Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 1-2)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، حدثنا مسعر ، حدثني معن وعوف ، أو أحدهما ، أن رجلاً أتى عبد الله بن مسعود ، فقال اعهد إلي ، فقال إذا سمعت الله يقول { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } فارعها سمعك ، فإنه خير يأمر به ، أو شر ينهى عنه . وقال حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم ، حدثنا الوليد ، حدثنا الأوزاعي عن الزهري ، قال إذا قال الله { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } افعلوا ، فالنبي صلى الله عليه وسلم منهم ، وحدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا الأعمش عن خيثمة قال كل شيء في القرآن { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } فهو في التوراة يا أيها المساكين فأما ما رواه عن زيد بن إسماعيل الصائغ البغدادي ، حدثنا معاوية ، يعني ابن هشام ، عن عيسى بن راشد ، عن علي بن بذيمة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال ما في القرآن آية { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } إلا أن علياً سيدها وشريفها وأميرها ، وما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد إلا قد عوتب في القرآن ، إلا علي بن أبي طالب فإنه لم يعاتب في شيء منه ، فهو أثر غريب ، ولفظه فيه نكارة ، وفي إسناده نظر . وقال البخاري عيسى بن راشد هذا مجهول ، وخبره منكر ، قلت وعلي بن بذيمة وإن كان ثقة إلا أنه شيعي غال ، وخبره في مثل هذا فيه تهمة فلا يقبل ، وقوله فلم يبق أحد من الصحابة إلا عوتب في القرآن إلا علياً ، إنما يشير به إلى الآية الآمرة بالصدقة بين يدي النجوى ، فإنه قد ذكر غير واحد أنه لم يعمل بها أحد إلا علي ، ونزل قوله { أَءَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَٰكُمْ صَدَقَـٰتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } المجادلة 13 ، وفي كون هذا عتاباً نظر ، فإنه قد قيل إن الأمر كان ندباً لا إيجاباً ، ثم قد نسخ ذلك عنهم قبل الفعل ، فلم يصدر من أحد منهم خلافه ، وقوله عن علي إنه لم يعاتب في شيء من القرآن ، فيه نظر أيضاً فإن الآية التي في الأنفال التي فيها المعاتبة على أخذ الفداء ، عمت جميع من أشار بأخذه ، ولم يسلم منها إلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فعلم بهذا وبما تقدم ضعف هذا الأثر ، والله أعلم ، وقال ابن جرير حدثني المثنى ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا الليث ، حدثني يونس قال قال محمد بن مسلم قرأت كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران ، وكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم فيه " هذا بيان من الله ورسوله { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } فكتب الآيات منها حتى بلغ { إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } " وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد ، حدثنا يونس بن بكير ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثني عبد الله ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه ، قال هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن يفقه أهلها ويعلمهم السنة ، ويأخذ صدقاتهم ، فكتب له كتاباً وعهداً ، وأمره فيه بأمره ، فكتب " بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من الله ورسوله { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } عهد من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن ، أمره بتقوى الله في أمره كله ، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون " قوله تعالى { أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد يعني بالعقود العهود ، وحكى ابن جرير الإجماع على ذلك ، قال والعهود ما كانوا يتعاقدون عليه من الحلف وغيره . