Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 33-36)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى مسلياً لنبيه صلى الله عليه وسلم في تكذيب قومه له ، ومخالفتهم إياه { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِى يَقُولُونَ } أي قد أحطنا علماً بتكذيبهم لك ، وحزنك وتأسفك عليهم ، كقوله { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } فاطر 8 كما قال تعالى في الآية الأخرى { لَعَلَّكَ بَـٰخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } الشعراء 3 { فَلَعَلَّكَ بَـٰخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ ءَاثَـٰرِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } الكهف 6 وقوله { فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بآيَـٰتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } أي لا يتهمونك بالكذب في نفس الأمر { وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } أي ولكنهم يعاندون الحق ، ويدفعونه بصدورهم كما قال سفيان الثوري عن أبي إسحاق ، عن ناجية بن كعب ، عن علي ، قال قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم إنا لا نكذبك ، ولكن نكذب ما جئت به ، فأنزل الله { فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِـآيَـٰتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } ورواه الحاكم من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق ، ثم قال صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن الوزير الواسطي بمكة ، حدثنا بشر بن المبشر الواسطي ، عن سلام بن مسكين ، عن أبي يزيد المدني أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي أبا جهل ، فصافحه ، فقال له رجل ألا أراك تصافح هذا الصابئ ؟ فقال والله إني لأعلم إنه لنبي ، ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعاً ؟ وتلا أبو يزيد { فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِـآيَـٰتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } وقال أبو صالح وقتادة يعلمون أنك رسول الله ، ويجحدون ، وذكر محمد بن إسحاق عن الزهري في قصة أبي جهل ، حين جاء يستمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم من الليل ، هو وأبو سفيان صخر بن حرب ، والأخنس بن شريق ، ولا يشعر أحد منهم بالآخر ، فاستمعوها إلى الصباح ، فلما هجم الصبح ، تفرقوا ، فجمعتهم الطريق ، فقال كل منهم للآخر ما جاء بك ؟ فذكر له ما جاء به ، ثم تعاهدوا أن لا يعودوا لما يخافون من علم شباب قريش بهم لئلا يفتتنوا بمجيئهم ، فلما كانت الليلة الثانية ، جاء كل منهم ظناً أن صاحبيه لا يجيئان لما سبق من العهود ، فلما أصبحوا ، جمعتهم الطريق ، فتلاوموا ، ثم تعاهدوا أن لا يعودوا ، فلما كانت الليلة الثالثة ، جاؤوا أيضاً ، فلما أصبحوا ، تعاهدوا أن لا يعودوا لمثلها ، ثم تفرقوا ، فلما أصبح الأخنس بن شريق ، أخذ عصاه ، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته ، فقال أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد ، قال يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها ، وأعرف ما يراد بها ، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ، ولا ما يراد بها ، قال الأخنس وأنا والذي حلفت به ، ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل ، فدخل عليه بيته ، فقال يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ قال ماذا سمعت ؟ قال تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف ، أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تجاثينا على الركب ، وكنا كفرسي رهان ، قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء ، فمتى ندرك هذه ؟ والله لا نؤمن به أبداً ، ولا نصدقه ، قال فقام عنه الأخنس وتركه . وروى ابن جرير من طريق أسباط عن السدي في قوله { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِى يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِـآيَـٰتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } لما كان يوم بدر ، قال الأخنس بن شريق لبني زهرة يا بني زهرة إن محمداً ابن أختكم ، فأنتم أحق من ذب عن ابن أخته ، فإنه إن كان نبياً ، لم تقاتلوه اليوم ، وإن كان كاذباً ، كنتم أحق من كف عن ابن أخته ، قفوا حتى ألقى أبا الحكم ، فإن غلب محمد ، رجعتم سالمين ، وإن غلب محمد ، فإن قومكم لم يصنعوا بكم شيئاً - فيومئذ سمي الأخنس ، وكان اسمه " أبيّ " - فالتقى الأخنس وأبو جهل ، فخلا الأخنس بأبي جهل ، فقال يا أبا الحكم أخبرني عن محمد ، أصادق هو أم كاذب ؟ فإنه ليس هاهنا من قريش غيري وغيرك يستمع كلامنا ؟ فقال أبو جهل ويحك والله إن محمداً لصادق ، وما كذب محمد قط ، ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والنبوة ، فماذا يكون لسائر قريش ؟ فذلك قوله { فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } فآيات الله محمد صلى الله عليه وسلم . وقوله { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَـٰهُمْ نَصْرُنَا } هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتعزية له فيمن كذبه من قومه ، وأمر له بالصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ، ووعد له بالنصر كما نصروا ، وبالظفر حتى كانت لهم العاقبة ، بعد ما نالهم من التكذيب من قومهم والأذى البليغ ، ثم جاءهم النصر في الدنيا كما لهم النصر في الآخرة ، ولهذا قال { وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَـٰتِ ٱللَّهِ } أي التي كتبها بالنصر في الدنيا والآخرة لعباده المؤمنين كما قال { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَ } الصافات 171 - 173 وقال تعالى { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } المجادلة 21 وقوله { وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ } أي من خبرهم ، كيف نصروا وأيدوا على من كذبهم من قومهم ، فلك فيهم أسوة ، وبهم قدوة . ثم قال تعالى { وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ } أي إن كان شق عليك إعراضهم عنك { فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَآءِ } قال علي ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس النفق السرب ، فتذهب فيه ، فتأتيهم بآية ، أو تجعل لك سلماً في السماء ، فتصعد فيه ، فتأتيهم بآية أفضل مما آتيتهم به ، فافعل ، وكذا قال قتادة والسدي وغيرهما . وقوله { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ } كقوله تعالى { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا } يونس 99 الآية ، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحرص أن يؤمن جميع الناس ، ويتابعوه على الهدى ، فأخبره الله أنه لا يؤمن إلا من قد سبق له من الله السعادة في الذكر الأول ، وقوله تعالى { إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ } أي إنما يستجيب لدعائك يا محمد من يسمع الكلام ويعيه ويفهمه كقوله { لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ } يس 70 . وقوله { وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } يعني بذلك الكفار لأنهم موتى القلوب ، فشبههم الله بأموات الأجساد ، فقال { وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } وهذا من باب التهكم بهم ، والازدراء عليهم .