Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 72, Ayat: 25-28)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس إنه لا علم له بوقت الساعة ، ولا يدري أقريب وقتها أم بعيد ؟ { قُلْ إِنْ أَدْرِىۤ أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّىۤ أَمَداً } أي مدة طويلة ، وفي هذه الآية الكريمة دليل على أن الحديث الذي يتداوله كثير من الجهلة من أنه عليه الصلاة والسلام لا يؤلف تحت الأرض كذب لا أصل له ، ولم نره في شيء من الكتب ، وقد كان صلى الله عليه وسلم يُسأل عن وقت الساعة ، فلا يجيب عنها ، ولما تبدى له جبريل في صورة أعرابي ، كان فيما سأله أن قال يا محمد فأخبرني عن الساعة ؟ قال " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل " ولما ناداه ذلك الأعرابي بصوت جهوري فقال يا محمد متى الساعة ؟ قال " ويحك إنها كائنة فما أعددت لها ؟ " قال أما إني لم أعد لها كثير صلاة ولا صيام ، ولكني أحب الله ورسوله ، قال " فأنت مع من أحببت " قال أنس فما فرح المسلمون بشيء فرحهم بهذا الحديث . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن مصفّى ، حدثنا محمد بن حمير ، حدثني أبو بكر بن أبي مريم عن عطاء بن أبي رباح عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يا بني آدم إن كنتم تعقلون ، فعدوا أنفسكم من الموتى ، والذي نفسي بيده إن ما توعدون لآت " وقد قال أبو داود في آخر كتاب الملاحم حدثنا موسى بن سهل ، حدثنا حجاج بن إبراهيم ، حدثنا ابن وهب ، حدثني معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن أبي ثعلبة الخشني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لن تعجز الله هذه الأمة من نصف يوم " انفرد به أبو داود ، ثم قال أبو داود حدثنا عمرو بن عثمان ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثني صفوان عن شريح بن عبيد عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال " إني لأرجو أن لا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم " قيل لسعد وكم نصف يوم ؟ قال " خمسمئة عام " . انفرد به أبو داود . وقوله تعالى { عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ } هذه كقوله تعالى { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ } البقرة 255 وهكذا قال ههنا إنه يعلم الغيب والشهادة ، وإنه لا يطلع أحد من خلقه على شيء من علمه إلا مما أطلعه تعالى عليه ، ولهذا قال { عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ } وهذا يعمّ الرسول الملكي والبشري . ثم قال تعالى { فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً } أي يخصه بمزيد معقبات من الملائكة يحفظونه من أمر الله ، ويساوقونه على ما معه من وحي الله ، ولهذا قال { لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَىْءٍ عَدَداً } وقد اختلف المفسرون في الضمير الذي في قوله { لِّيَعْلَمَ } إلى من يعود ؟ فقيل إنه عائد على النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن جرير حدثنا ابن حميد ، حدثنا يعقوب القمي عن جعفر عن سعيد بن جبير في قوله { عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً } قال أربعة حفظة من الملائكة مع جبريل { لِّيَعْلَمَ } محمد صلى الله عليه وسلم { أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَىْءٍ عَدَداً } . ورواه ابن أبي حاتم من حديث يعقوب القمي به . وهكذا رواه الضحاك والسدي ويزيد بن أبي حبيب . وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة { لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّهِمْ } قال ليعلم نبي الله أن الرسل قد بلّغت عن الله ، وأن الملائكة حفظتها ودفعت عنها ، وكذا رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ، واختاره ابن جرير ، وقيل غير ذلك ، كما رواه العوفي عن ابن عباس في قوله { إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً } قال هي معقبات من الملائكة يحفظون النبي صلى الله عليه وسلم من الشيطان ، حتى يتبين الذي أرسل به إليهم ، وذلك حين يقول ليعلم أهل الشرك أن قد أبلغوا رسالات ربهم . وكذا قال ابن أبي نجيح عن مجاهد { لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّهِمْ } قال ليعلم من كذب الرسل أن قد أبلغوا رسالات ربهم ، وفي هذا نظر . وقال البغوي قرأ يعقوب { لِيُعْلَمَ } بالضم ، أي ليعلم الناس أن الرسل قد بلغوا . ويحتمل أن يكون الضمير عائداً إلى الله عز وجل ، وهو قول حكاه ابن الجوزي في زاد المسير ، ويكون المعنى في ذلك أنه يحفظ رسله بملائكته ليتمكنوا من أداء رسالاته ، ويحفظ ما ينزله إليهم من الوحي ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم ، ويكون ذلك كقوله تعالى { وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِى كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } البقرة 143 وكقوله تعالى { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ } العنكبوت 11 إلى أمثال ذلك من العلم بأنه تعالى يعلم الأشياء قبل كونها قطعاً لا محالة ، ولهذا قال بعد هذا { وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَىْءٍ عَدَداً } . آخر تفسير سورة الجن ، ولله الحمد والمنة .