Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 60-63)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا إنكار من الله عز وجل على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله ، وعلى الأنبياء الأقدمين ، وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله ، كما ذكر في سبب نزول هذه الآية أنها في رجل من الأنصار ورجل من اليهود تخاصما ، فجعل اليهودي يقول بيني وبينك محمد ، وذاك يقول بيني وبينك كعب بن الأشرف . وقيل في جماعة من المنافقين ممن أظهروا الإسلام ، أرادوا أن يتحاكموا إلى حكام الجاهلية . وقيل غير ذلك ، والآية أعم من ذلك كله ، فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة ، وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل ، وهو المراد بالطاغوت ههنا ، ولهذا قال { يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّـٰغُوتِ } إلى آخرها . وقوله { يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً } أي يعرضون عنك إعراضاً كالمستكبرين عن ذلك ، كما قال تعالى عن المشركين { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَا } لقمان 21 وهؤلاء بخلاف المؤمنين الذين قال الله فيهم { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } النور 51 الآية . ثم قال تعالى في ذم المنافقين { فَكَيْفَ إِذَآ أَصَـٰبَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } أي فكيف بهم إذا ساقتهم المقادير إليك في مصائب تطرقهم بسبب ذنوبهم ، واحتاجوا إليك في ذلك ؟ { ثُمَّ جَآءُوكَ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنْ أَرَدْنَآ إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً } أي يعتذرون إليك ، ويحلفون ما أردنا بذهابنا إلى غيرك ، وتحاكمنا إلى أعدائك ، إلا الإحسان والتوفيق ، أي المداراة والمصانعة ، لا اعتقاداً منا صحة تلك الحكومة كما أخبرنا تعالى عنهم في قوله { فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَـٰرِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ } إلى قوله { فَيُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِىۤ أَنفُسِهِمْ نَـٰدِمِينَ } المائدة 52 . وقد قال الطبراني حدثنا أبو زيد أحمد بن يزيد الحوطي ، حدثنا أبو اليمان ، حدثنا صفوان بن عمرو عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال كان أبو برزة الأسلمي كاهناً يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه ، فتنافر إليه ناس من المشركين ، فأنزل الله عز وجل { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } إلى قوله { إِنْ أَرَدْنَآ إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً } . ثم قال تعالى { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِى قُلُوبِهِمْ } هذا الضرب من الناس هم المنافقون ، والله يعلم ما في قلوبهم ، وسيجزيهم على ذلك فإنه لا تخفى عليه خافية ، فاكتف به يا محمد فيهم ، فإنه عالم بظواهرهم وبواطنهم . ولهذا قال له { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } أي لا تعنفهم على ما في قلوبهم { وَعِظْهُمْ } أي وانههم عما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر ، { وَقُل لَّهُمْ فِىۤ أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } أي وانصحهم فيما بينك وبينهم بكلام بليغ رادع لهم .