Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 57-58)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا تنفير من موالاة أعداء الإسلام وأهله من الكتابيين والمشركين ، الذين يتخذون أفضل ما يعمله العاملون ، وهي شرائع الإسلام المطهرة المحكمة ، المشتملة على كل خير دنيوي وأخروي ، يتخذونها هزواً يستهزئون بها ، ولعباً يعتقدون أنها نوع من اللعب في نظرهم الفاسد ، وفكرهم البارد ، كما قال القائل @ وكَمْ مِنْ عائِبٍ قَوْلاً صَحِيحاً وآفَتُهُ من الفَهْمِ السَّقِيمِ @@ وقوله تعالى { مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَٱلْكُفَّارَ } من ههنا لبيان الجنس كقوله { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَـٰنِ } وقرأ بعضهم والكفار ، بالخفض عطفاً ، وقرأ آخرون بالنصب على أنه معمول { لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ } تقديره ولا { وَٱلْكُفَّارَ أَوْلِيَآءَ } أي لا تتخذوا هؤلاء ولا هؤلاء أولياء ، والمراد بالكفار ههنا المشركون ، وكذلك وقع في قراءة ابن مسعود فيما رواه ابن جرير { لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا } . وقوله { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } أي اتقوا الله أن تتخذوا هؤلاء الأعداء لكم ولدينكم أولياء ، إن كنتم مؤمنين بشرع الله الذي اتخذه هؤلاء هزواً ولعباً ، كما قال تعالى { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَىْءٍ إِلاَ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً وَيُحَذِّرْكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } آل عمران 28 . وقوله { وَإِذَا نَـٰدَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً } أي وكذلك إذا أذنتم داعين إلى الصلاة التي هي أفضل الأعمال لمن يعقل ويعلم من ذوي الألباب { ٱتَّخَذُوهَا } أيضاً { هُزُواً وَلَعِباً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } معاني عبادة الله وشرائعه ، وهذه صفات أتباع الشيطان الذي إذا سمع الأذان أدبر وله حصاص ، أي ضراط ، حتى لا يسمع التأذين ، فإذا قضي التأذين ، أقبل ، فإذا ثوب للصلاة ، أدبر ، فإذا قضي التثويب ، أقبل ، حتى يخطر بين المرء وقلبه ، فيقول اذكر كذا ، اذكر كذا ، لما لم يكن يذكر ، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى ، فإذا وجد أحدكم ذلك ، فليسجد سجدتين قبل السلام » متفق عليه ، وقال الزهري قد ذكر الله التأذين في كتابه ، فقال { وَإِذَا نَـٰدَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } رواه ابن أبي حاتم . وقال أسباط عن السدي في قوله { وَإِذَا نَـٰدَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً } قال كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سمع المنادي ينادي أشهد أن محمداً رسول الله ، قال حرق الكاذب ، فدخلت خادمة ليلة من الليالي بنار ، وهو نائم ، وأهله نيام ، فسقطت شرارة فأحرقت البيت ، فاحترق هو وأهله ، رواه ابن جرير و ابن أبي حاتم . وذكر محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دخل الكعبة عام الفتح ، ومعه بلال ، فأمره أن يؤذن ، وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة ، فقال عتاب بن أسيد لقد أكرم الله أسيداً أن لا يكون سمع هذا ، فيسمع منه ما يغيظه ، وقال الحارث بن هشام أما والله لو أعلم أنه محق لاتبعته ، فقال أبو سفيان لا أقول شيئاً ، لو تكلمت ، لأخبرت عني هذه الحصى ، فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال " قد علمت الذي قلتم " ثم ذكر ذلك لهم ، فقال الحارث وعتاب نشهد أنك رسول الله ، ما اطلع على هذا أحد كان معنا فنقول أخبرك . وقال الإمام أحمد حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا ابن جريج ، أخبرنا عبد العزيز بن عبد الملك ابن أبي محذورة ، أن عبد الله بن محيريز أخبره ، وكان يتيماً في حجر أبي محذورة ، قال قلت لأبي محذورة يا عم ، إني خارج إلى الشام ، وأخشى أن أسأل عن تأذينك ، فأخبرني أن أبا محذورة قال له نعم ، خرجت في نفر ، وكنا في بعض طريق حنين ، مقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين ، فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق ، فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسمعنا صوت المؤذن ونحن متنكبون ، فصرخنا نحكيه ونستهزىء به ، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسل إلينا إلى أن وقفنا بين يديه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع " ؟ فأشار القوم كلهم إليّ ، وصدقوا ، فأرسل كلهم ، وحبسني ، وقال " قم فأذن " فقمت ولا شيء أكره إليّ ، من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا مما يأمرني به ، فقمت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فألقى عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، التأذين هو بنفسه ، قال " قل الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله ، أشهد أن محمداً رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة ، حي على الفلاح حي على الفلاح ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله " ثم دعاني حين قضيت التأذين ، فأعطاني صرة فيها شيء من فضة ، ثم وضع يده على ناصية أبي محذورة ، ثم أمَرَّها على وجهه ، ثم بين ثدييه ، ثم على كبده ، حتى بلغت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سرة أبي محذورة ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بارك الله فيك ، وبارك عليك " فقلت يا رسول الله ، مرني بالتأذين بمكة ، فقال " قد أمرتك به " ، وذهب كل شيء كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كراهة ، وعاد ذلك كله محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخبرني ذلك من أدركت من أهلي ممن أدرك أبا محذورة على نحو ما أخبرني عبد الله بن محيريز ، هكذا رواه الإمام أحمد ، وقد أخرجه مسلم في صحيحه ، وأهل السنن الأربعة من طريق عبد الله ابن محيريز عن أبي محذورة ، واسمه سمرة بن معير ابن لوذان ، أحد مؤذني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الأربعة ، وهو مؤذن أهل مكة ، وامتدت أيامه رضي الله عنه وأرضاه .