Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 1-12)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الواقعة من أسماء يوم القيامة ، سميت بذلك لتحقق كونها ووجودها كما قال تعالى { فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } الحاقة 15 قوله تعالى { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } أي ليس لوقوعها إذا أراد الله كونها صارف يصرفها ، ولا دافع يدفعها كما قال { ٱسْتَجِيبُواْ لِرَبِّكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ } الشورى 47 وقال { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِّلْكَـٰفِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ } المعارج1 - 2 وقال تعالى { وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ وَلَهُ ٱلْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِى ٱلصُّوَرِ عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ } الأنعام 73 . ومعنى { كَاذِبَةٌ } كما قال محمد بن كعب لابد أن تكون ، وقال قتادة ليس فيها مثنوية ولا ارتداد ولا رجعة . قال ابن جرير والكاذبة مصدر كالعاقبة والعافية . وقوله تعالى { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } أي تخفض أقواماً إلى أسفل سافلين إلى الجحيم ، وإن كانوا في الدنيا أعزاء ، وترفع آخرين إلى أعلى عليين إلى النعيم المقيم ، وإن كانوا في الدنيا وضعاء ، هكذا قال الحسن وقتادة وغيرهما . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا يزيد بن عبد الرحمن بن مصعب المعني ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي عن أبيه عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } تخفض أقواماً ، وترفع آخرين ، وقال عبيد الله العتكي عن عثمان بن سراقة ابن خالة عمر بن الخطاب { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } قال الساعة خفضت أعداء الله إلى النار ، ورفعت أولياء الله إلى الجنة . وقال محمد بن كعب تخفض رجالاً كانوا في الدنيا مرتفعين ، وترفع رجالاً كانوا في الدنيا مخفوضين ، وقال السدي خفضت المتكبرين ، ورفعت المتواضعين ، وقال العوفي عن ابن عباس { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } أسمعت القريب والبعيد ، وقال عكرمة خفضت فأسمعت الأدنى ، ورفعت فأسمعت الأقصى ، وكذا قال الضحاك وقتادة . وقوله تعالى { إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً } أي حركت تحريكاً ، فاهتزت واضطربت بطولها وعرضها ، ولهذا قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغير واحد في قوله تعالى { إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً } أي زلزلت زلزالاً ، وقال الربيع بن أنس ترج بما فيها كرج الغربال بما فيه ، وهذا كقوله تعالى { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } الزلزلة 1 وقال تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ } الحج 1 . وقوله تعالى { وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً } أي فتتت فتاً ، قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وغيرهم ، وقال ابن زيد صارت الجبال كما قال الله تعالى { كَثِيباً مَّهِيلاً } المزمل 14 . وقوله تعالى { فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً } قال أبو إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه هباء منبثاً كرهج الغبار يسطع ثم يذهب ، فلا يبقى منه شيء ، وقال العوفي عن ابن عباس في قوله { فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً } الهباء الذي يطير من النار إذا اضطرمت يطير منه الشرر ، فإذا وقع لم يكن شيئاً ، وقال عكرمة المنبث الذي قد ذرته الريح وبثته . وقال قتادة { هَبَآءً مُّنبَثّاً } كيبيس الشجر الذي تذروه الرياح . وهذه الآية كأخواتها الدالة على زوال الجبال عن أماكنها يوم القيامة ، وذهابها وتسييرها ونسفها وصيرورتها كالعهن المنفوش . وقوله تعالى { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَـٰثَةً } أي ينقسم الناس يوم القيامة إلى ثلاثة أصناف قوم عن يمين العرش ، وهم الذين خرجوا من شق آدم الأيمن ، ويؤتون كتبهم بأيمانهم ، ويؤخذ بهم ذات اليمين ، وقال السدي وهم جمهور أهل الجنة ، وآخرون عن يسار العرش ، وهم الذين خرجوا من شق آدم الأيسر ، ويؤتون كتبهم بشمالهم ، ويؤخذ بهم ذات الشمال ، وهم عامة أهل النار ــــ عياذاً بالله من صنيعهم ــــ وطائفة سابقون بين يديه عز وجل ، وهم أخص وأحظى وأقرب من أصحاب اليمين الذين هم سادتهم ، فيهم الرسل والأنبياء والصديقون والشهداء ، وهم أقل عدداً من أصحاب اليمين ، ولهذا قال تعالى { فَأَصْحَـٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَـٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَـٰبُ ٱلْمَشْـئَمَةِ مَآ أَصْحَـٰبُ ٱلْمَشْـئَمَةِ وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ } وهكذا قسمهم إلى هذه الأنواع الثلاثة في آخر السورة وقت احتضارهم ، وهكذا ذكرهم في قوله تعالى { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَـٰلِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَٰتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ } الآية فاطر 32 . وذلك على أحد القولين في الظالم لنفسه كما تقدم بيانه ، قال سفيان الثوري عن جابر الجعفي عن مجاهد عن ابن عباس في قوله { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَـٰثَةً } قال هي التي في سورة الملائكة { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَـٰلِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَٰتِ } فاطر 32 . وقال ابن جريج عن ابن عباس هذه الأزواج الثلاثة هم المذكورون في آخر السورة ، وفي سورة الملائكة ، وقال يزيد الرقاشي سألت ابن عباس عن قوله { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَـٰثَةً } قال أصنافاً ثلاثة . وقال مجاهد { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَـٰثَةً } يعني فرقاً ثلاثة . وقال ميمون بن مهران أفواجاً ثلاثة ، وقال عبيد الله العتكي عن عثمان بن سراقة ابن خالة عمر بن الخطاب { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَـٰثَةً } اثنان في الجنة ، وواحد في النار . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن الصباح ، حدثنا الوليد بن أبي ثور عن سماك عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ } التكوير 7 قال الضرباء ، كل رجل من كل قوم كانوا يعملون عمله ، وذلك بأن الله تعالى يقول { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَـٰثَةً فَأَصْحَـٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَـٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَـٰبُ ٱلْمَشْـئَمَةِ مَآ أَصْحَـٰبُ ٱلْمَشْـئَمَةِ وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ } قال هم الضرباء . وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن عبد الله بن المثنى ، حدثنا البراء الغنوي ، حدثنا الحسن عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية { وَأَصْحَـٰبُ ٱلْيَمِينِ مَآ أَصْحَـٰبُ ٱلْيَمِينِ وَأَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ } . . فقبض بيده قبضتين فقال " هذه للجنة ولا أبالي وهذه للنار ولا أبالي " وقال الإمام أحمد أيضاً حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا خالد بن أبي عمران عن القاسم بن محمد عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " أتدرون من السابقون إلى ظل الله يوم القيامة ؟ " قالوا الله ورسوله أعلم . قال " الذين إذا أعطوا الحق قبلوه ، وإذا سئلوه بذلوه ، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم " وقال محمد بن كعب وأبو حَزْرة ويعقوب بن مجاهد { وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ } هم الأنبياء عليهم السلام . وقال السدي هم أهل عليين ، وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس { وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ } قال يوشع بن نون ، سبق إلى موسى ، ومؤمن آل يس ، سبق إلى عيسى ، وعلي بن أبي طالب سبق إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه ابن أبي حاتم عن محمد بن هارون الفلاس عن عبد الله بن إسماعيل المدائني البزاز ، عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح به . وقال ابن أبي حاتم وذكر عن محمد بن أبي حماد حدثنا مهران عن خارجة عن قرة عن ابن سيرين وقال { وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ } الذين صلوا إلى القبلتين . ورواه ابن جرير من حديث خارجة به . وقال الحسن وقتادة { وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ } أي من كل أمة ، وقال الأوزاعي عن عثمان بن أبي سودة أنه قرأ هذه الآية { وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } ثم قال أولهم رواحاً إلى المسجد ، وأولهم خروجاً في سبيل الله ، وهذه الأقوال كلها صحيحة فإن المراد بالسابقين هم المبادرون إلى فعل الخيرات كما أمروا ، كما قال تعالى { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ } آل عمران 133وقال تعالى { سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } الحديد 21 وقال فمن سابق في هذه الدنيا ، وسبق إلى الخير ، كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة ، فإن الجزاء من جنس العمل ، وكما تدين تدان ، ولهذا قال تعالى { أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ فِى جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ } . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا يحيى بن زكريا الفزاري الرازي ، حدثنا خارجة بن مصعب عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار ، عن عبد الله بن عمرو قال قالت الملائكة يا رب جعلت لبني آدم الدنيا ، فهم يأكلون ويشربون ويتزوجون ، فاجعل لنا الآخرة ، فقال لا أفعل ، فراجعوا ثلاثاً ، فقال لا أجعل من خلقت بيدي كمن قلت له كن فيكون . ثم قرأ عبد الله { وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ فِى جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ } وقد روى هذا الأثر الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في كتابه الرد على الجهمية ، ولفظه فقال الله عز وجل لن أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان .