Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 59, Ayat: 6-7)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى مبيناً لمال الفيء ، وما صفته ، وما حكمه ؟ فالفيء كل مال أخذ من الكفار من غير قتال ، ولا إيجاف خيل ولا ركاب ، كأموال بني النضير هذه فإنها مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، أي لم يقاتلوا الأعداء فيها بالمبارزة والمصاولة ، بل نزل أولئك من الرعب الذي ألقى الله في قلوبهم من هيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاءه على رسوله ، ولهذا تصرف فيه كما يشاء ، فرده على المسلمين في وجوه البر والمصالح التي ذكرها الله عز وجل في هذه الآيات فقال تعالى { وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ } أي من بني النضير { فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ } يعني الإبل { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } أي هو قدير لا يغالب ولا يمانع ، بل هو القاهر لكل شيء . ثم قال تعالى { مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } أي جميع البلدان التي تُفتح هكذا ، فحكمها حكم أموال بني النضير ، ولهذا قال تعالى { فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } إلى آخرها ، والتي بعدها ، فهذه مصارف أموال الفيء ووجوهه . قال الإمام أحمد حدثنا سفيان ، عن عمرو ومَعْمر ، عن الزهري ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، عن عمر ، رضي الله عنه قال كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لو يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ، فكان ينفق على أهله منها نفقة سنته ، وقال مرة قوت سنته ، وما بقي جعله في الكُراع والسلاح في سبيل الله ، عز وجل . هكذا أخرجه أحمد ههنا مختصراً ، وقد أخرجه الجماعة في كتبهم ، إلا ابن ماجه ، من حديث سفيان عن عمرو بن دينار عن الزهري به ، وقد رويناه مطولاً . وقال أبو داود رحمه الله حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن يحيى بن فارس ، المعنى واحد ، قالا حدثنا بشر بن عمر الزهراني ، حدثني مالك بن أنس عن ابن شهاب عن مالك بن أوس قال أرسل إليّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين تعالى النهار ، فجئته فوجدته جالساً على سرير مفضياً إلى رماله ، فقال حين دخلت عليه يا مالِ إنه قد دف أهل أبيات من قومك ، وقد أمرت فيهم بشيء ، فاقسم فيهم ، قلت لو أمرت غيري بذلك ، فقال خذه ، فجاءه يرفا ، فقال يا أمير المؤمنين هل لك في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص ؟ قال نعم . فأذن لهم ، فدخلوا ، ثم جاءه يرفا فقال يا أمير المؤمنين هل لك في العباس وعلي ؟ قال نعم ، فأذن لهما فدخلا ، فقال العباس يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا ، يعني علياً ، فقال بعضهم أجل يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرحهما ، قال مالك بن أوس خيل إلي أنهما قدما أولئك النفر لذلك ، فقال عمر رضي الله عنه اتئدا ، ثم أقبل على أولئك الرهط ، فقال أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض ، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا نورث ما تركنا صدقة " قالوا نعم . ثم أقبل على علي والعباس فقال أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا نورث ما تركنا صدقة " فقالا نعم . فقال إن الله خص رسوله بخاصة لم يخص بها أحداً من الناس ، فقال تعالى { وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } فكان الله تعالى أفاء على رسوله أموال بني النضير ، فوالله ما استأثر بها عليكم ، ولا أحرزها دونكم ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ منها نفقة سنة ، أو نفقته ونفقة أهله سنة ، ويجعل ما بقي أسوة المال . ثم أقبل على أولئك الرهط فقال أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض ، هل تعلمون ذلك ؟ قالوا نعم . ثم أقبل على علي والعباس فقال أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمان ذلك ؟ قالا نعم . فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أنت وهذا إلى أبي بكر ، تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك ، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها ، فقال أبو بكر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا نورث ما تركنا صدقة " والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق ، فوليها أبو بكر ، فلما توفي ، قلت أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أبي بكر ، فوليتها ما شاء الله أن أليها ، فجئت أنت وهذا ، وأنتما جميع ، وأمركما واحد ، فسألتمانيها ، فقلت إن شئتما ، فأنا أدفعها إليكما على أن عليكما عهد الله أن تلياها بالذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يليها ، فأخذتماها مني على ذلك ، ثم جئتماني لأقضي بينكما بغير ذلك ، والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة ، فإن عجزتما عنها ، فَرُداها إلي . أخرجوه من حديث الزهري ، به . وقال الإمام أحمد حدثنا عارم وعفان قالا حدثنا معتمر ، سمعت أبي يقول حدثنا أنس بن مالك ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرجل كان يجعل له من ماله النخلات ، أو كما شاء الله ، حتى فتحت عليه قريظة والنضير ، قال فجعل يرد بعد ذلك ، قال وإن أهلي أمروني أن آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله الذي كان أهله أعطوه ، أو بعضه ، وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم قد أعطاه أم أيمن ، أو كما شاء الله ، قال فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأعطانيهن ، فجاءت أم أيمن ، فجعلت الثوب في عنقي ، وجعلت تقول كلا والله الذي لا إله إلا هو لا يعطيكهن وقد أعطانيهن ، أو كما قالت ، فقال نبي الله " لك كذا وكذا " قال وتقول كلا والله قال ويقول " لك كذا وكذا " قال وتقول كلا والله قال ويقول " لك كذا وكذا " قال حتى أعطاها ، حسبت أنه قال عشرة أمثاله ، أو قال قريباً من عشرة أمثاله ، أو كما قال . رواه البخاري ومسلم من طرق عن معتمر ، به . وهذه المصارف المذكورة في هذه الآية هي المصارف المذكورة في خمس الغنيمة ، وقد قدمنا الكلام عليها في سورة الأنفال بما أغنى عن إعادته ههنا ولله الحمد . وقوله تعالى { كَى لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ ٱلأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ } أي جعلنا هذه المصارف لمال الفيء كيلا يبقى مأكلة يتغلب عليها الأغنياء ، ويتصرفون فيها بمحض الشهوات والآراء ، ولا يصرفون منه شيئاً إلى الفقراء . وقوله تعالى { وَمَآ ءَاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } أي مهما أمركم به فافعلوه ، ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه ، فإنه إنما يأمر بخير ، وإنما ينهى عن شر . قال ابن أبي حاتم حدثنا يحيى بن أبي طالب ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن العوفي عن يحيى بن الجزار عن مسروق قال جاءت امرأة إلى ابن مسعود قالت بلغني أنك تنهى عن الواشمة والواصلة ، أشيء وجدته في كتاب الله تعالى ، أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بلى شيء وجدته في كتاب الله ، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت والله لقد تصفحت ما بين دفتي المصحف ، فما وجدت فيه الذي تقول ، قال فما وجدت فيه { وَمَآ ءَاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } ؟ قالت بلى ، قال فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن الواصلة والواشمة والنامصة ، قالت فلعله في بعض أهلك ، قال فادخلي فانظري ، فدخلت فنظرت ثم خرجت ، قالت ما رأيت بأساً ، فقال لها أما حفظت وصية العبد الصالح { وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَـٰكُمْ عَنْهُ } هود 88 . وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان عن منصور عن علقمة عن عبد الله ، هو ابن مسعود قال لعن الله الواشمات والمستوشمات ، والمتنمصات والمتفلجات للحسن ، المغيرات خلق الله عز وجل ، قال فبلغ امرأة من بني أسد في البيت ، يقال لها أم يعقوب ، فجاءت إليه فقالت بلغني أنك قلت كيت وكيت ، قال ما لي لا ألعن من لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وفي كتاب الله تعالى ؟ فقالت إني لأقرأ ما بين لوحيه ، فما وجدته ، فقال إن كنت قرأتِهِ ، فقد وجدتِهِ ، أما قرأت { وَمَآ ءَاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } ؟ قالت بلى . قال فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه . قالت إني لأظن أهلك يفعلونه . قال اذهبي فانظري . فذهبت فلم تر من حاجتها شيئاً ، فجاءت فقالت ما رأيت شيئاً ، قال لو كان كذا ، لما تجامعنا . أخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان الثوري . وقد ثبت في الصحيحين أيضاً عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا أمرتكم بأمر ، فائتوا منه ما استطعتم ، وما نهيتكم عنه ، فاجتنبوه " وقال النسائي أخبرنا أحمد بن سعيد ، حدثنا يزيد ، حدثنا منصور بن حيان ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عُمر وابن عباس أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَمَآ ءَاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } وقوله تعالى { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ آلْعِقَابِ } أي اتقوه في امتثال أوامره ، وترك زواجره فإنه شديد العقاب لمن عصاه ، وخالف أمره وأباه ، وارتكب ما عنه زجره ونهاه .