Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 28-30)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال مجاهد كان المشركون يطوفون بالبيت عراة يقولون نطوف كما ولدتنا أمهاتنا ، فتضع المرأة على قبلها النسعة أو الشيء ، وتقول @ اليومَ يَبْدو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ وما بَدا مِنْهُ فَلا أُحِلُّهُ @@ فأنزل الله { وَإِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ ءَابَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } الآية ، قلت كانت العرب ما عدا قريشاً لا يطوفون بالبيت في ثيابهم التي لبسوها ، يتأولون في ذلك أنهم لا يطوفون في ثياب عصوا الله فيها ، وكانت قريش ، وهم الحمس ، يطوفون في ثيابهم ، ومن أعاره أحمسي ثوباً ، طاف فيه ، ومن معه ثوب جديد ، طاف فيه ، ثم يلقيه ، فلا يتملكه أحد ، ومن لم يجد ثوباً جديداً ، ولا أعاره أحمسي ثوباً ، طاف عرياناً ، وربما كانت امرأة ، فتطوف عريانة ، فتجعل على فرجها شيئاً ليستره بعض الستر ، فتقول @ اليَوْمَ يَبْدُو بَعْضُه أَوْ كُلُّهُ وما بَدا مِنْهُ فَلا أُحِلُّهُ @@ وأكثر ما كان النساء يطفن عراة بالليل ، وكان هذا شيئاً قد ابتدعوه من تلقاء أنفسهم ، واتبعوا فيه آباءهم ، ويعتقدون أن فعل آبائهم مستند إلى أمر من الله وشرع ، فأنكر الله تعالى عليهم ذلك ، فقال { وَإِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ ءَابَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } فقال تعالى رداً عليهم { قُلْ } أي يا محمد لمن ادعى ذلك { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ } أي هذا الذي تصنعونه فاحشة منكرة ، والله لا يأمر بمثل ذلك ، { أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أي أتسندون إلى الله من الأقوال مالا تعلمون صحته ، وقوله تعالى { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِٱلْقِسْطِ } أي بالعدل والاستقامة ، { وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } أي أمركم بالاستقامة في عبادته في محالها ، وهي متابعة المرسلين المؤيدين بالمعجزات ، فيما أخبروا به عن الله ، وما جاؤوا به من الشرائع ، وبالإخلاص له في عبادته فإنه تعالى لا يتقبل العمل حتى يجمع هذين الركنين أن يكون صواباً موافقاً للشريعة ، وأن يكون خالصاً من الشرك . وقوله تعالى { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } إلى قوله { ٱلضَّلَـٰلَةَ } اختلف في معنى قوله { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } فقال ابن أبي نجيح عن مجاهد { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } يحييكم بعد موتكم ، وقال الحسن البصري كما بدأكم في الدنيا ، كذلك تعودون يوم القيامة أحياء ، وقال قتادة { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } قال بدأ فخلقهم ، ولم يكونوا شيئاً ، ثم ذهبوا ، ثم يعيدهم ، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم كما بدأكم أولاً ، كذلك يعيدكم آخراً ، واختار هذا القول أبو جعفر بن جرير ، وأيده بما رواه من حديث سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج ، كلاهما عن المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة ، فقال " يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلاً ، كما بدأنا أول خلق نعيده ، وعداً علينا إنا كنا فاعلين " وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث شعبة ، وفي صحيح البخاري أيضاً من حديث الثوري به ، وقال وِقاءُ بن إياس أبو يزيد عن مجاهد { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } قال يبعث المسلم مسلماً ، والكافر كافراً ، وقال أبو العالية { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } ردّوا إلى علمه فيهم ، وقال سعيد بن جبير كما بدأكم تعودون ، كما كتب عليكم تكونون ، وفي رواية كما كنتم عليه تكونون ، وقال محمد بن كعب القرظي في قوله تعالى { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } من ابتدأ الله خلقه على الشقاوة ، صار إلى ما ابتدىء عليه خلقه ، وإن عمل بأعمال أهل السعادة ، ومن ابتدأ خلقه على السعادة ، صار إلى ما ابتدىء خلقه عليه ، وإن عمل بأعمال أهل الشقاء ، كما أن السحرة عملوا بأعمال أهل الشقاء ، ثم صاروا إلى ما ابتدئوا عليه ، وقال السدي { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقاً هَدَىٰ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ } يقول { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } كما خلقناكم ، فريق مهتدون ، وفريق ضلال ، كذلك تعودون وتخرجون من بطون أمهاتكم . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلَـٰلَةُ } قال إن الله تعالى بدأ خلق ابن آدم مؤمناً وكافراً ، كما قال { هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } التغابن 2 ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأهم مؤمناً وكافراً . قلت ويتأيد هذا القول بحديث ابن مسعود في صحيح البخاري " فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة ، حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النار ، فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل الجنة ، فيدخل الجنة " وقال أبو القاسم البغوي حدثنا علي بن الجعد ، حدثنا أبو غسان عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن العبد ليعمل فيما يرى الناس بعمل أهل الجنة ، وإنه من أهل النار ، وإنه ليعمل فيما يرى الناس بعمل أهل النار ، وإنه من أهل الجنة ، وإنما الأعمال بالخواتيم " هذا قطعة من حديث البخاري من حديث أبي غسان محمد بن مطرف المدني في قصة قزمان يوم أحد ، وقال ابن جرير حدثني ابن بشار حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " تبعث كل نفس على ما كانت عليه " وهذا الحديث رواه مسلم وابن ماجه من غير وجه ، عن الأعمش به ، ولفظه " يبعث كل عبد على ما مات عليه " وعن ابن عباس مثله ، قلت ويتأيد بحديث ابن مسعود ، قلت ولا بد من الجمع بين هذا القول ، إن كان هو المراد من الآية ، وبين قوله تعالى { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا } الروم 30 وما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه " وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول الله تعالى إني خلقت عبادي حنفاء ، فجاءتهم الشياطين ، فاجتالتهم عن دينهم " الحديث ، ووجه الجمع على هذا ، أنه تعالى خلقهم ليكون منهم مؤمن وكافر في ثاني الحال ، وإن كان قد فطر الخلق كلهم على معرفته وتوحيده والعلم بأنه لا إله غيره ، كما أخذ عليهم الميثاق بذلك ، وجعله في غرائزهم وفطرهم ومع هذا قدر أن منهم شقياً ، ومنهم سعيداً { هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } التغابن 2 وفي الحديث " كل الناس يغدو ، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها " وقدر الله نافذ في بريته ، فإنه هو { وَٱلَّذِى قَدَّرَ فَهَدَىٰ } الأعلى 3 و { ٱلَّذِىۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَىءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } طه 50 وفي الصحيحين " فأما من كان منكم من أهل السعادة ، فسييسر لعمل أهل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاوة ، فسييسر لعمل أهل الشقاوة " ولهذا قال تعالى { فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلَـٰلَةُ } ثم علل ذلك فقال { إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَـٰطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } الآية ، قال ابن جرير وهذا من أبين الدلالة على خطأ من زعم أن الله لا يعذب أحداً على معصية ركبها ، أو ضلالة اعتقدها ، إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها ، فيركبها عناداً منه لربه فيها لأنه لو كان كذلك ، لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل ، وهو يحسب أنه مهتد ، وفريق الهدى ، فَرْقٌ ، وقد فرق الله تعالى بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية .