلِيَنَّ مال يتيم " .