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } يعني العهود ، يعني ما أحل الله وما حرم وما فرض وما حد في القرآن كله ، ولا تغدروا ولا تنكثوا . ثم شدد في ذلك فقال تعالى { وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَـٰقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } الرعد 25 إلى قوله { سُوۤءُ ٱلدَّارِ } الرعد 25 . وقال الضحاك { أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } قال ما أحل الله وحرم ، وما أخذ الله من الميثاق على من أقر بالإيمان بالنبي والكتاب أن يوفوا بما أخذ الله عليهم من الفرائض من الحلال والحرام . وقال زيد بن أسلم { أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } قال هي ستة عهد الله ، وعقد الحلف ، وعقد الشركة ، وعقد البيع ، وعقد النكاح ، وعقد اليمين . وقال محمد بن كعب هي خمسة ، منها حلف الجاهلية ، وشركة المفاوضة . وقد استدل بعض من ذهب إلى أنه لا خيار في مجلس البيع بهذه الآية { أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } قال فهذا يدل على لزوم العقد وثبوته ، فيقتضي نفي خيار المجلس ، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك ، وخالفهما في ذلك الشافعي وأحمد والجمهور ، والحجة في ذلك ما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " البيعان بالخيار مالم يتفرقا " وفي لفظ آخر للبخاري " إذا تبايع الرجلان ، فكل واحد منهما بالخيار ، ما لم يتفرقا " وهذا صريح في إثبات خيار المجلس المتعقب لعقد البيع ، وليس هذا منافياً للزوم العقد ، بل هو من مقتضياته شرعاً ، فالتزامه من تمام الوفاء بالعقود . وقوله تعالى { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ } هي الإبل والبقر والغنم ، قاله أبو الحسن وقتادة وغير واحد ، قال ابن جرير وكذلك هو عند العرب ، وقد استدل ابن عمر وابن عباس وغير واحد بهذه الآية على إباحة الجنين إذا وجد ميتاً في بطن أمه إذا ذبحت ، وقد ورد في ذلك حديث في السنن رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من طريق مجالد عن أبي الوداك جبير بن نوفل ، عن أبي سعيد قال قلنا يا رسول الله ، ننحر الناقة ، ونذبح البقرة ، أو الشاة في بطنها الجنين ، أنلقيه أم نأكله ؟ فقال " كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه " وقال الترمذي حديث حسن ، قال أبو داود حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا عتاب بن بشير ، حدثنا عبيد الله بن أبي زياد القداح المكي عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال " ذكاة الجنين ذكاة أمه " تفرد به أبو داود . وقوله { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعني بذلك الميتة ، والدم ولحم الخنزير ، وقال قتادة يعني بذلك الميتة ، وما لم يذكر اسم الله عليه . والظاهر - والله أعلم - أن المراد بذلك قوله { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ } المائدة 3 فإن هذه ، وإن كانت من الأنعام ، إلا أنها تحرم بهذه العوارض ، ولهذا قال { إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } يعني منها فإنه حرام لا يمكن استدراكه وتلاحقه ، ولهذا قال تعالى { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } أي إلا ما سيتلى عليكم من تحريم بعضها في بعض الأحوال . وقوله تعالى { غَيْرَ مُحِلِّى ٱلصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ } قال بعضهم هذا منصوب على الحال ، والمراد بالأنعام ما يعم الإنسي من الإبل والبقر والغنم ، ويعم الوحشي كالظباء والبقر والحمر ، فاستثنى من الإنسي ما تقدم ، واستثنى من الوحشي الصيد في حال الإحرام . وقيل المراد أحللنا لكم الأنعام ، إلا ما استثني منها لمن التزم تحريم الصيد ، وهو حرام لقوله { فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } الأنعام 145 أي أبحنا تناول الميتة للمضطر ، بشرط أن يكون غير باغ ولا متعد ، وهكذا هنا ، أي كما أحللنا الأنعام في جميع الأحوال ، فحرموا الصيد في حال الإحرام ، فإن الله قد حكم بهذا ، وهو الحكيم في جميع ما يأمر به وينهى عنه ، ولهذا قال الله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ } ثم قال تعالى { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ } قال ابن عباس يعني بذلك مناسك الحج . وقال مجاهد الصفا والمروة ، والهدي والبدن ، من شعائر الله ، وقيل شعائر الله محارمه ، أي لا تحلوا محارم الله التي حرمها تعالى ، ولهذا قال تعالى { وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ } يعني بذلك تحريمه ، والاعتراف بتعظيمه ، وترك ما نهى الله عن تعاطيه فيه من الابتداء بالقتال ، وتأكيد اجتناب المحارم ، كما قال تعالى { يسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } البقرة 217 وقال تعالى { إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً } التوبة 36 الآية ، وفي صحيح البخاري عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ، السنة اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حرم ، ثلاث متواليات ذو العقدة وذو الحجة والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان " وهذا يدل على استمرار تحريمها إلى آخر وقت ، كما هو مذهب طائفة من السلف . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى { وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ } يعني لا تستحلوا القتال فيه ، وكذا قال مقاتل بن حيان وعبد الكريم بن مالك الجزري ، واختاره ابن جرير أيضاً ، وقد ذهب الجمهور إلى أن ذلك منسوخ ، وأنه يجوز ابتداء القتال في الأشهر الحرم ، واحتجوا بقوله تعالى { فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } التوبة 5 قالوا والمراد أشهر التسيير الأربعة ، قالوا فلم يستثن شهراً حراماً من غيره ، وقد حكى الإمام أبو جعفر الإجماع على أن الله قد أحل قتال أهل الشرك في الأشهر الحرم وغيرها من شهور السنة ، قال وكذلك أجمعوا على أن المشرك لو قلد عنقه أو ذراعيه بلحاء جميع أشجار الحرم ، لم يكن ذلك له أماناً من القتل إذا لم يكن تقدم له عقد ذمة من المسلمين أو أمان ، ولهذه المسألة بحث آخر له موضع أبسط من هذا . وقوله تعالى { وَلاَ ٱلْهَدْىَ وَلاَ ٱلْقَلَـٰئِدَ } يعني لا تتركوا الإهداء إلى البيت الحرام ، فإن فيه تعظيم شعائر الله ، ولا تتركوا تقليدها في أعناقها لتتميز به عما عداها من الأنعام ، وليعلم أنها هدي إلى الكعبة ، فيجتنبها من يريدها بسوء ، وتبعث من يراها على الإتيان بمثلها ، فإن من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ولهذا لما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم بات بذي الحليفة ، وهو وادي العقيق ، فلما أصبح طاف على نسائه ، وكن تسعاً ، ثم اغتسل وتطيب وصلى ركعتين ، ثم أشعر هديه وقلده ، وأهل للحج والعمرة ، وكان هديه إبلاً كثيرة تنيف على الستين من أحسن الأشكال والألوان ، كما قال تعالى { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَـٰئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } الحج 32 وقال بعض السلف إعظامها استحسانها واستسمانها ، قال علي بن أبي طالب أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن ، رواه أهل السنن . وقال مقاتل بن حيان وقوله { وَلاَ ٱلْقَلَـٰئِدَ } فلا تستحلوها ، وكان أهل الجاهلية إذا خرجوا من أوطانهم في غير الأشهر الحرم ، قلدوا أنفسهم بالشعر والوبر ، وتقلد مشركو الحرم من لحاء شجر الحرم ، فيأمنون به ، رواه ابن أبي حاتم ، ثم قال حدثنا محمد بن عمار ، حدثنا سعيد بن سليمان ، قال حدثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين ، عن الحكم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال نسخ من هذه السورة آيتان آية القلائد ، وقوله { فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } المائدة 42 . وحدثنا المنذر بن شاذان ، حدثنا زكريا بن عدي ، حدثنا محمد بن أبي عدي عن ابن عوف قال قلت للحسن نسخ من المائدة شيء ؟ قال لا ، وقال عطاء كانوا يتقلدون من شجر الحرم ، فيأمنون ، فنهى الله عن قطع شجره . وكذا قال مطرف بن عبد الله . وقوله تعالى { وَلاۤ ءَامِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَٰناً } أي ولا تستحلوا قتال القاصدين إلى بيت الله الحرام الذي من دخله كان آمناً ، وكذا من قصده طالباً فضل الله وراغباً في رضوانه ، فلا تصدوه ولا تمنعوه ولا تهيجوه . قال مجاهد وعطاء وأبو العالية ومطرف بن عبد الله وعبد الله بن عبيد بن عمير والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وقتادة وغير واحد في قوله { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ } يعني بذلك التجارة ، وهذا كما تقدم في قوله { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } البقرة 198 . وقوله { وَرِضْوَٰناً } قال ابن عباس يترضون الله بحجهم . وقد ذكر عكرمة والسدي وابن جرير أن هذه الآية نزلت في الحطم بن هند البكري ، كان قد أغار على سرح المدينة ، فلما كان من العام المقبل ، اعتمر إلى البيت ، فأراد بعض الصحابة أن يعترضوا عليه في طريقه إلى البيت ، فأنزل الله عز وجل { وَلاۤ ءَامِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَٰناً } . وقد حكى ابن جرير الإجماع على أن المشرك يجوز قتله إذا لم يكن له أمان ، وإن أم البيت الحرام ، أو بيت المقدس ، وأن هذا الحكم منسوخ في حقهم ، والله أعلم . فأما من قصده بالإلحاد فيه ، والشرك عنده ، والكفر به ، فهذا يمنع ، قال تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } التوبة 28 ولهذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تسع - لما أمَّر الصديق على الحجيج - علياً ، وأمره أن ينادي على سبيل النيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة ، وأن لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان . وقال ابن أبي طلحة عن ابن عباس قوله { وَلاۤ ءَامِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ } يعني من توجه قبل البيت الحرام . فكان المؤمنون والمشركون يحجون ، فنهى الله المؤمنين أن يمنعوا أحداً من مؤمن أو كافر ، ثم أنزل الله بعدها { إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } التوبة 28 الآية ، وقال تعالى { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله } التوبة 17 وقال { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلاَْخِرِ } التوبة 18 فنفى المشركين من المسجد الحرام . وقال عبد الرزاق حدثنا معمر عن قتادة في قوله { وَلاَ ٱلْقَلَـٰئِدَ وَلاۤ ءَامِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ } قال منسوخ ، كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج ، تقلد من الشجر ، فلم يعرض له أحد ، فإذا رجع ، تقلد قلادة من شعر ، فلم يعرض له أحد ، وكان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت ، فأمروا أن لا يقاتلوا في الشهر الحرام ، ولا عند البيت ، فنسخها قوله { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } التوبة 5 وقد اختار ابن جرير أن المراد بقوله { وَلاَ ٱلْقَلَـٰئِدَ } يعني إن تقلدوا قلادة من الحرم ، فأمّنوهم ، قال ولم تزل العرب تعير من أخفر ذلك ، قال الشاعر @ ألَمْ تَقْتُلا الحرجينِ إذ أَعْورا لكم يُمِرّانِ الأيدي اللِّحاءَ المُضَفَّرا @@ وقوله تعالى { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَـٰدُواْ } أي إذا فرغتم من إحرامكم ، وأحللتم منه ، فقد أبحنا لكم ما كان محرماً عليكم في حال الإحرام من الصيد ، وهذا أمر بعد الحظر ، والصحيح الذي يثبت على السبر ، أنه يرد الحكم إلى ما كان عليه قبل النهي ، فإن كان واجباً ، رده واجباً ، وإن كان مستحباً ، فمستحب ، أو مباحاً ، فمباح ، ومن قال إنه على الوجوب ، ينتقض عليه بآيات كثيرة ، ومن قال إنه للإباحة ، يرد عليه آيات أخرى ، والذي ينتظم الأدلة كلها هذا الذي ذكرناه كما اختاره بعض علماء الأصول ، والله أعلم . وقوله { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ } من القراء من قرأ أن صدوكم ، بفتح الألف من أن ، ومعناها ظاهر ، أي لا يحملنكم بغض قوم قد كانوا صدوكم عن الوصول إلى المسجد الحرام ، وذلك عام الحديبية ، على أن تعتدوا حكم الله فيهم ، فتقتصوا منهم ظلماً وعدواناً ، بل احكموا بما أمركم الله به من العدل في حق كل أحد ، وهذه الآية كما سيأتي من قوله { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } أي لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فإن العدل واجب على كل أحد ، في كل أحد ، في كل حال ، وقال بعض السلف ما عاملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه . والعدل به قامت السموات والأرض . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا سهل بن عثمان ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، عن زيد بن أسلم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية وأصحابه ، حين صدهم المشركون عن البيت ، وقد اشتد ذلك عليهم ، فمر بهم أناس من المشركين من أهل المشرق يريدون العمرة ، فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نصد هؤلاء كما صدنا أصحابهم ، فأنزل الله هذه الآية ، والشنآن هو البغض ، قاله ابن عباس وغيره ، وهو مصدر من شنأته أشنؤه شنآناً بالتحريك ، مثل قولهم جمزان ودرجان ورقلان ، من جمز ودرج ورقل ، وقال ابن جرير من العرب من يسقط التحريك في شنآن ، فيقول شنان ، ولم أعلم أحداً قرأ بها . ومنه قول الشاعر @ وما العيشُ إلا ما تُحِبُّ وتَشْتَهي وإنْ لامَ فيهِ ذو الشَّنانِ وفَنَّدا @@ وقوله تعالى { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ } يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات ، وهو البر ، وترك المنكرات ، وهو التقوى ، وينهاهم عن التناصر على الباطل ، والتعاون على المآثم والمحارم ، قال ابن جرير الإثم ترك ما أمر الله بفعله ، والعدوان مجاوزة ما حد الله في دينكم ، ومجاوزة ما فرض الله عليكم في أنفسكم وفي غيركم . وقد قال الإمام أحمد حدثنا هشيم ، حدثنا عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن جده أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً " قيل يا رسول الله ، هذا نصرته مظلوماً ، فكيف أنصره إذا كان ظالماً ؟ قال " تحجزه وتمنعه من الظلم ، فذاك نصره " انفرد به البخاري من حديث هشيم به نحوه ، وأخرجاه من طريق ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً " قيل يا رسول الله ، هذا نصرته مظلوماً ، فكيف أنصره ظالماً ؟ قال " تمنعه من الظلم ، فذاك نصرك إياه " وقال أحمد حدثنا يزيد ، حدثنا سفيان بن سعيد ، عن الأعمش ، عن يحيى بن وثاب ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال " المؤمن الذي يخالط الناس ، ويصبر على أذاهم ، أعظم أجراً من الذي لا يخالط الناس ، ولا يصبر على أذاهم " وقد رواه أحمد أيضاً في مسند عبد الله بن عمر ، حدثنا حجاج ، حدثنا شعبة عن الأعمش ، عن يحيى بن وثاب ، عن شيخ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " المؤمن الذي يخالط الناس ، ويصبر على أذاهم ، خير من الذي لا يخالطهم ، ولا يصبر على أذاهم " وهكذا رواه الترمذي من حديث شعبة ، وابن ماجه من طريق إسحاق بن يوسف ، كلاهما عن الأعمش به . وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن محمد أبو شيبة الكوفي ، حدثنا بكر بن عبد الرحمن ، حدثنا عيسى بن المختار عن ابن أبي ليلى ، عن فضيل بن عمرو ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الدال على الخير كفاعله " ثم قال لا نعلمه يروى إلا بهذا الإسناد ، قلت وله شاهد في الصحيح " من دعا إلى هدًى ، كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه إلى يوم القيامة ، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ، ومن دعا إلى ضلالة ، كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه إلى يوم القيامة ، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً " وقال أبو القاسم الطبراني حدثنا عمرو بن إسحاق بن إبراهيم العلاء بن زبريق الحمصي ، حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن الحارث عن عبد الله بن سالم عن الزبيدي ، قال عباس بن يونس إن أبا الحسن نمران بن صخمر ، حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من مشى مع ظالم ليعينه ، وهو يعلم أنه ظالم ، فقد خرج من الإسلام " .