Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 52, Ayat: 1-16)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقسم تعالى بمخلوقاته الدالة على قدرته العظيمة أن عذابه واقع بأعدائه ، وأنه لا دافع له عنهم ، فالطور هو الجبل الذي يكون فيه أشجار ، مثل الذي كلم الله عليه موسى ، وأرسل منه عيسى ، وما لم يكن فيه شجر ، لا يسمى طوراً إنما يقال له جبل { وَكِتَـٰبٍ مُّسْطُورٍ } قيل هو اللوح المحفوظ ، وقيل الكتب المنزلة المكتوبة التي تقرأ على الناس جهاراً ، ولهذا قال { فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ } ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث الإسراء بعد مجاوزته إلى السماء السابعة " ثم رفع بي إلى البيت المعمور ، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألفاً لا يعودون إليه آخر ما عليهم " يعني يتعبدون فيه ، ويطوفون به كما يطوف أهل الأرض بكعبتهم ، كذلك ذاك البيت المعمور هو كعبة أهل السماء السابعة ، ولهذا وجد إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام مسنداً ظهره إلى البيت المعمور لأنه باني الكعبة الأرضية ، والجزاء من جنس العمل ، وهو بحيال الكعبة ، وفي كل سماء بيت يتعبد فيه أهلها ، ويصلون إليه ، والذي في السماء الدنيا يقال له بيت العزة ، والله أعلم . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا روح بن جناح عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " في السماء السابعة بيت يقال له المعمور ، بحيال الكعبة ، وفي السماء الرابعة نهر يقال له الحيوان ، يدخله جبريل كل يوم فينغمس فيه انغماسة ، ثم يخرج فينتفض انتفاضة ، يخر عنه سبعون ألف قطرة ، يخلق الله من كل قطرة ملكاً يؤمرون أن يأتوا البيت المعمور ، فيصلوا فيه ، فيفعلون ثم يخرجون ، فلا يعودون إليه أبداً ، ويولى عليهم أحدهم ، يؤمر أن يقف بهم من السماء موقفاً يسبحون الله فيه إلى أن تقوم الساعة " هذا حديث غريب جداً ، تفرد به روح بن جناح هذا ، وهو القرشي الأموي مولاهم أبو سعد الدمشقي ، وقد أنكر عليه هذا الحديث جماعة من الحفاظ ، منهم الجوزجاني والعقيلي والحاكم أبو عبد الله النيسابوري وغيرهم ، قال الحاكم لا أصل له من حديث أبي هريرة ولا سعيد ولا الزهري . وقال ابن جرير حدثنا هناد بن السري ، حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة أن رجلاً قال لعلي ما البيت المعمور ؟ قال بيت في السماء يقال له الضراح ، وهو بحيال الكعبة من فوقها ، حرمته في السماء كحرمة البيت في الأرض ، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة ، ثم لا يعودون فيه أبداً ، وكذا رواه شعبة وسفيان الثوري عن سماك ، وعندهما أن ابن الكواء هو السائل عن ذلك . ثم رواه ابن جرير عن أبي كريب عن طلق بن غنام ، عن زائدة عن عاصم عن علي بن ربيعة قال سأل ابن الكواء علياً عن البيت المعمور ، قال مسجد في السماء يقال له الضراح ، يدخله كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة ، ثم لا يعودون فيه أبداً . ورواه من حديث أبي الطفيل عن علي بمثله . وقال العوفي عن ابن عباس هو بيت حذاء العرش تعمره الملائكة ، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة ثم لا يعودون إليه . وكذا قال عكرمة ومجاهد وغير واحد من السلف . وقال قتادة والربيع بن أنس والسدي ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه " هل تدرون ما البيت المعمور ؟ " قالوا الله ورسوله أعلم . قال " فإنه مسجد في السماء بحيال الكعبة ، لو خر ، لخر عليها ، يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك ، إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم " وزعم الضحاك أنه يعمره طائفة من الملائكة يقال لهم الجن ، من قبيلة إبليس ، فالله أعلم . وقوله تعالى { وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ } قال سفيان الثوري وشعبة وأبو الأحوص عن سماك عن خالد بن عرعرة عن علي { وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ } يعني السماء . قال سفيان ثم تلا { وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ ءَايَـٰتِهَا مُعْرِضُونَ } الأنبياء 32 وكذا قال مجاهد وقتادة والسدي وابن جريج وابن زيد ، واختاره ابن جرير . وقال الربيع ابن أنس هو العرش ، يعني أنه سقف لجميع المخلوقات ، وله اتجاه ، وهو مراد مع غيره كما قاله الجمهور . وقوله تعالى { وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } قال الربيع بن أنس هو الماء الذي تحت العرش الذي ينزل الله منه المطر ، الذي تحيا به الأجساد في قبورها يوم معادها ، وقال الجمهور هو هذا البحر ، واختلف في معنى قوله المسجور ، فقال بعضهم المراد أنه يوقد يوم القيامة ناراً كقوله { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ } أي أضرمت فتصير ناراً تتأجج محيطة