Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 78, Ayat: 1-16)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى منكراً على المشركين في تساؤلهم عن يوم القيامة إنكاراً لوقوعها { عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } أي عن أي شيء يتساءلون عن أمر القيامة ؟ وهو النبأ العظيم ، يعني الخبر الهائل المفظع الباهر ، قال قتادة وابن زيد النبأ العظيم البعث بعد الموت . وقال مجاهد هو القرآن . والأظهر الأول لقوله { ٱلَّذِى هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } يعني الناس فيه على قولين مؤمن به ، وكافر ، ثم قال تعالى متوعداً لمنكري القيامة { كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } وهذا تهديد شديد ، ووعيد أكيد . ثم شرع تبارك وتعالى يبين قدرته العظيمة على خلق الأشياء الغريبة ، والأمور العجيبة الدالة على قدرته على ما يشاء من أمر المعاد وغيره ، فقال { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَـٰداً } أي ممهدة للخلائق ، ذلولاً لهم ، قارةً ساكنة ثابتة { وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً } أي جعلها لها أوتاداً أرساها بها ، وثبتها وقررها حتى سكنت ولم تضطرب بمن عليها . ثم قال تعالى { وَخَلَقْنَـٰكُمْ أَزْوَٰجاً } يعني ذكراً وأنثى ، يتمتع كل منهما بالآخر ، ويحصل التناسل بذلك كقوله { وَمِنْ ءايَـٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } الروم 21 وقوله تعالى { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً } أي قطعاً للحركة لتحصل الراحة من كثرة الترداد والسعي في المعايش في عرض النهار . وقد تقدم مثل هذه الآية في سورة الفرقان . { وَجَعَلْنَا ٱلَّيْلَ لِبَاساً } أي يغشى الناس ظلامه وسواده كما قال { وَٱلَّيْلِ إِذَا يَغْشَـٰهَا } الشمس 4 وقال الشاعر @ فَلمَّا لَبِسْنَ اللَّيْلَ أَوْحينَ نصبَتْ له منْ خذا آذانِها وهو جانِحُ @@ وقال قتادة في قوله تعالى { وَجَعَلْنَا ٱلَّيْلَ لِبَاساً } أي سكناً ، وقوله تعالى { وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً } أي جعلناه مشرقاً نيراً مضيئاً ، ليتمكن الناس من التصرف فيه ، والذهاب والمجيء للمعاش والتكسب والتجارات وغير ذلك . وقوله تعالى { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً } يعني السموات السبع في اتساعها وارتفاعها ، وإحكامها وإتقانها ، وتزيينها بالكواكب الثوابت والسيارات ، ولهذا قال تعالى { وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً } يعني الشمس المنيرة على جميع العالم التي يتوهج ضوءُها لأهل الأرض كلهم . وقوله تعالى { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً } قال العوفي عن ابن عباس المعصرات الريح ، وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد ، حدثنا أبو داود الحفري عن سفيان عن الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ } قال الرياح ، وكذا قال عكرمة ومجاهد وقتادة ومقاتل والكلبي وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن إنها الرياح ، ومعنى هذا القول أنها تستدر المطر من السحاب ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس من المعصرات ، أي من السحاب ، وكذا قال عكرمة أيضاً وأبو العالية والضحاك والحسن والربيع بن أنس والثوري ، واختاره ابن جرير ، وقال الفراء هي السحاب التي تتحلب بالمطر ولم تمطر بعد ، كما يقال امرأة معصر ، إذا دنا حيضها ولم تحض . وعن الحسن وقتادة من المعصرات ، يعني السموات ، وهذا قول غريب ، والأظهر أن المراد بالمعصرات السحاب كما قال تعالى { ٱللَّهُ ٱلَّذِى يُرْسِلُ ٱلرِّيَـٰحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِى ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ } الروم 48 أي من بينه . وقوله جل وعلا { مَآءً ثَجَّاجاً } قال مجاهد وقتادة والربيع بن أنس ثجاجاً منصباً . وقال الثوري متتابعاً . وقال ابن زيد كثيراً ، وقال ابن جرير ولا يعرف في كلام العرب في صفة الكثرة الثج ، وإنما الثج الصب المتتابع ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم " أفضل الحج العج والثج " يعني صب دماء البدن ، هكذا قال ، قلت وفي حديث المستحاضة حين قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنعت لك الكرسف " يعني أن تحتشي بالقطن ، فقالت يا رسول الله هو أكثر من ذلك ، إنما أثج ثجاً ، وهذا فيه دلالة على استعمال الثج في الصب المتتابع الكثير ، والله أعلم . وقوله تعالى { لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً وَجَنَّـٰتٍ أَلْفَافاً } أي لنخرج بهذا الماء الكثير الطيب النافع المبارك { حَبّاً } يدخر للأناسي والأنعام { وَنَبَاتاً } أي خضراً يؤكل رطباً { وَجَنَّـٰتٌ } أي بساتين وحدائق من ثمرات متنوعة ، وألوان مختلفة ، وطعوم وروائح متفاوتة ، وإن كان ذلك في بقعة واحدة من الأرض مجتمعاً ، ولهذا قال وجنات ألفافاً ، قال ابن عباس وغيره ألفافاً مجتمعة ، وهذه كقوله تعالى { وَفِى ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَـٰوِرَٰتٌ وَجَنَّـٰتٌ مِّنْ أَعْنَـٰبٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَٰنٌ وَغَيْرُ صِنْوَٰنٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَٰحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِى ٱلأُكُلِ إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } الرعد 4 .