Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 36-45)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى { وَمَن يَعْشُ } أي يتعامى ويتغافل ويعرض { عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } والعشا في العين ضعف بصرها ، والمراد ههنا عشا البصيرة { نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } كقوله تعالى { وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ } النساء 115 الآية ، وكقوله { فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } الصف 5 وكقوله جل جلاله { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } فصلت 45 الآية ، ولهذا قال تبارك وتعالى ههنا { وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا } أي هذا الذي تغافل عن الهدى ، نقيض له من الشياطين من يضله ويهديه إلى صراط الجحيم . فإذا وافى الله عز وجل يوم القيامة ، يتبرم بالشيطان الذي وكل به { قَالَ يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } أي فبئس القرين كنت لي في الدنيا وقرأ بعضهم حتى إذا جاءانا يعني القرين والمقارن . قال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن سعيد الجريري قال بلغنا أن الكافر إذا بعث من قبره يوم القيامة ، سفع بيده شيطان ، فلم يفارقه حتى يصيرهما الله تبارك وتعالى إلى النار ، فذلك حين يقول { يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } والمراد بالمشرقين هاهنا هو ما بين المشرق والمغرب ، وإنما استعمل هاهنا تغليباً كما يقال القمران والعمران والأبوان ، والعسران ، قاله ابن جرير وغيره . ولما كان الاشتراك في المصيبة في الدنيا يحصل به تسلية لمن شاركه في مصيبته كما قالت الخنساء تبكي أخاها @ ولولا كثرة الباكين حولي على قتلاهم لقتلت نفسي وما يبكون مثل أخي ولكن أُسلي النفسي عنه بالتأسي @@ قطع الله بذلك بين أهل النار ، فلا يحصل لهم بذلك تأسي وتسلية ولا تخفيف . ثم قال تعالى { وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِى ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } أي لا يغني عنكم اجتماعكم في النار ، واشتراككم في العذاب الأليم . وقوله جلت عظمته { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِى ٱلْعُمْىَ وَمَن كَانَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } ؟ أي ليس ذلك إليك ، إنما عليك البلاغ ، وليس عليك هداهم ، ولكن الله يهدي من يشاء ، ويضل من يشاء ، وهو الحكم العدل في ذلك ، ثم قال تعالى { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ } أي لا بد أن ننتقم منهم ، ونعاقبهم ، ولو ذهبت أنت { أَوْ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِى وَعَدْنَـٰهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ } أي نحن قادرون على هذا ، وعلى هذا ولم يقبض الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم حتى أقر عينه من أعدائه ، وحكمه في نواصيهم ، وملكه ما تضمنته صياصيهم . هذا معنى قول السدي ، واختاره ابن جرير . وقال ابن جرير حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا ابن ثور عن معمر قال تلا قتادة { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ } فقال ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقيت النقمة ، ولن يري الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في أمته شيئاً يكرهه حتى مضى ، ولم يكن نبي قط إلا وقد رأى العقوبة في أمته ، إلا نبيكم صلى الله عليه وسلم قال وذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري ما يصيب أمته من بعده ، فما رئي ضاحكاً منبسطاً حتى قبضه الله عز وجل ، وذكر من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة نحوه ، ثم روى ابن جرير عن الحسن نحو ذلك أيضاً ، وفي الحديث " النجوم أمنة للسماء ، فإذا ذهبت النجوم ، أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي ، فإذا ذهبت ، أتى أصحابي ما يوعدون " ثم قال عز وجل { فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِىۤ أُوحِىَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي خذ بالقرآن المنزل على قلبك ، فإنه هو الحق ، وما يهدي إليه هو الحق المفضي إلى صراط الله المستقيم ، الموصل إلى جنات النعيم ، والخير الدائم المقيم . ثم قال جل جلاله { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } قيل معناه لشرف لك ولقومك ، قاله ابن عباس رضي الله عنهما ، ومجاهد وقتادة والسدي وابن زيد ، واختاره ابن جرير ، ولم يحك سواه . وأورد البغوي ههنا حديث الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن معاوية رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن هذا الأمر في قريش ، لا ينازعهم فيه أحد ، إلا أكبه الله تعالى على وجهه ما أقاموا الدين " رواه البخاري ، ومعناه أنه شرف لهم من حيث إنه أنزل بلغتهم ، فهم أفهم الناس له ، فينبغي أن يكونوا أقوم الناس به ، وأعملهم بمقتضاه ، وهكذا كان خيارهم وصفوتهم من الخلص من المهاجرين السابقين الأولين ، ومن شابههم وتابعهم ، وقيل معناه { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } أي لتذكير لك ولقومك ، وتخصيصهم بالذكر لا ينفي من سواهم كقوله تعالى { لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَـٰباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } الأنبياء 10 وكقوله تبارك وتعالى { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } الشعراء 214 { وَسَوْفَ تُسْـئَلُونَ } أي عن هذا القرآن ، وكيف كنتم في العمل به ، والاستجابة له . وقوله سبحانه وتعالى { وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ءَالِهَةً يُعْبَدُونَ } أي جميع الرسل دعوا إلى ما دعوت الناس إليه من عبادة الله وحده لا شريك له ، ونهوا عن عبادة الأصنام والأنداد كقوله جلت عظمته { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّـٰغُوتَ } النحل 36 قال مجاهد في قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه واسأل الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا . وهكذا حكاه قتادة والضحاك والسدي عن ابن مسعود رضي الله عنه ، وهذا كأنه تفسير لا تلاوة ، والله أعلم . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم واسألهم ليلة الإسراء فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جمعوا له ، واختار ابن جرير الأول ، والله أعلم .