Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 17-20)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر تعالى حال الداعين للوالدين البارين بهما ، ومالهم عنده من الفوز ، والنجاة ، عطف بحال الأشقياء العاقين للوالدين فقال { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَٰلِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ } وهذا عام في كل من قال هذا ، ومن زعم أنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما ، فقوله ضعيف ، لأن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أسلم بعد ذلك ، وحسن إسلامه ، وكان من خيار أهل زمانه ، وروى العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في ابن لأبي بكر الصديق رضي الله عنهما ، وفي صحة هذا نظر ، والله تعالى أعلم . وقال ابن جريج عن مجاهد نزلت في عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما ، قاله ابن جريج ، وقال آخرون عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما ، وهذا أيضاً قول السدي ، وإنما هذا عام في كل من عق والديه ، وكذب بالحق ، فقال لوالديه أُفٍّ لَّكُمَآ عقهما . وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن العلاء ، حدثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، أخبرني عبد الله بن المديني ، قال إني لفي المسجد حين خطب مروان فقال إن الله تعالى قد أرى أمير المؤمنين في يزيد رأياً حسناً ، وإن يستخلفه ، فقد استخلف أبو بكر عمر رضي الله عنهما ، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أهرقلية ؟ إن أبا بكر رضي الله عنه والله ما جعلها في أحد من ولده ، ولا أحد من أهل بيته ، ولا جعلها معاوية في ولده إلا رحمة وكرامة لولده ، فقال مروان ألست الذي قال لوالديه أف لكما ؟ فقال عبد الرحمن رضي الله عنه ألست ابن اللعين الذين لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباك ؟ قال وسمعتهما عائشة رضي الله عنها ، فقالت يامروان أنت القائل لعبد الرحمن رضي الله عنه كذا وكذا ؟ كذبت ، ما فيه نزلت ، ولكن نزلت في فلان بن فلان ، ثم انتحب مروان ، ثم نزل عن المنبر ، حتى أتى باب حجرتها ، فجعل يكلمها حتى انصرف ، وقد رواه البخاري بإسناد آخر ولفظ آخر فقال حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك قال كان مروان على الحجاز ، استعمله معاوية بن أبي سفيان ، رضي الله عنهما ، فخطب وجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه ، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما شيئاً ، فقال خذوه ، فدخل بيت عائشة رضي الله عنها ، فلم يقدروا عليه ، فقال مروان إن هذا الذي أنزل فيه { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَٰلِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي } فقالت عائشة رضي الله عنها من وراء الحجاب ما أنزل الله عز وجل فينا شيئاً من القرآن ، إلا أن الله تعالى أنزل عذري . طريق أخرى قال النسائي حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا أمية بن خالد ، حدثنا شعبة عن محمد بن زياد قال لما بايع معاوية رضي الله عنه لابنه ، قال مروان سنة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما . فقال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما سنة هرقل وقيصر . فقال مروان هذا الذي أنزل الله تعالى فيه { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَٰلِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ } الآية . فبلغ ذلك عائشة رضي الله عنها ، فقالت كذب مروان ، والله ما هو به ، ولو شئت أن أسمي الذي أنزلت فيه ، لسميته ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أبا مروان ، ومروان في صلبه ، فمروان فَضَضٌ من لعنة الله . وقوله { أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ } أي أبعث { وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي } أي قد مضى الناس ، فلم يرجع منهم مخبر { وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ } أي يسألان الله فيه أن يهديه ، ويقولان لولدهما { وَيْلَكَ ءَامِنْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } . قال الله تعالى { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَـٰسِرِينَ } أي دخلوا في زمرة أشباههم وأضرابهم من الكافرين الخاسرين أنفسهم وأهليهم يوم القيامة . وقوله { أُوْلَـٰئِكَ } بعد قوله { وَٱلَّذِي قَالَ } دليل على ما ذكرناه من أنه جنس يعم كل من كان كذلك . وقال الحسن وقتادة هو الكافر الفاجر العاق لوالديه المكذب بالبعث . وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة سهل بن داود من طريق هشام بن عمار حدثنا حماد بن عبد الرحمن ، حدثنا خالد بن الزبرقان الحلبي عن سليم بن حبيب عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أربعة لعنهم الله تعالى من فوق عرشه ، وأمنت عليهم الملائكة مضل المساكين " قال خالد الذي يهوي بيده إلى المسكين فيقول هلم أعطيك ، فإذا جاءه قال ليس معي شيء " والذي يقول للمكفوف اتق الدابة وليس بين يديه شيء ، والرجل يسأل عن دار القوم ، فيدلونه على غيرها ، والذي يضرب الوالدين حتى يستغيثا " غريب جداً . وقوله تبارك وتعالى { وَلِكُلٍّ دَرَجَـٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ } أي لكل عذاب بحسب عمله { وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَـٰلَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } أي لا يظلمهم مثقال ذرة فما دونها . قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم درجات النار تذهب سفالاً ، ودرجات الجنة تذهب علواً ، وقوله عز وجل { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَـٰتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا } أي يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً ، وقد تورع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن كثير من طيبات المآكل والمشارب ، وتنزه عنها ويقول إني أخاف أن أكون كالذين قال الله لهم وبخهم وقرعهم { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَـٰتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا } وقال أبو مجلز ليفقدن أقوام حسنات كانت لهم في الدنيا ، فيقال لهم { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَـٰتِكُمُ ٱلدُّنْيَا } وقوله عز وجل { فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ } فجوزوا من جنس عملهم فكما متعوا أنفسهم واستكبروا عن اتباع الحق ، وتعاطوا الفسق والمعاصي ، جازاهم الله تبارك وتعالى بعذاب الهون ، وهو الإهانة والخزي والآلام الموجعة ، والحسرات المتتابعة ، والمنازل في الدركات المفظعة ، أجارنا الله سبحانه وتعالى من ذلك كله .