Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 16-19)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى مخبراً عن المنافقين في بلادتهم وقلة فهمهم ، حيث كانوا يجلسون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستمعون كلامه فلا يفهمون منه شيئاً ، فإذا خرجوا من عنده { قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } من الصحابة رضي الله عنهم { مَاذَا قَالَ ءَانِفاً } أي الساعة ، لا يعقلون ما قال ، ولا يكترثون له . قال الله تعالى { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } أي فلا فهم صحيح ولا قصد صحيح . ثم قال عز وجل { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى } أي والذين قصدوا الهداية ، وفقهم الله تعالى لها ، فهداهم إليها وثبتهم عليها وزادهم منها ، { وَءَاتَـٰهُمْ تَقُوَاهُمْ } أي ألهمهم رشدهم . وقوله تعالى { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً } أي وهم غافلون عنها { فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا } أي أمارات اقترابها كقوله تبارك وتعالى { هَـٰذَا نَذِيرٌ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلأُوْلَىٰ أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ } النجم 56 ــــ 57 وكقوله جلت عظمته { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } الانشقاق 1 وقوله سبحانه وتعالى { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } النحل 1 وقوله جل وعلا { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَـٰبُهُمْ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } الأنبياء 1 فبعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة لأنه خاتم الرسل الذي أكمل الله تعالى به الدين وأقام به الحجة على العالمين . وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بأمارات الساعة وأشراطها ، وأبان عن ذلك وأوضحه بما لم يؤته نبي قبله ، كما هو مبسوط في موضعه . وقال الحسن البصري بعثة محمد صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة ، وهو كما قال ولهذا جاء في أسمائه صلى الله عليه وسلم أنه نبي التوبة ، ونبي الملحمة ، والحاشر الذي يحشر الناس على قدميه ، والعاقب الذي ليس بعده نبي . وقال البخاري حدثنا أحمد بن المقدام ، حدثنا فضيل بن سليمان ، حدثنا أبو حازم ، حدثنا سهل بن سعد رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بأصبعيه هكذا بالوسطى والتي تليها " بعثت أنا والساعة كهاتين " ثم قال تعالى { فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ } أي فكيف للكافرين بالتذكر إذا جاءتهم القيامة ، حيث لا ينفعهم ذلك ؟ كقوله تعالى { يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَـٰنُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } الفجر 23 . { وَقَالُوۤاْ ءَامَنَّا بِهِ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ } سبأ 52 . وقوله عز وجل { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلا ٱللَّهُ } هذا إخبار بأنه لا إله إلا الله ، ولا يتأتى كونه آمراً بعلم ذلك ، ولهذا عطف عليه قوله عز وجل { وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني ، اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطئي وعمدي ، وكل ذلك عندي " وفي الصحيح أنه كان يقول في آخر الصلاة " اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت ، وما أنت أعلم به مني ، أنت إلهي لا إله إلا أنت " وفي الصحيح أنه قال " ياأَيها الناس توبوا إلى ربكم فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة " . وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن عاصم الأحول قال سمعت عبد الله بن سرجس قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلت من طعامه ، فقلت غفر الله لك يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم " ولك " فقلت أستغفر لك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعم ولكم " وقرأ { وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } ثم نظرت إلى نُغض كتفه الأيمن ــــ أو كتفه الأيسر شعبة الذي شك ــــ فإذا هو كهيئة الجمع عليه الثآليل ، ورواه مسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عن عاصم الأحول به ، وفي الحديث الآخر الذي رواه أبو يعلى حدثنا محمد بن عون ، حدثنا عثمان بن مطر ، حدثنا عبد الغفور عن أبي نصيرة عن أبي رجاء عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار ، فأكثروا منهما فإن إبليس قال إنما أهلكت الناس بالذنوب ، وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار ، فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء ، فهم يحسبون أنهم مهتدون " وفي الأثر المروي " قال إبليس وعزتك وجلالك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم ، فقال الله عز وجل وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني " والأحاديث في فضل الاستغفار كثيرة جداً . وقوله تبارك وتعالى { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } أي يعلم تصرفكم في نهاركم ، ومستقركم في ليلكم كقوله تبارك وتعالى { وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّـٰكُم بِٱلَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ } الأنعام 60 وقوله سبحانه وتعالى { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ } هود 6 وهذا القول ذهب إليه ابن جريج وهو اختيار ابن جرير ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما متقلبكم في الدنيا ومثواكم في الآخرة ، وقال السدي متقلبكم في الدنيا ومثواكم في قبوركم ، والأول أولى وأظهر ، والله أعلم .