Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 81-89)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى { قُلْ } يا محمد { إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَـٰبِدِينَ } أي لو فرض هذا ، لعبدته على ذلك لأني عبد من عبيده ، مطيع لجميع ما يأمرني به ، ليس عندي استكبار ولا إباء عن عبادته ، فلو فرض هذا ، لكان هذا ، ولكن هذا ممتنع في حقه تعالى ، والشرط لا يلزم منه الوقوع ، ولا الجواز أيضاً كما قال عز وجل { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ سُبْحَـٰنَهُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَٰحِدُ ٱلْقَهَّارُ } الزمر 4 وقال بعض المفسرين في قوله تعالى { فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَـٰبِدِينَ } أي الآنفين ، ومنهم سفيان الثوري والبخاري ، حكاه فقال ويقال أول العابدين الجاحدين من عَبِد يعْبَد ، وذكر ابن جرير لهذا القول من الشواهد ما رواه عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب ، حدثني ابن أبي ذئب عن أبي قسيط عن بعجة بن زيد الجهني أن امرأة منهم دخلت على زوجها ، وهو رجل منهم أيضاً ، فولدت له في ستة أشهر ، فذكر ذلك زوجها لعثمان بن عفان رضي الله عنه ، فأمر بها أن ترجم ، فدخل عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال إن الله تعالى يقول في كتابه { وَحَمْلُهُ وَفِصَـٰلُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً } الأحقاف 15 وقال عز وجل { وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ } لقمان 14 قال فو الله ما عبد عثمان رضي الله عنه أن بعث إليها ترد ، قال يونس قال ابن وهب عبد استنكف . وقال الشاعر @ متى ما يَشَأْ ذو الودِّ يَصْرِمْ خليلَهُ ويَعْبَدْ عليهِ لا محالةَ ظالِما @@ وهذا القول فيه نظر لأنه كيف يلتئم مع الشرط ، فيكون تقديره إن كان هذا ، فأنا ممتنع منه ؟ هذا فيه نظر ، فليتأمل ، اللهم إلا أن يقال إنّ إنْ ليست شرطاً ، وإنما هي نافية ، كما قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ } يقول لم يكن للرحمن ولد ، فأنا أول الشاهدين . وقال قتادة هي كلمة من كلام العرب { إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَـٰبِدِينَ } أي إن ذلك لم يكن فلا ينبغي ، وقال أبو صخر { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَـٰبِدِينَ } أي فأنا أول من عبده بأن لا ولد له ، وأول من وحّده ، وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وقال مجاهد { فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَـٰبِدِينَ } أي أول من عبده ووحده وكذبكم ، وقال البخاري { فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَـٰبِدِينَ } الآنفين ، وهما لغتان رجل عابد وعبد ، والأول أقرب على أنه شرط وجزاء ، ولكن هو ممتنع ، وقال السدي { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَـٰبِدِينَ } يقول لو كان له ولد ، كنت أول من عبده بأن له ولداً ، ولكن لا ولد له ، وهو اختيار ابن جرير ، ورد قول من زعم أن إنْ نافية . ولهذا قال تعالى { سُبْحَـٰنَ رَبِّ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } أي تعالى وتقدس وتنزه خالق الأشياء عن أن يكون له ولد ، فإنه فرد أحد صمد ، لا نظير له ، ولا كفء له ، فلا ولد له . وقوله تعالى { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ } أي في جهلهم وضلالهم ، { وَيَلْعَبُواْ } في دنياهم { حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِى يُوعَدُونَ } وهو يوم القيامة . أي فسوف يعلمون كيف يكون مصيرهم ومآلهم وحالهم في ذلك اليوم . قوله تبارك وتعالى { وَهُوَ ٱلَّذِى فِى ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِى ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ } أي هو إله من في السماء ، وإله من في الأرض ، يعبده أهلها ، وكلهم خاضعون له ، أذلاء بين يديه ، { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ } وهذه الآية كقوله سبحانه وتعالى { وَهُوَ ٱللَّهُ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَفِى ٱلأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ } الأنعام 3 أي هو المدعو الله في السموات والأرض { وَتَبَارَكَ ٱلَّذِى لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } أي هو خالقهما ومالكهما ، والمتصرف فيهما بلا مدافعة ولا ممانعة ، فسبحانه وتعالى عن الولد ، وتبارك ، أي استقر له السلامة من العيوب والنقائص ، لأنه الرب العلي العظيم ، المالك للأشياء ، الذي بيده أزمة الأمور نقضاً وإبراماً . { وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } أي لا يجليها لوقتها إلا هو { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي فيجازي كلاً بعمله ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر . ثم قال تعالى { وَلاَ يَمْلِكُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ } أي من الأصنام والأوثان { ٱلشَّفَـٰعَةَ } أي لا يقدرون على الشفاعة لهم { إِلاَّ مَن شَهِدَ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } هذا استثناء منقطع ، أي لكن من شهد بالحق على بصيرة وعلم ، فإنه تنفع شفاعته عنده بإذنه له . ثم قال عز وجل { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } أي ولئن سألت هؤلاء المشركين بالله العابدين معه غيره { مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } أي هم يعترفون أنه الخالق للأشياء جميعها وحده ، لا شريك له في ذلك ، ومع هذا يعبدون معه غيره ممن لا يملك شيئاً ، ولا يقدر على شيء ، فهم في ذلك في غاية الجهل والسفاهة وسخافة العقل ، ولهذا قال تعالى { فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } ؟ وقوله جل وعلا { وَقِيلِهِ يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ } أي وقال محمد صلى الله عليه وسلم قيله ، أي شكا إلى ربه شكواه من قومه الذين كذبوه ، فقال يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون كما أخبر تعالى في الآية الأخرى { وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبِّ إِنَّ قَوْمِى ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْءاَنَ مَهْجُوراً } الفرقان 30 وهذا الذي قلناه هو قول ابن مسعود رضي الله عنه ومجاهد وقتادة ، وعليه فسر ابن جرير ، قال البخاري وقرأ عبد الله ، يعني ابن مسعود رضي الله عنه { وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبِّ } وقال مجاهد في قوله { وَقِيلِهِ يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلآءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ } قال يؤثر الله عز وجل قول محمد صلى الله عليه وسلم وقال قتادة هو قول نبيكم صلى الله عليه وسلم يشكو قومه إلى ربه عز وجل . ثم حكى ابن جرير في قوله تعالى { وَقِيلِهِ يٰرَبِّ } قراءتين ، إحداهما النصب ، ولها توجيهان أحدهما أنه معطوف على قوله تبارك وتعالى { نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَٰهُم } والثاني أن يقدر فعل ، وقال قيله ، والثانية الخفض وقيله ، عطفاً على قوله { وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } وتقديره وعلم قيله . وقوله تعالى { فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ } أي المشركين { وَقُلْ سَلَـٰمٌ } أي لا تجاوبهم بمثل ما يخاطبونك به من الكلام السيىء ، ولكن تألفهم واصفح عنهم فعلاً وقولاً { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } هذا تهديد من الله تعالى لهم ، ولهذا أحلّ بهم بأسه الذي لا يرد ، وأعلى دينه وكلمته ، وشرع بعد ذلك الجهاد والجلاد حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً ، وانتشر الإسلام في المشارق والمغارب ، والله أعلم . آخر تفسير سورة الزخرف .