بأهل الموقف . ورواه سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب ، وروي عن ابن عباس ، وبه يقول سعيد بن جبير ومجاهد وعبد الله بن عبيد بن عمير وغيرهم . وقال العلاء بن بدر إنما سمي البحر المسجور لأنه لا يشرب منه ماء ، ولا يسقى به زرع ، وكذلك البحار يوم القيامة . كذا رواه عنه ابن أبي حاتم . وعن سعيد بن جبير { وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } يعني المرسل . وقال قتادة المسجور المملوء ، اختاره ابن جرير ، ووجهه بأنه ليس موقداً اليوم ، فهو مملوء . وقيل المراد به الفارغ . قال الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء عن ذي الرمة عن ابن عباس في قوله تعالى { وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } قال الفارغ خرجت أمة تستسقي ، فرجعت فقالت إن الحوض مسجور ، يعني فارغاً . رواه ابن مردويه في مسانيد الشعراء . وقيل المراد بالمسجور الممنوع المكفوف عن الأرض لئلا يغمرها فيغرق أهلها ، قاله علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه يقول السدي وغيره ، وعليه يدل الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، رحمه الله ، في مسنده ، فإنه قال حدثنا يزيد ، حدثنا العوام ، حدثني شيخ كان مرابطاً بالساحل قال لقيت أبا صالح مولى عمر بن الخطاب فقال حدثنا عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ليس من ليلة إلا والبحر يشرف فيها ثلاث مرات ، يستأذن الله تعالى أن ينفضخ عليهم ، فيكفه الله عز وجل " وقال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي حدثنا الحسن بن سفيان عن إسحاق بن راهويه عن يزيد ، وهو ابن هارون ، عن العوام بن حوشب ، حدثني شيخ مرابط قال خرجت ليلة لمحرسي لم يخرج أحد من الحرس غيري ، فأتيت الميناء فصعدت ، فجعل يخيل إلي أن البحر يشرف يحاذي رؤوس الجبال ، فعل ذلك مراراً وأنا مستيقظ ، فلقيت أبا صالح فقال حدثنا عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما من ليلة إلا والبحر يشرف ثلاث مرات ، يستأذن الله تعالى أن ينفضخ عليهم ، فيكفه الله عز وجل " فيه رجل مبهم لم يسم . وقوله تعالى { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ } هذا هو المقسم عليه ، أي لواقع بالكافرين كما قال في الآية الأخرى { مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } أي ليس له دافع يدفعه عنهم إذا أراد الله بهم ذلك . قال الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن داود عن صالح المري عن جعفر ابن زيد العبدي قال خرج عمر يعس في المدينة ذات ليلة ، فمر بدار رجل من المسلمين ، فوافقه قائماً يصلي ، فوقف يستمع قراءته ، فقرأ { وَٱلطُّورِ } حتى بلغ { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } قال قسم ورب الكعبة حق ، فنزل عن حماره واستند إلى حائط ، فمكث ملياً ثم رجع إلى منزله ، فمكث شهراً يعوده الناس لا يدرون ما مرضه رضي الله عنه . وقال الإمام أبو عبيد في فضائل القرآن حدثنا محمد بن صالح ، حدثنا هشام بن حسان عن الحسن أن عمر قرأ { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } فربا لها ربوة عيد منها عشرين يوماً . وقوله تعالى { يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً } قال ابن عباس وقتادة تتحرك تحريكاً . وعن ابن عباس هو تشققها . وقال مجاهد تدور دوراً . وقال الضحاك استدارتها وتحركها لأمر الله ، وموج بعضها في بعض . وهذا اختيار ابن جرير أنه التحرك في استدارة . قال وأنشد أبو عبيدة معمر بن المثنى بيت الأعشى فقال @ كَأَنَّ مِشْيَتَها منْ بيتِ جارتِها مَوْرُ السَّحابةِ لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ @@ { وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً } أي تذهب فتصير هباء منبثاً ، وتنسف نسفاً { فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } أي ويل لهم ذلك اليوم من عذاب الله ، ونكاله بهم ، وعقابه لهم { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ } أي هم في الدنيا يخوضون في الباطل ، ويتخذون دينهم هزواً ولعباً { يَوْمَ يُدَعُّونَ } أي يدفعون ويساقون { إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } وقال مجاهد والشعبي ومحمد بن كعب والضحاك والسدي والثوري يدفعون فيها دفعاً { هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } أي تقول لهم الزبانية ذلك تقريعاً وتوبيخاً { أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ ٱصْلَوْهَا } أي ادخلوها دخول من تغمره من جميع جهاته ، { فَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ } أي سواء صبرتم على عذابها ونكالها ، أم لم تصبروا ، لا محيد لكم عنها ولا خلاص لكم منها { إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي ولا يظلم الله أحداً ، بل يجازي كلاً بعمله .