Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 51-56)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى مخبراً عن فرعون وتمرده وعتوه وكفره وعناده أنه جمع قومه ، فنادى فيهم متبجحاً مفتخراً بملك مصر ، وتصرفه فيها { أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَـٰرُ تَجْرِى مِن تَحْتِىۤ } قال قتادة قد كانت لهم جنات وأنهار ماء ، { أَفلاَ تُبْصِرُونَ } ؟ أي أفلا ترون ما أنا فيه من العظمة والملك ؟ يعني موسى وأتباعه فقراء ضعفاء ، وهذا كقوله تعالى { فَحَشَرَ فَنَادَىٰ فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلأَخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ } النازعات 23 ــــ 25 . وقوله { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى هُوَ مَهِينٌ } قال السدي يقول بل أنا خير من هذا الذي هو مهين ، وهكذا قال بعض نحاة البصرة إن أم ههنا بمعنى بل ، ويؤيد هذا ما حكاه الفراء عن بعض القراء أنه قرأها أما أنا خير من هذا الذي هو مهين قال ابن جرير ولو صحت هذه القراءة ، لكان معناها صحيحاً واضحاً ، ولكنها خلاف قراءة الأمصار فإنهم قرؤوا { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى هُوَ مَهِينٌ } على الاستفهام قلت وعلى كل تقدير ، فإنما يعني فرعون لعنه الله بذلك أنه خير من موسى عليه الصلاة والسلام ، وقد كذب في قوله هذا كذباً بيناً واضحاً ، فعليه لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة . ويعني بقوله مهين ، كما قال سفيان حقير ، وقال قتادة والسدي يعني ضعيف . وقال ابن جرير يعني لا ملك له ، ولا سلطان ولا مال ، { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } يعني لا يكاد يفصح عن كلامه ، فهو عيي حصر . قال السدي { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } أي لا يكاد يُفْهم . وقال قتادة والسدي وابن جرير يعني عيي اللسان ، وقال سفيان يعني في لسانه شيء من الجمرة حين وضعها في فمه وهو صغير ، وهذا الذي قاله فرعون ، لعنه الله ، كذب واختلاق ، وإنما حمله على هذا الكفر والعناد ، وهو ينظر إلى موسى عليه الصلاة والسلام بعين كافرة شقية ، وقد كان موسى عليه السلام من الجلالة والعظمة والبهاء في صورة يبهر أبصار ذوي الألباب . وقوله { مَهِينٌ } كذب . بل هو المهين الحقير خلقة وخلقاً وديناً ، وموسى هو الشريف الرئيس الصادق البار الراشد . وقوله { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } افتراء أيضاً فإنه وإن كان قد أصاب لسانه في حال صغره شيء من جهة تلك الجمرة ، فقد سأل الله عز وجل أن يحل عقدة من لسانه ليفقهوا قوله ، وقد استجاب الله تبارك وتعالى له ذلك في قوله { قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } طه 36 وبتقدير أن يكون قد بقي شيء لم يسأل إزالته كما قاله الحسن البصري ، وإنما سأل زوال ما لا يحصل معه الإبلاغ والإفهام ، فالأشياء الخلقية التي ليست من فعل العبد لا يعاب بها ، ولا يذم عليها ، وفرعون وإن كان يفهم وله عقل ، فهو يدري هذا ، وإنما أراد الترويج على رعيته فإنهم كانوا جهلة أغبياء وهكذا قوله { فَلَوْلاَ أُلْقِىَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ } وهي ما يجعل في الأيدي من الحلي . قال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة وغير واحد { أَوْ جَآءَ مَعَهُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } أي يكنفونه خدمة له ، ويشهدون بتصديقه ، نظر إلى الشكل الظاهر ، ولم يفهم السر المعنوي الذي هو أظهر مما نظر إليه لو كان يفهم ، ولهذا قال تعالى { فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ } أي استخف عقولهم ، فدعاهم إلى الضلالة فاستجابوا له { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَـٰسِقِينَ } قال الله تعالى { فَلَمَّآ ءَاسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَـٰهُمْ أَجْمَعِينَ } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما آسفونا أسخطونا ، وقال الضحاك عنه أغضبونا ، وهكذا قال ابن عباس أيضاً ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب القرظي وقتادة والسدي وغيرهم من المفسرين . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا عبيد الله ابن أخي ابن وهب ، حدثنا عمي ، حدثنا ابن لهيعة عن عقبة بن مسلم التجيبي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا رأيت الله تبارك وتعالى يعطي العبد ما يشاء ، وهو مقيم على معاصيه ، فإنما ذلك استدراج منه له " ثم تلا صلى الله عليه وسلم { فَلَمَّآ ءَاسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَـٰهُمْ أَجْمَعِينَ } وحدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، حدثنا قيس بن الربيع عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال كنت عند عبد الله رضي الله عنه ، فذكر عنده موت الفجأة ، فقال تخفيف على المؤمن ، وحسرة على الكافر ، ثم قرأ رضي الله عنه { فَلَمَّآ ءَاسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَـٰهُمْ أَجْمَعِينَ } وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وجدت النقمة مع الغفلة ، يعني قوله تبارك وتعالى { فَلَمَّآ ءَاسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَـٰهُمْ أَجْمَعِينَ } وقوله سبحانه وتعالى { فَجَعَلْنَـٰهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلأَخِرِينَ } قال أبو مجلز سلفاً لمثل من عمل بعملهم . وقال هو ومجاهد ومثلاً ، أي عبرة لمن بعدهم ، والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب ، وإليه المرجع والمآب .