Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 74, Ayat: 1-10)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثبت في " صحيح البخاري " من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر أنه كان يقول أول شيء نزل من القرآن { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } وخالفه الجمهور فذهبوا إلى أن أول القرآن نزولاً قوله تعالى { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ } العلق 1 كما سيأتي ذلك هنالك إن شاء الله تعالى . قال البخاري حدثنا يحيى ، حدثنا وكيع عن علي بن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير قال سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن فقال { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } قلت يقولون { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ } العلق 1 فقال أبو سلمة سألت جابر بن عبد الله عن ذلك ، وقلت له مثل ما قلت لي ، فقال جابر لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " جاورت بحراء ، فلما قضيت جواري ، هبطت فنوديت ، فنظرت عن يميني فلم أر شيئاً ، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئاً ، ونظرت أمامي فلم أر شيئاً ، ونظرت خلفي فلم أر شيئاً ، فرفعت رأسي فرأيت شيئاً ، فأتيت خديجة ، فقلت دثروني وصبوا عليَّ ماء بارداً ــــ قال ــــ فدثروني وصبوا علي ماء بارداً ــــ قال ــــ فنزلت { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } " هكذا ساقه من هذا الوجه . وقد رواه مسلم من طريق عقيل عن ابن شهاب عن أبي سلمة قال أخبرني جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي ، فقال في حديثه " فبينا أنا أمشي ، إذ سمعت صوتاً من السماء ، فرفعت بصري قبل السماء ، فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض ، فجئثت منه حتى هويت إلى الأرض ، فجئت إلى أهلي فقلت زملوني زملوني ، فزملوني ، فأنزل الله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ } ــــ إلى ــــ ــــ قال أبو سلمة والرجز الأوثان ــــ ثم حمي الوحي وتتابع " هذا لفظ البخاري ، وهذا السياق هو المحفوظ ، وهو يقتضي أنه قد نزل الوحي قبل هذا لقوله " فإذا الملك الذي جاءني بحراء " وهو جبريل حين أتاه بقوله { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } العلق 1 ــــ 5 ثم إنه حصل بعد هذا فترة ، ثم نزل الملك بعد هذا . ووجه الجمع أن أول شيء نزل بعد فترة الوحي هذه السورة كما قال الإمام أحمد حدثنا حجاج ، حدثنا ليث ، حدثنا عقيل عن ابن شهاب قال سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول أخبرني جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ثم فتر الوحي عني فترة ، فبينا أنا أمشي سمعت صوتاً من السماء ، فرفعت بصري قبل السماء ، فإذا الملك الذي جاءني قاعد على كرسي بين السماء والأرض ، فجئثت منه فرقاً حتى هويت إلى الأرض ، فجئت أهلي ، فقلت لهم زملوني زملوني ، فزملوني ، فأنزل الله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ } ثم حمي الوحي وتتابع " أخرجاه من حديث الزهري به . وقال الطبراني حدثنا محمد بن علي بن شعيب السمسار ، حدثنا الحسن ابن بشر البجلي ، حدثنا المعافى بن عمران عن إبراهيم بن يزيد سمعت ابن أبي مليكة يقول سمعت ابن عباس يقول إن الوليد بن المغيرة صنع لقريش طعاماً ، فلما أكلوا منه ، قال ما تقولون في هذا الرجل ؟ فقال بعضهم ساحر ، وقال بعضهم ليس بساحر ، وقال بعضهم كاهن ، وقال بعضهم ليس بكاهن ، وقال بعضهم شاعر ، وقال بعضهم ليس بشاعر ، وقال بعضهم بل سحر يؤثر ، فأجمع رأيهم على أنه سحر يؤثر ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فحزن وقنع رأسه وتدثر ، فأنزل الله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ وَلِرَبِّكَ فَٱصْبِرْ } وقوله تعالى { قُمْ فَأَنذِرْ } أي شمر عن ساق العزم وأنذر الناس ، وبهذا حصل الإرسال كما حصل بالأول النبوة . { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } أي عظم . وقوله تعالى { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } قال الأجلح الكندي عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه أتاه رجل فسأله عن هذه الآية { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } قال لا تلبسها على معصية ، ولا على غدرة . ثم قال أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي @ فَإِني بِحَمْدِ اللّهِ لا ثَوْبَ فاجِرٍ لَبِسْتُ ولا مِنْ غَدْرَةٍ أَتَقَنَّعُ @@ وقال ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في الآية { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } قال في كلام العرب نقي الثياب . وفي رواية بهذا الإسناد فطهر من الذنوب ، وكذا قال إبراهيم والشعبي وعطاء ، وقال الثوري عن رجل عن عطاء عن ابن عباس في هذه الآية { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } قال من الإثم ، وكذا قال إبراهيم النخعي . وقال مجاهد { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } قال نفسك ، ليس ثيابك ، وفي رواية عنه { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } أي عملك فأصلح ، وكذا قال أبو رزين ، وقال في رواية أخرى { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } أي لست بكاهن ولا ساحر ، فأعرض عما قالوا . وقال قتادة { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } أي طهرها من المعاصي ، وكانت العرب تسمي الرجل ، إذا نكث ولم يف بعهد الله إنه لدنس الثياب ، وإذا وفى وأصلح إنه لمطهر الثياب ، وقال عكرمة والضحاك لا تلبسها على معصية . وقال الشاعر @ إذا المَرْءُ لم يَدْنَسْ منَ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ فَكُلُّ رِداءٍ يَرْتَديهِ جَميلُ @@ وقال العوفي عن ابن عباس { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } يعني لا تكن ثيابك التي تلبس من مكسب غير طائب ، ويقال لا تلبس ثيابك على معصية ، وقال محمد بن سيرين { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } أي اغسلها بالماء ، وقال ابن زيد كان المشركون لا يتطهرون ، فأمره الله أن يتطهر ، وأن يطهر ثيابه ، وهذا القول اختاره ابن جرير ، وقد تشمل الآية جميع ذلك ، مع طهارة القلب فإن العرب تطلق الثياب عليه كما قال امرؤ القيس @ أفاطِمُ مَهْلاً بَعْضَ هذا التَّدَلُّلِ وإنْ كُنْتِ قَدْ أَزْمَعْتِ هَجْري فَأَجْمِلي وإنْ تَكُ قَدْ ساءَتْكِ مِني خَليقَةٌ فَسُلِّي ثِيابي منْ ثيابِك تَنْسُلِ @@ وقال سعيد بن جبير { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } وقلبك ونيتك فطهر ، وقال محمد بن كعب القرظي والحسن البصري وخلقك فحسن . وقوله تعالى { وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس والرجز ، وهو الأصنام ، فاهجر ، وكذا قال مجاهد وعكرمة وقتادة والزهري وابن زيد إنها الأوثان ، وقال إبراهيم والضحاك { وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ } أي اترك المعصية ، وعلى كل تقدير فلا يلزم تلبسه بشيء من ذلك كقوله تعالى { يٰۤأَيُّهَا ٱلنَّبِىِّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَـٰفِرِينَ وَٱلْمُنَـٰفِقِينَ } الأحزاب 1 { وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَـٰرُونَ ٱخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } الأعراف 142 . وقوله تعالى { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } قال ابن عباس لا تعط العطية تلتمس أكثر منها ، وكذا قال عكرمة ومجاهد وعطاء وطاوس وأبو الأحوص وإبراهيم النخعي والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم ، وروي عن ابن مسعود أنه قرأ ولا تمنن أن تستكثر وقال الحسن البصري لا تمنن بعملك على ربك تستكثره ، وكذا قال الربيع بن أنس ، واختاره ابن جرير ، وقال خصيف عن مجاهد في قوله تعالى { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } قال لا تضعف أن تستكثر من الخير ، قال تمنن في كلام العرب تضعف ، وقال ابن زيد لا تمنن بالنبوة على الناس ، تستكثرهم بها ، تأخذ عليه عوضاً من الدنيا . فهذه أربعة أقوال ، والأظهر القول الأول ، والله أعلم . وقوله تعالى { وَلِرَبِّكَ فَٱصْبِرْ } أي اجعل صبرك على أذاهم لوجه ربك عز وجل ، قاله مجاهد . وقال إبراهيم النخعي اصبر عطيتك لله عز وجل . وقوله تعالى { فَإِذَا نُقِرَ فِى ٱلنَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ } قال ابن عباس ومجاهد والشعبي وزيد بن أسلم والحسن وقتادة والضحاك والربيع بن أنس والسدي وابن زيد { ٱلنَّاقُورِ } الصور ، قال مجاهد وهو كهيئة القرن . وقال ابن أبي حاتم حدثناأبو سعيد الأشج ، حدثنا أسباط بن محمد عن مطرف عن عطية العوفي عن ابن عباس { فَإِذَا نُقِرَ فِى ٱلنَّاقُورِ } فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كيف أنعم ، وصاحب القرن قد التقم القرن ، وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ ؟ " فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال " قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا " وهكذا رواه الإمام أحمد عن أسباط به ، ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن ابن فضيل وأسباط ، كلاهما عن مطرف به ، ورواه من طريق أخرى عن العوفي عن ابن عباس به . وقوله تعالى { فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ } أي شديد { عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ } أي غير سهل عليهم كما قال تعالى { يَقُولُ ٱلْكَـٰفِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } القمر 8 ، وقد روينا عن زرارة بن أوفى قاضي البصرة أنه صلى بهم الصبح ، فقرأ هذه السورة ، فلما وصل إلى قوله تعالى { فَإِذَا نُقِرَ فِى ٱلنَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ } شهق شهقة ثم خرّ ميتاً رحمه الله تعالى .