Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 83, Ayat: 18-28)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى حقاً { إِنَّ كِتَـٰبَ ٱلأَبْرَارِ } وهم بخلاف الفجار { لَفِى عِلِّيِّينَ } أي مصيرهم إلى عليين ، وهو بخلاف سجين . قال الأعمش عن شمر بن عطية عن هلال بن يساف قال سأل ابن عباس كعباً ، وأنا حاضر ، عن سجين قال هي الأرض السابعة ، وفيها أرواح الكفار ، وسأله عن عليين فقال هي السماء السابعة ، وفيها أرواح المؤمنين ، وهكذا قال غير واحد إنها السماء السابعة ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله { كَلاَّ إِنَّ كِتَـٰبَ ٱلأَبْرَارِ لَفِى عِلِّيِّينَ } يعني الجنة . وفي رواية العوفي عنه أعمالهم في السماء عند الله ، وكذا قال الضحاك ، وقال قتادة عليون ساق العرش اليمنى ، وقال غيره عليون عند سدرة المنتهى ، والظاهر أن عليين مأخوذ من العلو ، وكلما علا الشيء وارتفع ، عظم واتسع ، ولهذا قال تعالى معظماً أمره ومفخماً شأنه { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ } ؟ ثم قال تعالى مؤكداً لما كتب لهم { كِتَـٰبٌ مَّرْقُومٌ يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } وهم الملائكة ، قاله قتادة ، وقال العوفي عن ابن عباس يشهده من كل سماء مقربوها . ثم قال تعالى { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ } أي يوم القيامة هم في نعيم مقيم ، وجنات فيها فضل عميم { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ } وهي السرر تحت الحجال ينظرون . قيل معناه ينظرون في ملكهم ، وما أعطاهم الله من الخير والفضل الذي لا ينقضي ، ولا يبيد . وقيل معناه { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } إلى الله عز وجل ، وهذا مقابل لما وصف به أولئك الفجار { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } فذكر عن هؤلاء أنهم يباحون النظر إلى الله عز وجل ، وهم على سررهم وفرشهم كما تقدم في حديث ابن عمر " إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر في ملكه مسيرة ألفي سنة ، يرى أقصاه كما يرى أدناه ، وإن أعلاهم لمن ينظر إلى الله عز وجل في اليوم مرتين " وقوله تعالى { تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } أي تعرف إذا نظرت إليهم في وجوههم نضرة النعيم ، أي صفة الترافة والحشمة ، والسرور والدعة والرياسة مما هم فيه من النعيم العظيم . وقوله تعالى { يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ } أي يسقون من خمر من الجنة ، والرحيق من أسماء الخمر ، قاله ابن مسعود وابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وابن زيد ، قال الإمام أحمد حدثنا حسن ، حدثنا زهير عن سعد أبي المجاهد الطائي عن عطية بن سعد العوفي عن أبي سعيد الخدري ، أراه قد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال " أيما مؤمن سقى مؤمناً شربة ماء على ظمأ ، سقاه الله تعالى يوم القيامة من الرحيق المختوم ، وأيما مؤمن أطعم مؤمناً على جوع ، أطعمه الله من ثمار الجنة ، وأيما مؤمن كسا مؤمناً ثوباً على عري ، كساه الله من خضر الجنة " وقال ابن مسعود في قوله { خِتَـٰمُهُ مِسْكٌ } أي خلطه مسك ، وقال العوفي عن ابن عباس طيب الله لهم الخمر ، فكان آخر شيء جعل فيها مسك ختم بمسك ، وكذا قال قتادة والضحاك ، وقال إبراهيم والحسن ختامه مسك ، أي عاقبته مسك . وقال ابن جرير حدثنا ابن حميد ، حدثنا يحيى بن واضح ، حدثنا أبو حمزة عن جابر عن عبد الرحمن بن سابط ، عن أبي الدرداء { خِتَـٰمُهُ مِسْكٌ } قال شراب أبيض مثل الفضة يختمون به شرابهم ، ولو أن رجلاً من أهل الدنيا أدخل أصبعه فيه ، ثم أخرجها ، لم يبق ذو روح إلا وجد طيبها . وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد { خِتَـٰمُهُ مِسْكٌ } قال طيبه مسك . وقوله تعالى { وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَـٰفِسُونَ } أي وفي مثل هذا الحال فليتفاخر المتفاخرون ، وليتباه ويكاثر ويستبق إلى مثله المستبقون كقوله تعالى { لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَـٰمِلُونَ } الصافات 61 ، وقوله تعالى { وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ } أي ومزاج هذا الرحيق الموصوف من تسنيم ، أي من شراب يقال له تسنيم ، وهو أشرف شراب أهل الجنة وأعلاه ، قاله أبو صالح والضحاك ، ولهذا قال { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ } أي يشربها المقربون صرفاً ، وتمزج لأصحاب اليمين مزجاً ، قاله ابن مسعود وابن عباس ومسروق وقتادة وغيرهم .