Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 87-88)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس نزلت هذه الآية في رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قالوا نقطع مذاكيرنا ، ونترك شهوات الدنيا ، ونسيح في الأرض كما يفعل الرهبان ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فأرسل إليهم ، فذكر لهم ذلك ، فقالوا نعم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لكني أصوم وأفطر ، وأصلي ، وأنام ، وأنكح النساء ، فمن أخذ بسنتي فهو مني ، ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني " رواه ابن أبي حاتم ، وروى ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس نحو ذلك ، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، عن عمله في السر ، فقال بعضهم لا آكل اللحم ، وقال بعضهم لا أتزوج النساء ، وقال بعضهم لا أنام على الفراش ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال " ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا ؟ لكني أصوم وأفطر ، وأنام وأقوم ، وآكل اللحم ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني " وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن عصام الأنصاري ، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد ، عن عثمان ، يعني ابن سعد ، أخبرني عكرمة عن ابن عباس أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ، إني إذا أكلت من هذا اللحم انتشرت إلى النساء ، وإني حرمت عليّ اللحم ، فنزلت { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَـٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ } . وكذا رواه الترمذي وابن جرير جميعاً عن عمرو ابن علي الفلاس ، عن أبي عاصم النبيل ، به . وقال حسن غريب . وقد روي من وجه آخر مرسلاً ، وروي موقوفاً على ابن عباس ، فالله أعلم . وقال سفيان الثوري ووكيع عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن عبد الله بن مسعود ، قال كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس معنا نساء ، فقلنا ألا نستخصي ؟ فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، ورخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثم قرأ عبد الله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَـٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ } الآية ، أخرجاه من حديث إسماعيل ، وهذا كان قبل تحريم نكاح المتعة ، والله أعلم . وقال الأعمش عن إبراهيم ، عن همام بن الحارث ، عن عمرو بن شرحبيل ، قال جاء معقل بن مقرن إلى عبد الله بن مسعود ، فقال إني حرمت فراشي ، فتلا هذه الآية { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَـٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ } الآية وقال الثوري عن منصور ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال كنا عند عبد الله بن مسعود ، فجيء بضرع ، فتنحى رجل ، فقال له عبد الله ادْنُ ، فقال إني حرمت أن آكله ، فقال عبد الله ادْنُ فاطعم ، وكفر عن يمينك ، وتلا هذه الآية { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَـٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ } الآية ، رواهن ابن أبي حاتم ، وروى الحاكم هذا الأثر الأخير في مستدركه من طريق إسحاق بن راهويه ، عن جرير ، عن منصور به ثم قال على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، ثم قال ابن أبي حاتم حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني هشام بن سعد أن زيد بن أسلم حدثه أن عبد الله بن رواحة أضافه ضيف من أهله ، وهو عند النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم رجع إلى أهله ، فوجدهم لم يطعموا ضيفهم انتظاراً له ، فقال لامرأته حبست ضيفي من أجلي ، هو علي حرام ، فقالت امرأته هو علي حرام ، وقال الضيف هو علي حرام ، فلما رأى ذلك ، وضع يده ، وقال كلوا باسم الله ، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر الذي كان منهم ، ثم أنزل الله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَـٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ } وهذا أثر منقطع . وفي صحيح البخاري في قصة الصديق مع أضيافه شبيه بهذا ، وفيه وفي هذه القصة دلالة لمن ذهب من العلماء كالشافعي وغيره إلى أن من حرم مأكلاً أو ملبساً أو شيئاً ، ما عدا النساء ، أنه لا يحرم عليه ، ولا كفارة عليه أيضاً ، ولقوله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَـٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ } ولأن الذي حرم اللحم على نفسه كما في الحديث المتقدم ، لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بكفارة ، وذهب آخرون منهم الإمام أحمد بن حنبل إلى أن من حرم مأكلاً أو مشرباً أو ملبساً أو شيئاً من الأشياء ، فإنه يجب عليه بذلك كفارة يمين كما إذا التزم تركه باليمين ، فكذلك يؤاخذ بمجرد تحريمه على نفسه إلزاماً له بما التزمه ، كما أفتى بذلك ابن عباس ، وكما في قوله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } التحريم 1 ، ثم قال { قَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَـٰنِكُمْ } التحريم 2 الآية ، وكذلك هاهنا ، لما ذكر هذا الحكم ، عقبه بالآية المبينة لتكفير اليمين ، فدل على أن هذا منزل منزلة اليمين في اقتضاء التكفير ، والله أعلم . وقال ابن جرير حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا حجاج عن ابن جريج ، عن مجاهد قال أراد رجال منهم عثمان بن مظعون وعبد الله بن عمرو أن يتبتلوا ، ويخصوا أنفسهم ، ويلبسوا المسوح ، فنزلت هذه الآية إلى قوله { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِىۤ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ } . قال ابن جريج ، عن عكرمة إن عثمان بن مظعون وعلي بن أبي طالب وابن مسعود والمقداد بن الأسود وسالماً مولى أبي حذيفة في أصحابه تبتلوا ، فجلسوا في البيوت ، واعتزلوا النساء ، ولبسوا المسوح ، وحرموا طيبات الطعام واللباس ، إلا ما يأكل ويلبس أهل السياحة من بني إسرائيل ، وهموا بالاختصاء ، وأجمعوا لقيام الليل ، وصيام النهار ، فنزلت هذه الآية { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَـٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } يقول لا تسيروا بغير سنة المسلمين ، يريد ما حرموا من النساء والطعام واللباس ، وما أجمعوا له من قيام الليل وصيام النهار ، وما هموا به من الاختصاء ، فلما نزلت فيهم ، بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " إن لأنفسكم حقاً ، وإن لأعينكم حقاً ، صوموا وأفطروا ، وصلوا وناموا ، فليس منا من ترك سنتنا " فقالوا اللهم سلمنا واتبعنا ما أنزلت . وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين مرسلة ، ولها شاهد في الصحيحين من رواية عائشة أم المؤمنين كما تقدم ذلك ، ولله الحمد والمنة . وقال أسباط عن السدي في قوله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَـٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جلس يوماً ، فذكر الناس ، ثم قام ، ولم يزدهم على التخويف ، فقال ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، كانوا عشرة ، منهم علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون ما حقنا إن لم نحدث عملاً فإن النصارى قد حرموا على أنفسهم ، فنحن نحرم ، فحرم بعضهم أن يأكل اللحم والودك ، وأن يأكل بالنهار ، وحرم بعضهم النوم ، وحرم بعضهم النساء ، فكان عثمان بن مظعون ممن حرم النساء ، فكان لا يدنو من أهله ، ولا يدنون منه ، فأتت امرأته عائشة رضي الله عنها ، وكان يقال لها الحولاء ، فقالت لها عائشة ومن عندها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، ما بالك يا حولاء متغيرة اللون ، لا تمتشطين ولا تتطيبين ؟ فقالت وكيف أمتشط وأتطيب ، وما وقع علي زوجي ، وما رفع عني ثوباً منذ كذا وكذا ؟ قال فجعلن يضحكن من كلامها ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن يضحكن ، فقال " ما يضحككن ؟ " قالت يا رسول الله ، إن الحولاء سألتها عن أمرها ، فقالت ما رفع عني زوجي ثوباً منذ كذا وكذا ، فأرسل إليه فدعاه ، فقال " مالك يا عثمان ؟ " قال إني تركته لله لكي أتخلى للعبادة ، وقص عليه أمره ، وكان عثمان قد أراد أن يجب نفسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أقسمت عليك إلا رجعت فواقعت أهلك " فقال يا رسول الله ، إني صائم ، فقال " أفطر " فأفطر ، وأتى أهله ، فرجعت الحولاء إلى عائشة ، وقد امتشطت واكتحلت وتطيبت ، فضحكت عائشة ، وقالت مالك يا حولاء ؟ فقالت إنه أتاها أمس . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والنوم ؟ ألا إني أنام وأقوم ، وأفطر وأصوم ، وأنكح النساء ، فمن رغب عني فليس مني " فنزلت { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَـٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ } يقول لعثمان لا تجب نفسك ، فإن هذا هو الاعتداء ، وأمرهم أن يكفروا عن أيمانهم ، فقال { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِىۤ أَيْمَـٰنِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَـٰنَ } ، رواه ابن جرير . وقوله تعالى { وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ } يحتمل أن يكون المراد منه ولا تبالغوا في التضييق على أنفسكم بتحريم المباحات عليكم كما قاله من قاله من السلف ، ويحتمل أن يكون المراد كما لا تحرموا الحلال ، فلا تعتدوا في تناول الحلال ، بل خذوا منه بقدر كفايتكم وحاجتكم ، ولا تجاوزوا الحد فيه كما قال تعالى { وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ } الأعراف 31 الآية ، وقال { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } الفرقان 67 فشرع الله عدل بين الغالي فيه والجافي عنه ، لا إفراط ولا تفريط ، ولهذا قال { لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَـٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } ثم قال { وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً } أي في حال كونه حلالاً طيباً ، { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي في جميع أموركم ، واتبعوا طاعته ورضوانه ، واتركوا مخالفته وعصيانه { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِىۤ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ } .