Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 60, Ayat: 7-9)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى لعباده المؤمنين بعد أن أمرهم بعداوة الكافرين { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً } أي محبة بعد البغضة ، ومودة بعد النفرة ، وألفة بعد الفرقة ، { وَٱللَّهُ قَدِيرٌ } أي على ما يشاء من الجمع بين الأشياء المتنافرة والمتباينة والمختلفة ، فيؤلف بين القلوب بعد العداوة والقساوة ، فتصبح مجتمعة متفقة كما قال تعالى ممتناً على الأنصار { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا } آل عمران 103 الآية . وكذا قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم " ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي ؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ؟ " وقال الله تعالى { هُوَ ٱلَّذِىۤ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } الأنفال 62 ــــ 63 وفي الحديث " أحبب حبيبك هوناً ما ، فعسى أن يكون بغيضك يوماً ما ، وأبغض بغيضك هوناً ما ، فعسى أن يكون حبيبك يوماً ما " وقال الشاعر @ وقد يَجْمَعُ اللّهُ الشَّتِيْتَيْنِ بعدَما يَظُنّاّنِ كُلَّ الظَّنِّ أَلا تَلاقِيا @@ وقوله تعالى { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي يغفر للكافرين كفرهم ، إذا تابوا منه ، وأنابوا إلى ربهم ، وأسلموا له ، وهو الغفور الرحيم بكل من تاب إليه من أي ذنب كان . وقد قال مقاتل بن حيان إن هذه الآية نزلت في أبي سفيان صخر بن حرب ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ابنته ، فكانت هذه مودة ما بينه وبينه . وفي هذا الذي قاله مقاتل نظر ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بأم حبيبة بنت أبي سفيان قبل الفتح ، وأبو سفيان إنما أسلم ليلة الفتح بلا خلاف ، وأحسن من هذا ما رواه ابن أبي حاتم حيث قال قرىء على محمد بن عزيز ، حدثني سلامة ، حدثني عقيل ، حدثني ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل أبا سفيان صخر بن حرب على بعض اليمن ، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل ، فلقي ذا الخمار مرتداً ، فقاتله ، فكان أول من قاتل في الردة ، وجاهد عن الدين ، قال ابن شهاب وهو ممن أنزل الله فيه { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً } الآية . وفي صحيح مسلم ، عن ابن عباس أن أبا سفيان قال يا رسول الله ، ثلاث أعطنيهن ، قال " نعم " قال تأمرني أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين ، قال " نعم " قال ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك ، قال " نعم " قال وعندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها ــــ الحديث ــــ وقد تقدم الكلام عليه . وقوله تعالى { لاَّ يَنْهَـٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَـٰتِلُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَـٰرِكُمْ } أي لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين كالنساء والضعفة منهم { أَن تَبَرُّوهُمْ } أي تحسنوا إليهم ، { وَتُقْسِطُوۤاْ إِلَيْهِمْ } أي تعدلوا { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } قال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية ، حدثنا هشام بن عروة ، عن فاطمة بنت المنذر ، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن أمي قدمت وهي راغبة ، أفأصلها ؟ قال " نعم صلي أمك " أخرجاه . وقال الإمام أحمد حدثنا عارم ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، حدثنا مصعب بن ثابت ، حدثنا عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال قدمت قتيلة على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا ضباب وَقَرَظ وسمن ، وهي مشركة ، فأبت أسماء أن تقبل هديتها ، وأن تدخلها بيتها . فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى { لاَّ يَنْهَـٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَـٰتِلُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ } إلى آخر الآية . فأمرها أن تقبل هديتها ، وأن تدخلها بيتها . وهكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث مصعب بن ثابت به ، وفي رواية لأحمد ولابن جرير قتيلة بنت عبد العزى بن سعد من بني مالك بن حسل ، وزاد ابن أبي حاتم في المدة التي كانت بين قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار حدثنا عبد الله بن شبيب ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثناأبو قتادة العدوي عن ابن أخي الزهري عن الزهري عن عروة عن عائشة وأسماء أنهما قالتا قدمت علينا أمنا المدينة ، وهي مشركة ، في الهدنة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش ، فقلنا يا رسول الله إن أمنا قدمت علينا المدينة ، وهي راغبة ، أفنصلها ؟ قال " نعم فصلاها " ثم قال وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن الزهري عن عروة عن عائشة إلا من هذا الوجه . قلت وهو منكر بهذا السياق لأن أم عائشة هي أم رومان ، وكانت مسلمة مهاجرة ، وأم أسماء غيرها كما هو مصرح باسمها في هذه الأحاديث المتقدمة ، والله أعلم . وقوله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } قد تقدم تفسير ذلك في سورة الحجرات ، وأورد الحديث الصحيح " المقسطون على منابر من نور عن يمين العرش ، الذين يعدلون في حكمهم وأهاليهم وما ولوا " وقوله تعالى { إِنَّمَا يَنْهَـٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَـٰتَلُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَـٰرِكُمْ وَظَـٰهَرُواْ عَلَىٰ إِخْرَٰجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ } أي إنما ينهاكم عن موالاة هؤلاء الذين ناصبوكم بالعداوة ، فقاتلوكم ، وأخرجوكم ، وعاونوا على إخراجكم ، ينهاكم الله عز وجل عن موالاتهم ، ويأمركم بمعاداتهم ، ثم أكد الوعيد على موالاتهم فقال { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } كقوله تعالى { يَـٰۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } المائدة 51 .