Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 2-4)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } . قال المنافقون لا يدخل قلوبهم شيء من ذكر الله عند أداء فرائضه . ولا يؤمنون بشيء من آيات الله ، ولا يتوكلون ، ولا يصلون إذا غابوا ، ولا يؤدون زكاة أموالهم ، فأخبر الله تعالى أنهم ليسوا بمؤمنين ، ثم وصف الله المؤمنين فقال { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } فأدوا فرائضه { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَـٰناً } يقول زادتهم تصديقاً { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } يقول لا يرجون غيره . وقال مجاهد { وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } فرقت ، أي فزعت وخافت ، وكذا قال السدي وغير واحد ، وهذه صفة المؤمن حق المؤمن الذي إذا ذكر الله وجل قلبه ، أي خاف منه ، ففعل أوامره ، وترك زواجره كقوله تعالى { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } آل عمران 135 ، وكقوله تعالى { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِىَ ٱلْمَأْوَىٰ } النازعات 40 - 41 ولهذا قال سفيان الثوري سمعت السدي يقول في قوله تعالى { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } . قال هو الرجل يريد أن يظلم ، أو قال يهم بمعصية ، فيقال له اتق الله ، فيجل قلبه ، وقال الثوري أيضاً عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن شهر بن حوشب عن أمّ الدرداء في قوله { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } قالت الوجل في القلب كاحتراق السعفة ، أما تجد له قشعريرة ؟ قال بلى . قالت لي إذا وجدت ذلك فادع الله عند ذلك ، فإن الدعاء يذهب ذلك ، وقوله { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَـٰناً } ، كقوله { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَـٰناً فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَـٰناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } التوبة 124 . وقد استدل البخاري وغيره من الأئمة بهذه الآية وأشباهها على زيادة الإيمان وتفاضله في القلوب كما هو مذهب جمهور الأمة ، بل قد حكى الإجماع عليه غير واحد من الأئمة كالشافعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد كما بينا ذلك مستقصى في أول شرح البخاري ، ولله الحمد والمنة ، { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } أي لا يرجون سواه ، ولا يقصدون إلا إياه ، ولا يلوذون إلا بجنابه ، ولا يطلبون الحوائج إلا منه ، ولا يرغبون إلا إليه ، ويعلمون أنه ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وأنه المتصرف في الملك ، وحده لا شريك له ، ولا معقب لحكمه ، وهو سريع الحساب ، ولهذا قال سعيد بن جبير التوكل على الله جماع الإيمان . وقوله { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ } ينبه تعالى بذلك على أعمالهم بعدما ذكر اعتقادهم ، وهذه الأعمال تشمل أنواع الخير كلها ، وهو إقامة الصلاة ، وهو حق الله تعالى ، وقال قتادة إقامة الصلاة المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها ، وقال مقاتل بن حيان إقامتها المحافظة على مواقيتها ، وإسباغ الطهور فيها ، وتمام ركوعها وسجودها ، وتلاوة القرآن فيها ، والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هذا إقامتها ، والإنفاق مما رزقهم الله يشمل إخراج الزكاة وسائر الحقوق للعباد من واجب ومستحب . والخلق كلهم عيال الله ، فأحبهم إلى الله أنفعهم لخلقه . قال قتادة في قوله { وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ } ، فأنفقوا مما رزقكم الله ، فإنما هذه الأموال عواري وودائع عندك يا بن آدم ، أوشكت أن تفارقها . وقوله { أُوْلـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } ، أي المتصفون بهذه الصفات هم المؤمنون حق الإيمان . وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا أبو كريب ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا ابن لهيعة عن خالد بن يزيد السكسكي عن سعيد بن أبي هلال عن محمد بن أبي الجهم ، عن الحارث بن مالك الأنصاري أنه مر برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له " كيف أصبحت يا حارث ؟ " قال أصبحت مؤمناً حقاً ، قال " انظر ما تقول ، فإن لكل شيء حقيقة ، فما حقيقة إيمانك ؟ " فقال عزفت نفسي عن الدنيا ، فأسهرت ليلي ، وأظمأت نهاري ، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً ، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها ، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها . فقال " يا حارث عرفت فالزم " ثلاثاً . وقال عمرو بن مرة في قوله تعالى { أُوْلـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } إنما أنزل القرآن بلسان العرب كقولك فلان سيد حقاً ، وفي القوم سادة . وفلان تاجر حقاً ، وفي القوم تجار . وفلان شاعر حقاً ، وفي القوم شعراء . وقوله { لَّهُمْ دَرَجَـٰتٌ عِندَ رَبِّهِمْ } أي منازل ومقامات ودرجات في الجنات كما قال تعالى { هُمْ دَرَجَـٰتٌ عِندَ ٱللَّهِ وٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } آل عمران 163 ، { وَمَغْفِرَةٌ } أي يغفر لهم السيئات ، ويشكر لهم الحسنات . وقال الضحاك في قوله { لَّهُمْ دَرَجَـٰتٌ عِندَ رَبِّهِمْ } أهل الجنة بعضهم فوق بعض ، فيرى الذي هو فوق فضله على الذي هو أسفل منه ، ولا يرى الذي هو أسفل منه أنه فضل عليه أحد ، ولهذا جاء في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن أهل عليين ليراهم من أسفل منهم كما ترون الكوكب الغابر في أفق من آفاق السماء " قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا ينالها غيرهم ، فقال " بلى والذي نفسي بيده ، لرجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين " وفي الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث أبي عطية عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أهل الجنة ليتراءون أهل الدرجات العلى كما تراءون الكوكب الغابر في أفق السماء ، وإن أبا بكر وعمر منهم ، وأنعما " .