Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 84-90)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يذكر تعالى أنه وهب لإبراهيم إسحاق بعد أن طعن في السن ، وأيس هو وامرأته سارة من الولد ، فجاءته الملائكة ، وهم ذاهبون إلى قوم لوط ، فبشروهما بإسحاق ، فتعجبت المرأة من ذلك ، وقالت { يٰوَيْلَتَا ءَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِى شَيْخًا إِنَّ هَـٰذَا لَشَىْءٌ عَجِيبٌ قَالُوۤاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ رَحْمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَـٰتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ } هود72 - 73 فبشروهما مع وجوده بنبوته ، وبأن له نسلاً وعقباً ، كما قال تعالى { وَبَشَّرْنَـٰهُ بِإِسْحَـٰقَ نَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } الصافات 112 وهذا أكمل في البشارة وأعظم في النعمة ، وقال { فَبَشَّرْنَـٰهَا بِإِسْحَـٰقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَـٰقَ يَعْقُوبَ } هود 71 أي ويولد لهذا المولود ولد في حياتكما ، فتقر أعينكما به ، كما قرت بوالده ، فإن الفرح بولد الولد شديد لبقاء النسل والعقب ، ولما كان ولد الشيخ والشيخة قد يتوهم أنه لا يعقب لضعفه ، وقعت البشارة به وبولده باسم يعقوب ، الذي فيه اشتقاق العقب والذرية ، وكان هذا مجازاة لإبراهيم عليه السلام ، حين اعتزل قومه ، وتركهم ، ونزح عنهم ، وهاجر من بلادهم ذاهباً إلى عبادة الله في الأرض ، فعوضه الله عز وجل عن قومه وعشيرته ، بأولاد صالحين من صلبه على دينه لتقر بهم عينه ، كما قال تعالى { فَلَمَّا ٱعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً } مريم 49 وقال ههنا { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا } . وقوله { وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ } أي من قبله ، هديناه كما هديناه ، ووهبنا له ذرية صالحة ، وكل منهما له خصوصية عظيمة ، أما نوح عليه السلام ، فإن الله تعالى لما أغرق أهل الأرض إلا من آمن به ، وهم الذين صحبوه في السفينة ، جعل الله ذريته هم الباقين ، فالناس كلهم من ذريته ، وأما الخليل إبراهيم عليه السلام ، فلم يبعث الله عز وجل بعده نبياً ، إلا من ذريته ، كما قال تعالى { وَجَعَلْنَا فِى ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ } العنكبوت 27 الآية ، وقال تعالى { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَٰهِيمَ وَجَعَلْنَا فِى ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَـٰبَ } مريم 26 وقال تعالى { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْرَٰءِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَٱجْتَبَيْنَآ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتُ ٱلرَّحْمَـٰنِ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً } مريم 58 . وقوله في هذه الآية الكريمة { وَمِن ذُرِّيَّتِهِ } أي وهدينا من ذريته { دَاوُودَ وَسُلَيْمَـٰنَ } الآية ، وعود الضمير إلى نوح لأنه أقرب المذكورين ، ظاهر لا إشكال فيه ، وهو اختيار ابن جرير . وعوده إلى إبراهيم لأنه الذي سيق الكلام من أجله حسن ، لكن يشكل عليه لوط ، فإنه ليس من ذرية إبراهيم ، بل هو ابن أخيه مادان بن آزر ، اللهم إلا أن يقال إنه دخل في الذرية تغليباً ، وكما قال في قوله { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِى قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَآئِكَ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ إِلَـٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } البقرة 133 فإسماعيل عمه دخل في آبائه تغليباً ، وكما قال في قوله { فَسَجَدَ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُون إِلاَّ إِبْلِيسَ } الحجر30 - 31 فدخل إبليس في أمر الملائكة بالسجود ، وذم على المخالفة لأنه كان قد تشبه بهم ، فعومل معاملتهم ، ودخل معهم تغليباً ، وإلا فهو كان من الجن ، وطبيعته من النار ، والملائكة من النور ، وفي ذكر عيسى عليه السلام في ذرية إبراهيم أو نوح ، على القول الآخر ، دلالة على دخول ولد البنات في ذرية الرجل لأن عيسى عليه السلام إنما ينسب إلى إبراهيم عليه السلام ، بأمه مريم عليها السلام ، فإنه لا أب له . قال ابن أبي حاتم حدثنا سهل بن يحيى العسكري ، حدثنا عبد الرحمن بن صالح ، حدثنا علي بن عابس ، عن عبد الله بن عطاء المكي ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، قال أرسل الحجاج إلى يحيى بن يعمر ، فقال بلغني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم تجده في كتاب الله ، وقد قرأته من أوله إلى آخره ، فلم أجده ؟ قال أليس تقرأ سورة الأنعام { وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَـٰنَ } حتى بلغ { وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ } ؟ قال بلى ، قال أليس عيسى من ذرية إبراهيم ، وليس له أب ؟ قال صدقت . فلهذا إذا أوصى الرجل لذريته ، أو وقف على ذريته ، أو وهبهم ، دخل أولاد البنات فيهم ، فأما إذا أعطى الرجل بنيه ، أو وقف عليهم ، فإنه يختص بذلك بنوه لصلبه ، وبنو بنيه ، واحتجوا بقول الشاعر العربي @ بَنُونا بَنُو أَبْنائِنا وبَناتُنا بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرجالِ الأجانِبِ @@ وقال آخرون ويدخل بنو البنات فيهم أيضاً لما ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للحسن بن علي " إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " فسماه ابناً ، فدل على دخوله في الأبناء . وقال آخرون هذا تجوز ، وقوله { وَمِنْ ءابَائِهِمْ وَذُرِّيَّـٰتِهِمْ وَإِخْوَٰنِهِمْ } ذكر أصولهم وفروعهم ، وذوي طبقتهم ، وأن الهداية والاجتباء شملهم كلهم ، ولهذا قال { وَٱجْتَبَيْنَـٰهُمْ وَهَدَيْنَـٰهُمْ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } ثم قال تعالى { ذٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِى بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } أي إنما حصل لهم ذلك بتوفيق الله وهدايته إياهم ، { وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } تشديد لأمر الشرك ، وتغليظ لشأنه ، وتعظيم لملابسته كقوله تعالى { وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } الزمر 65 الآية ، وهذا شرط ، والشرط لا يقتضي جواز الوقوع ، كقوله { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَـٰبِدِينَ } الزخرف 81 وكقوله { لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَـٰهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَـٰعِلِينَ } الأنبياء 17 وكقوله { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ سُبْحَـٰنَهُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَٰحِدُ ٱلْقَهَّارُ } الزخرف 4 . وقوله تعالى { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ } أي أنعمنا عليهم بذلك رحمة للعباد بهم ، ولطفاً منا بالخليقة ، { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا } أي بالنبوة ، ويحتمل أن يكون الضمير عائداً على هذه الأشياء الثلاثة الكتاب والحكم والنبوة ، وقوله { هَـٰؤُلاَۤءِ } يعني أهل مكة ، قاله ابن عباس وسعيد بن المسيب والضحاك وقتادة والسدي وغير واحد ، { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَـٰفِرِينَ } أي إن يكفر بهذه النعم مَنْ كفر بها من قريش وغيرهم من سائر أهل الأرض من عرب وعجم ، وملّيين وكتابيين ، فقد وكلنا بها قوماً آخرين ، أي المهاجرين والأنصار وأتباعهم إلى يوم القيامة ، { لَّيْسُواْ بِهَا بِكَـٰفِرِينَ } أي لا يجحدون منها شيئاً ، ولا يردون منها حرفاً واحداً ، بل يؤمنون بجميعها محكمها ومتشابهها ، جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه وإحسانه . ثم قال تعالى مخاطباً عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم { أُوْلَـٰئِكَ } يعني الأنبياء المذكورين ، مع من أضيف إليهم من الآباء والذرية والإخوان ، وهم الأشباه ، { ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ } أي هم أهل الهدى ، لا غيرهم { فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } ، أي اقتد واتبع ، وإذا كان هذا أمراً للرسول صلى الله عليه وسلم فأمته تبع له فيما يشرعه ويأمرهم به ، قال البخاري عند هذه الآية حدثنا إبراهيم بن موسى ، أخبرنا هشام أن ابن جريج أخبرهم قال أخبرني سليمان الأحول أن مجاهداً أخبره أنه سأل ابن عباس أفي ص سجدة ؟ فقال نعم ، ثم تلا { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ } إلى قوله { فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } ثم قال هو منهم ، زاد يزيد بن هارون ، ومحمد بن عبيد ، وسهل بن يوسف ، عن العوام عن مجاهد قلت لابن عباس ، فقال نبيكم صلى الله عليه وسلم ممن أمر أن يقتدى بهم . وقوله تعالى { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً } أي لا أطلب منكم على إبلاغي إياكم هذا القرآن أجراً ، أي أجرة ، ولا أريد منكم شيئاً ، { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْعَـٰلَمِينَ } أي يتذكرون به ، فيرشدوا من العمى إلى الهدى ، ومن الغي إلى الرشاد ، ومن الكفر إلى الإيمان .