Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 35-37)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين بتقواه ، وهي إذا قرنت بطاعته ، كان المراد بها الانكفاف عن المحارم وترك المنهيات ، وقد قال بعدها { وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ } قال سفيان الثوري ، عن طلحة عن عطاء ، عن ابن عباس أي القربة ، وكذا قال مجاهد وأبو وائل والحسن وقتادة وعبد الله بن كثير والسدي وابن زيد وغير واحد . وقال قتادة أي تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه ، وقرأ ابن زيد { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ } وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه . وأنشد عليه ابن جرير قول الشاعر @ إذا غَفَل الواشونَ عُدْنا لِوَصْلِنا وعادَ التَّصافي بَيْنَنا والوَسائِلُ @@ والوسيلة هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود ، والوسيلة أيضاً عَلَم على أعلى منزلة في الجنة ، وهي منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وداره في الجنة ، وهي أقرب أمكنة الجنة إلى العرش ، وقد ثبت في صحيح البخاري من طريق محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قال حين يسمع النداء اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، آت محمداً الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة " حديث آخر في صحيح مسلم من حديث كعب بن علقمة ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن عبد الله ابن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول " إذا سمعتم المؤذن ، فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علي ، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشراً ، ثم سلوا لي الوسيلة ، فإنها منزلة في الجنة ، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة " حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا سفيان عن ليث ، عن كعب ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا صليتم علي ، فسلوا لي الوسيلة " قيل يا رسول الله ، وما الوسيلة ؟ قال « أعلى درجة في الجنة ، لا ينالها إلا رجل واحد ، وأرجو أن أكون أنا هو » . ورواه الترمذي عن بندار ، عن أبي عاصم ، عن سفيان الثوري ، عن ليث بن أبي سليم ، عن كعب قال حدثني أبو هريرة ، ثم قال غريب ، وكعب ليس بمعروف ، لا نعرف أحداً روى عنه غير ليث بن أبي سليم . حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه . قال أبو بكر بن مردويه حدثنا عبد الباقي بن قانع ، حدثنا محمد بن نصر الترمذي ، حدثنا عبد الحميد بن صالح ، حدثنا ابن شهاب عن ليث ، عن المعلى ، عن محمد بن كعب ، عن أبي هريرة ، رفعه ، قال " صلوا علي صلاتكم ، وسلوا الله لي الوسيلة " فسألوه ، أو أخبرهم أن الوسيلة درجة في الجنة ، ليس ينالها إلا رجل واحد ، وأرجو أن أكون هو . حديث آخر قال الحافظ أبو القاسم الطبراني أخبرنا أحمد بن علي الأبار ، حدثنا الوليد بن عبدالملك الحراني ، حدثنا موسى بن أعين عن ابن أبي ذئب ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سلوا الله لي الوسيلة فإنه لم يسألها لي عبد في الدنيا ، إلا كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة " ، ثم قال الطبراني لم يروه عن ابن أبي ذئب إلا موسى بن أعين ، كذا قال . وقد رواه ابن مردويهحدثنا محمد بن علي بن دحيم ، حدثنا أحمد بن حازم ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، حدثنا موسى ابن عبيدة ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، فذكر بإسناده نحوه . حديث آخر روى ابن مردويه بإسناده عن عمارة بن غزية ، عن موسى بن وردان أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الوسيلة درجة عند الله ، ليس فوقها درجة ، فسلوا الله أن يؤتيني الوسيلة على خلقه " حديث آخر - روى ابن مردويه أيضاً من طريقين عن عبد الحميد بن بحر ، حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث عن علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " في الجنة درجة تدعى الوسيلة ، فإذا سألتم الله ، فسلوا لي الوسيلة " قالوا يا رسول الله ، من يسكن معك ؟ قال " علي وفاطمة والحسن والحسين " هذا حديث غريب منكر من هذا الوجه ، وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا الحسن الدشتكي ، حدثنا أبو زهير ، حدثنا سعيد بن طريف عن علي بن الحسين الأزدي مولى سالم بن ثوبان ، قال سمعت علي بن أبي طالب ينادي على منبر الكوفة يا أيها الناس ، إن في الجنة لؤلؤتين إحداهما بيضاء ، والأخرى صفراء ، أما البيضاء ، فإنها إلى بطنان العرش ، والمقام المحمود من اللؤلؤة البيضاء سبعون ألف غرفة ، كل بيت منها ثلاثة أميال ، وغرفها وأبوابها وأسرتها وسكانها من عرق واحد ، واسمها الوسيلة ، هي لمحمد صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ، والصفراء فيها مثل ذلك ، هي لإبراهيم عليه السلام وأهل بيته ، وهذا أثر غريب أيضاً . وقوله { وَجَـٰهِدُواْ فِى سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } لما أمرهم بترك المحارم وفعل الطاعات ، أمرهم بقتال الأعداء من الكفار والمشركين الخارجين عن الطريق المستقيم ، والتاركين للدين القويم ، ورغبهم في ذلك بالذي أعده للمجاهدين في سبيله يوم القيامة من الفلاح ، والسعادة العظيمة الخالدة المستمرة التي لا تبيد ولا تحول ولا تزول في الغرف العالية الرفيعة الآمنة ، الحسنة مناظرها ، الطيبة مساكنها ، التي من سكنها ينعم لا يبأس ، ويحيا لا يموت ، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه . ثم أخبر تعالى بما أعد لأعدائه الكفار من العذاب والنكال يوم القيامة فقال { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي لو أن أحدهم جاء يوم القيامة بملء الأرض ذهباً ، وبمثله ليفتدي بذلك من عذاب الله الذي قد أحاط به ، وتيقن وصوله إليه ، ما تقبل ذلك منه ، بل لا مندوحة عنه ، ولا محيص ولا مناص ، ولهذا قال { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي موجع { يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَـٰرِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } كما قال تعالى { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا } الآية ، فلا يزالون يريدون الخروج مما هم فيه من شدته وأليم مسه ، ولا سبيل لهم إلى ذلك ، وكلما رفعهم اللهب ، فصاروا في أعلى جهنم ، ضربتهم الزبانية بالمقامع الحديد ، فيردوهم إلى أسفلها ، { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } أي دائم مستمر ، لا خروج لهم منها ، ولا محيد لهم عنها . وقد قال حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يؤتى بالرجل من أهل النار ، فيقال له يا بن آدم كيف وجدت مضجعك ؟ فيقول شر مضجع ، فيقال هل تفتدي بقراب الأرض ذهباً ؟ قال فيقول نعم يا رب ، فيقول الله كذبت ، قد سألتك أقل من ذلك فلم تفعل ، فيؤمر به إلى النار " رواه مسلم والنسائي من طريق حماد بن سلمة بنحوه ، وكذا رواه البخاري ومسلم من طريق معاذ بن هشام الدستوائي عن أبيه عن قتادة عن أنس به ، وكذا أخرجاه من طريق أبي عمران الجوني ، واسمه عبد الملك بن حبيب ، عن أنس بن مالك به ، ورواه مطر الوراق عن أنس بن مالك ، ورواه ابن مردويه من طريقه عنه . ثم روى ابن مردويه من طريق المسعودي عن يزيد بن صهيب الفقير ، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يخرج من النار قوم ، فيدخلون الجنة " قال فقلت لجابر بن عبد الله يقول الله { يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَـٰرِجِينَ مِنْهَا } قال اتل أول الآية { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ } الآية ، ألا إنهم الذين كفروا . وقد روى الإمام أحمد ومسلم هذا الحديث من وجه آخر عن يزيد الفقير ، عن جابر ، وهذا أبسط سياقاً ، وقال ابن أبي حاتم حدثنا الحسين بن محمد بن شنبة الواسطي ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا مبارك بن فضالة ، حدثني يزيد الفقير قال جلست إلى جابر بن عبد الله وهو يحدث ، فحدث أن ناساً يخرجون من النار ، قال وأنا يومئذ أنكر ذلك ، فغضبت وقلت ما أعجب من الناس ، ولكن أعجب منكم يا أصحاب محمد تزعمون أن الله يخرج ناساً من النار ، والله يقول { يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَـٰرِجِينَ مِنْهَا } الآية ، فانتهرني أصحابه ، وكان أحلمهم ، فقال دعوا الرجل ، إنما ذلك للكفار ، فقرأ { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } حتى بلغ { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } أما تقرأ القرآن ؟ قلت بلى ، قد جمعته ، قال أليس الله يقول { وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا } ؟ فهو ذلك المقام ، فإن الله تعالى يحتبس أقواماً بخطاياهم في النار ما شاء ، لا يكلمهم ، فإذا أراد أن يخرجهم ، أخرجهم ، قال فلم أعد بعد ذلك إلى أن أكذب به . ثم قال ابن مردويه حدثنا دعلج بن أحمد ، حدثنا عمرو بن حفص السدوسي ، حدثنا عاصم بن عليّ ، أخبرنا العباس بن الفضل ، حدثنا سعيد بن المهلب ، حدثني طلق بن حبيب قال كنت من أشد الناس تكذيباً بالشفاعة ، حتى لقيت جابر بن عبد الله ، فقرأت عليه كل آية أقدر عليها ، يذكر الله فيها خلود أهل النار ، فقال يا طلق ، أتراك أقرأ لكتاب الله وأعلم بسنة رسول الله مني ؟ إن الذين قرأت هم أهلها ، هم المشركون ، ولكن هؤلاء قوم أصابوا ذنوباً فعذبوا ، ثم أخرجوا منها ، ثم أهوى بيديه إلى أذنيه ، فقال صمّتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يخرجون من النار بعدما دخلوا " ونحن نقرأ كما قرأت .