Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 20-21)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى موهناً أمر الحياة الدنيا ومحقراً لها { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى ٱلأَمْوَٰلِ وَٱلأَوْلْـٰدِ } أي إنما حاصل أمرها عند أهلها هذا كما قال تعالى { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَـٰطِيرِ ٱلْمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَـٰمِ وَٱلْحَرْثِ ذَٰلِكَ مَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلْمَأَبِ } آل عمران 14 . ثم ضرب تعالى مثل الحياة الدنيا في أنها زهرة فانية ، ونعمة زائلة ، فقال { كَمَثَلِ غَيْثٍ } وهو المطر الذي يأتي بعد قنوط الناس كما قال تعالى { وَهُوَ ٱلَّذِى يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ } الشورى 28 . وقوله تعالى { أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ } أي يعجب الزراع نبات ذلك الزرع الذي نبت بالغيث ، وكما يعجب الزراع ذلك ، كذلك تعجب الحياة الدنيا الكفار فإنهم أحرص شيء عليها ، وأميل الناس إليها ، { ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً } أي يهيج ذلك الزرع ، فتراه مصفراً بعد ما كان خضراً نضراً ، ثم يكون بعد ذلك كله حطاماً ، أي يصير يبساً متحطماً ، هكذا الحياة الدنيا ، تكون أولاً شابة ، ثم تكتهل ، ثم تكون عجوزاً شوهاء ، والإنسان يكون كذلك في أول عمره وعنفوان شبابه غضاً طرياً لين الأعطاف ، بهي المنظر ، ثم إنه يشرع في الكهولة ، فتتغير طباعه ، ويفقد بعض قواه ، ثم يكبر فيصير شيخاً كبيراً ضعيف القوى ، قليل الحركة ، يعجزه الشيء اليسير كما قال تعالى { ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ } الروم 54 ولما كان هذا المثل دالاً على زوال الدنيا وانقضائها وفراغها لا محالة ، وأن الآخرة كائنة لا محالة ، حذر من أمرها ، ورغب فيما فيها من الخير فقال { وَفِى ٱلأَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٌ وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ } أي وليس في الآخرة الآتية القريبة إلا إما هذا ، وإما هذا إما عذاب شديد ، وإما مغفرة من الله ورضوان . وقوله تعالى { وَما ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ } أي هي متاع فانٍ غارٌّ لمن ركن إليه فإنه يغتر بها ، وتعجبه حتى يعتقد أنه لا دار سواها ، ولا معاد وراءها ، وهي حقيرة قليلة بالنسبة إلى دار الآخرة . قال ابن جرير حدثنا علي بن حرب الموصلي ، حدثنا المحاربي ، حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها ، اقرؤوا { وَما ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ } " وهذا الحديث ثابت في الصحيح بدون هذه الزيادة ، والله أعلم . وقال الإمام أحمد حدثنا ابن نمير ووكيع ، كلاهما عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " للجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله ، والنار مثل ذلك " انفرد بإخراجه البخاري في الرقاق من حديث الثوري عن الأعمش به . ففي هذا الحديث دليل على اقتراب الخير والشر من الإنسان ، وإذا كان الأمر كذلك ، فلهذا حثه الله تعالى على المبادرة إلى الخيرات من فعل الطاعات ، وترك المحرمات التي تكفر عنه الذنوب والزلات ، وتحصل له الثواب والدرجات ، فقال تعالى { سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } والمراد جنس السماء والأرض كما قال تعالى في الآية الأخرى { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } آل عمران 133 وقال ههنا { أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } أي هذا الذي أهلهم الله له ، هو من فضله ، ومنه عليهم ، وإحسانه إليهم كما قدمناه في الصحيح أن فقراء المهاجرين قالوا يارسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور بالدرجات العلى والنعيم المقيم ، قال " وما ذاك ؟ " قالوا يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون ولا نتصدق ، ويعتقون ولا نعتق . قال " أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم ، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم ؟ تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين " قال فرجعوا فقالوا سمع إخواننا أهل الأموال مافعلنا ، ففعلوا مثله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " .