Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 78-81)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى أنه لعن الكافرين من بني إسرائيل من دهر طويل فيما أنزله على داود نبيه عليه السلام ، وعلى لسان عيسى بن مريم بسبب عصيانهم لله ، واعتدائهم على خلقه . قال العوفي ، عن ابن عباس لعنوا في التوراة والإنجيل وفي الزبور وفي الفرقان ، ثم بين حالهم فيما كانوا يعتمدونه في زمانهم ، فقال تعالى { كَانُواْ لاَ يَتَنَـٰهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } أي كان لا ينهى أحد منهم أحداً عن ارتكاب المآثم والمحارم ، ثم ذمهم على ذلك ليحذر أن يرتكب مثل الذي ارتكبوه ، فقال { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } ، وقال الإمام أحمد رحمه الله حدثنا يزيد ، حدثنا شريك بن عبد الله عن علي بن بذيمة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي ، نهتهم علماؤهم ، فلم ينتهوا فجالسوهم في مجالسهم " قال يزيد وأحسبه قال " وأسواقهم ، وواكلوهم وشاربوهم ، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ، { ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً ، فجلس فقال " لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطراً " . وقال أبو داود حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، حدثنا يونس بن راشد عن علي بن بذيمة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ، ودع ما تصنع ، فإنه لا يحل لك ، ثم يلقاه من الغد ، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده ، فلما فعلوا ذلك ، ضرب الله قلوب بعضهم ببعض - ثم قال - { لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } إلى قوله { فَـٰسِقُونَ } - ثم قال - كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، ولتأخذن على يد الظالم ، ولتأطرنه على الحق أطراً ، أو تقصرنه على الحق قصراً " ، وكذا رواه الترمذي وابن ماجه من طريق علي بن بذيمة به ، وقال الترمذي حسن غريب ، ثم رواه هو وابن ماجه عن بندار ، عن ابن مهدي ، عن سفيان ، عن علي بن بذيمة ، عن أبي عبيدة مرسلاً . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج ، وهارون بن إسحاق الهمداني ، قالا حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن العلاء بن المسيب ، عن عبد الله بن عمرو بن مرة ، عن سالم الأفطس ، عن ابن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذنب ، نهاه عنه تعذيراً ، فإذا كان من الغد ، لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وخليطه وشريكه " وفي حديث هارون " وشريبه " ، ثم اتفقا في المتن " فلما رأى الله ذلك منهم ، ضرب قلوب بعضهم على بعض ، ولعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى بن مريم ، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، ولتأخذن على يد المسيء ، ولتأطرنه على الحق أطراً ، أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض ، أو ليلعنكم كما لعنهم " والسياق لأبي سعيد ، كذا قال في رواية هذا الحديث ، وقد رواه أبو داود أيضاً عن خلف بن هشام ، عن أبي شهاب الخياط ، عن العلاء بن المسيب ، عن عمرو بن مرة ، عن سالم ، وهو ابن عجلان الأفطس ، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ، ثم قال أبو داود كذا رواه خالد عن العلاء ، عن عمرو بن مرة به ، ورواه المحاربي عن العلاء بن المسيب ، عن عبد الله بن عمرو بن مرة ، عن سالم الأفطس ، عن أبي عبيدة عن عبد الله . قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي وقد رواه خالد بن عبد الله الواسطي عن العلاء بن المسيب ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي موسى . والأحاديث في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة جداً ، ولنذكر منها ما يناسب هذا المقام قد تقدم حديث جابر عند قوله { لَوْلاَ يَنْهَـٰهُمُ ٱلرَّبَّـٰنِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ } وسيأتي عند قوله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } المائدة 105 حديث أبي بكر الصديق وأبي ثعلبة الخشني ، فقال الإمام أحمد حدثنا سليمان الهاشمي ، أنبأنا إسماعيل بن جعفر ، أخبرني عمرو بن أبي عمرو عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي ، عن حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم " ، ورواه الترمذي عن علي بن حجر عن إسماعيل بن جعفر به ، وقال هذا حديث حسن . وقال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا معاوية بن هشام عن هشام بن سعد ، عن عمرو بن عثمان ، عن عاصم بن عمر بن عثمان ، عن عروة ، عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " مروا بالمعروف ، وانهوا عن المنكر ، قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم " تفرد به ، وعاصم هذا مجهول . وفي الصحيح من طريق الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه ، عن أبي سعيد ، وعن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم . وقال الإمام أحمد حدثنا ابن نمير ، حدثنا سيف ، هو ابن أبي سليمان ، سمعت عدي بن عدي الكندي يحدث عن مجاهد قال حدثني مولى لنا أنه سمع جدي ، يعني عدي بن عميرة رضي الله عنه ، يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول " إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم ، وهم قادرون على أن ينكروه ، فلا ينكرونه ، فإذا فعلوا ذلك ، عذب الله الخاصة والعامة " ، ثم رواه أحمد عن أحمد بن الحجاج ، عن عبد الله بن المبارك ، عن سيف بن أبي سليمان ، عن عدي بن عدي الكندي ، حدثني مولى لنا أنه سمع جدي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، فذكره ، هكذا رواه الإمام أحمد من هذين الوجهين . قال أبو داود حدثنا محمد بن العلاء ، حدثنا أبو بكر ، حدثنا المغيرة بن زياد الموصلي عن عدي بن عدي ، عن العرس ، يعني ابن عميرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا عملت الخطيئة في الأرض ، كان من شهدها فكرهها ، - وقال مرة فأنكرها - كان كمن غاب عنها ، ومن غاب عنها فرضيها ، كان كمن شهدها " تفرد به أبو داود ، ثم رواه عن أحمد بن يونس ، عن ابن شهاب ، عن مغيرة بن زياد ، عن عدي بن عدي مرسلاً . وقال أبو داود حدثنا سليمان بن حرب وحفص بن عمر ، قالا حدثنا شعبة ، وهذا لفظه ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري قال أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم وقال سليمان حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لن يهلك الناس حتى يعذروا ، أو يعذروا من أنفسهم " وقال ابن ماجه حدثنا عمران بن موسى ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا علي بن زيد بن جدعان ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قام خطيباً ، فكان فيما قال " ألا لا يمنعن رجلاً هيبة الناس أن يقول الحق إذا علمه " قال فبكى أبو سعيد ، وقال قد والله رأينا أشياء فهبنا . وفي حديث إسرائيل عن محمد بن جحادة عن عطية عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر " و رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ، وقال الترمذي حسن غريب من هذا الوجه . وقال ابن ماجه حدثنا راشد بن سعيد الرملي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا حماد بن سلمة عن أبي غالب ، عن أبي أمامة قال عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، رجل عند الجمرة الأولى ، فقال يا رسول الله ، أي الجهاد أفضل ؟ فسكت عنه ، فلما رمى الجمرة الثانية سأله فسكت عنه ، فلما رمى جمرة العقبة ، ووضع رجله في الغرز ليركب ، قال " أين السائل ؟ " قال أنا يا رسول الله ، قال " كلمة حق تقال عند ذي سلطان جائر " تفرد به . وقال ابن ماجه حدثنا أبو كريب ، حدثنا عبد الله بن نمير وأبو معاوية عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحقر أحدكم نفسه " قالوا يا رسول الله ، كيف يحقر أحدنا نفسه ؟ قال " يرى أمر الله فيه مقال ، ثم لا يقول فيه ، فيقول الله له يوم القيامة ما منعك أن تقول في كذا وكذا وكذا ؟ فيقول خشية الناس ، فيقول فإياي كنت أحق أن تخشى " تفرد به ، وقال أيضاً حدثنا علي بن محمد ، حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا عبد الله ابن عبدالرحمن أبو طوالة ، حدثنا نهار العبدي أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الله يسأل العبد يوم القيامة حتى يقول ما منعك إذا رأيت المنكر أن تنكره ؟ فإذا لقن الله عبداً حجته قال يا رب رجوتك ، وفرقت الناس " تفرد به أيضاً ابن ماجه ، وإسناده لا بأس به . وقال الإمام أحمد حدثنا عمرو بن عاصم عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن الحسن ، عن جندب ، عن حذيفة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا ينبغي لمسلم أن يذل نفسه " قيل وكيف يذل نفسه ؟ قال " يتعرض من البلاء لما لا يطيق " ، وكذا رواه الترمذي وابن ماجه جميعاً عن محمد بن بشار ، عن عمرو بن عاصم به ، وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب . وقال ابن ماجه حدثنا العباس بن الوليد الدمشقي ، حدثنا زيد بن يحيى ابن عبيد الخزاعي ، حدثنا الهيثم بن حميد ، حدثنا أبو معبد حفص بن غيلان الرعيني عن مكحول ، عن أنس بن مالك قال قيل يا رسول الله ، متى يترك الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ؟ قال " إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم " قلنا يا رسول الله ، وما ظهر في الأمم قبلنا ؟ قال " الملك في صغاركم ، والفاحشة في كباركم ، والعلم في رذالكم " قال زيد تفسير معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم " والعلم في رذالكم " إذا كان العلم في الفساق ، تفرد به ابن ماجة ، وسيأتي في حديث أبي ثعلبة عند قوله { لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } المائدة 105 شاهد لهذا ، إن شاء الله تعالى وبه الثقة . وقوله تعالى { تَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } قال مجاهد يعني بذلك المنافقين . وقوله { لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ } يعني بذلك موالاتهم للكافرين ، وتركهم موالاة المؤمنين التي أعقبتهم نفاقاً في قلوبهم ، وأسخطت الله عليهم سخطاً مستمراً إلى يوم معادهم ، ولهذا قال { أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } وفسر بذلك ما ذمهم به ، ثم أخبر عنهم أنهم { وَفِى ٱلْعَذَابِ هُمْ خَـٰلِدُونَ } يعني يوم القيامة . قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا مسلم بن علي عن الأعمش بإسناد ذكره ، قال " يا معشر المسلمين ، إياكم والزنا ، فإن فيه ست خصال ثلاثاً في الدنيا ، وثلاثاً في الآخرة ، فأما التي في الدنيا فإنه يذهب البهاء ، ويورث الفقر ، وينقص العمر ، وأما التي في الآخرة ، فإنه يوجب سخط الرب ، وسوء الحساب ، والخلود في النار " ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِى ٱلْعَذَابِ هُمْ خَـٰلِدُونَ } هكذا ذكره ابن أبي حاتم . وقد رواه ابن مردويه من طريق هشام بن عمار عن مسلمة ، عن الأعمش ، عن شقيق ، عن حذيفة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره ، وساقه أيضاً من طريق سعيد بن غفير عن مسلمة ، عن أبي عبد الرحمن الكوفي ، عن الأعمش ، عن شقيق ، عن حذيفة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله ، وهذا حديث ضعيف على كل حال ، والله أعلم . وقوله تعالى { وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالْلهِ والنَّبِىِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ } أي لو آمنوا حق الإيمان بالله والرسول والقرآن ، لما ارتكبوا ما ارتكبوه من موالاة الكافرين في الباطن ، ومعاداة المؤمنين بالله والنبي وما أنزل إليه ، { وَلَـٰكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ } أي خارجون عن طاعة الله ورسوله ، مخالفون لآيات وحيه وتنزيله .